تشهد الساحة الداخلية في الولايات المتحدة الأميركية أزمة سياسية وضغوطاً متزايدة، فبعد الصراع الذي شهده الكونغرس حول انتخاب رئيس جديد لقيادة المرحلة المقبلة في الكابيتول هيل، يبدو أنّ الساحة السياسية ستشهد تحديات كبيرة منها ما يتعلق بملفات داخلية ساخنة لها علاقة بالعمل الحكومي بالإضافة إلى أنها ستكون حبلى بالمفاجآت والتطورات خاصة مع تداعيات معركة طوفان الأقصى والمواقف التي أطلقها بايدن وادارته في هذه الظروف، والتي خلقت حالة من التشتت والانقسام ليس فقط في قلب الحزب الديمقراطي وجمهوره النشط ومؤيديه خاصة من اليسار والذين على ما يبدو يشكّلون قوة صلبة داخل الحزب على بايدن ان يضعها في عين الاعتبار، انما أيضًا في مختلف القطاعات الحزبية والنقابية والمدنية المختلفة.
أزمة الكونغرس الأمريكي
انتهت أخيرًا المرحلة الثانية الأطول في التاريخ الأمريكي التي ظل خلالها مجلس النواب دون رئيس. ولكن على الرغم من انتهاء السباق على رئاسة الحزب، فإن سوء النية الناجم عن الانقسامات العميقة في الحزب الجمهوري ربما لم ينته بعد. ليس من الصعب أن نفهم لماذا، بعد ثلاثة أسابيع من العبث، حشد الجمهوريون صفوفهم حول النائب مايك جونسون، ليكون رئيس مجلس النواب المقبل. اندلعت الصراعات داخل الحزب الجمهوري مع أربع قضايا رئيسية مطروحة على الطاولة: الموعد النهائي الوشيك لتمويل الحكومة، والحرب في أوكرانيا، والأزمة في الحدود الجنوبية ومؤخراً الحرب الإسرائيلية على غزة. في المدى القريب، سيواجه رئيس المجلس جونسون أربع تحديات كبيرة على الأقل: إبقاء الحكومة مفتوحة، وتقديم المساعدات لأوكرانيا، ومساعدة الكيان الصهيوني، والأزمة على الحدود الجنوبية.
دعم بايدن الثابت للكيان يواجه ضغوطا متزايدة داخل الحزب الديمقراطي
أشارت صحيفة واشنطن بوست لهذه القضية معتبرة أن دعم الرئيس المطلق والثابت للكيان الصهيوني سيواجه ضغوطا متزايدة حيث يحذر بعض مؤيديه المخلصين من داخل حزبه من الطرق التي يتم بها تنفيذ الرد الإسرائيلي. وتشير الصحيفة الى أنّ "بايدن لا يزال يصرّ على مقاومة الدعوات للانضمام إلى الديمقراطيين الآخرين الذين يسعون إلى وقف إطلاق النار، وتجنب إلى حد كبير التعليق على كيفية تنفيذ الكيان لمرحلة جديدة في الحرب". لكن في الأيام الأخيرة، انتقد ديمقراطيون آخرون بشكل واضح وتيرة المساعدات الإنسانية، وانقطاع الاتصالات، وارتفاع عدد القتلى بين المدنيين الفلسطينيين. ومع قيام أحد أقرب حلفاء الولايات المتحدة الآن بتجهيز نفسه لمواجهة صراع محتمل طويل الأمد، فقد أثاروا أيضًا مخاوف بشأن ما إذا كانت لدى إسرائيل أهداف واضحة وقابلة للتحقيق أثناء قيامها بهجوم بري كبير.
يشير بعض المراقبين إلى نقطة غاية في الأهمية وهي إمكانية فقدان الرئيس بايدن لمؤيديه من الشباب الأميركيين المسلمين والعرب، وهم دوائر انتخابية ديمقراطية مهمة. إضافة الى ذلك نظّم المئات من النشطاء اليهود الأمريكيين الليبراليين اعتصامات في مكاتب كبار الديمقراطيين في الكابيتول هيل، بما في ذلك مكتب المرشح التقدمي بيرني ساندرز في مجلس الشيوخ، للمطالبة بوقف إطلاق النار في الحرب المتصاعدة بين الكيان الصهيوني وحماس. من المؤكد أنّ حلفاء بايدن في الحزب الديمقراطي يشعرون بالإحراج وتخوف من فقدان أصوات الناخبين، لكنهم يرفضون احتمال أن يؤدي موقفه بشأن الكيان الصهيوني إلى الإضرار به في عام 2024. وبالتأكيد، إنّ العديد من الجماعات الاجتماعية والنقابية والمدنية مؤيدة تماما لوقف إطلاق النار في غزة، وتنتقد بشدة دعم بايدن غير المشروط للكيان الصهيوني، في مقابل جماعات أخرى تؤيد الكيان وترى ان ما يقوم به هو دفاع عن النفس في ظل حرب مستعرة، وهو ما خلق خلافًا وصراعًا بين كبار المسؤولين النقابيين في البلاد. لكن من الضروري الإشارة الى أنّ المؤيدين لوقف إطلاق النار، والمنتقدين لنهج بايدن في احتضان الكيان الصهيوني، في معظمهم ليس لديهم خيار سوى إعادة انتخاب بايدن وعدم حجب دعمهم له، فقد أشار مات دوس، مستشار السياسة الخارجية السابق لساندرز, وتساءل "هل يستحق خسارة الانتخابات أمام ترامب وكل ما قد يجلبه ذلك من تعقيدات؟ في الوقت نفسه، أعتقد أن على بايدن أن يفهم أين يتواجد ناخبيه". بالنسبة للكثيرين في اليسار، ينبع التعاطف مع القضية الفلسطينية من نفس مشاعر العجز التي أشعلت الاحتجاجات بعد مقتل جورج فلويد قبل ثلاث سنوات.