يناور بنيامين نتنياهو، في هذا الوقت عبر إفشال الصفقة ويبرر ذلك في الخطاب الموحد منذ بداية الحرب وفق شرط تحقيق النصر المطلق، ولكن هذا الذي يعارضه المستوى العسكري والذي يرى أن المعارك في غزة باتت عمل روتيني دون نتائج وما تم تحقيقه مهم ويجب البناء عليه، لكن على صعيد نتنياهو، الذي يستمر في رفضه لأي تسوية مهما كانت يتضح سعيه في ذلك لمنع هامش للمناورة عليه في حين أن أي صفقة ستنفّذ على مراحل وهذا الوقت بين المراحل يقلقه والذي من شأنه أن يشعل الغضب في الشارع الإسرائيلي للمطالبة في محاسبته كما سيسمح لخصومه بالتفرد به وتحميله مسؤولية الفشل في عدة اتجاهات:
- ملفات الفساد السابقة.
- الفشل في السابع من أكتوبر.
- استنزاف الجيش في حين أن المعركة كان يمكن أن تتوقف بعد الأشهر الأولى للحرب.
- الفشل على الجبهة الشمالية.
- جعل الكيان ساحة مفتوحة أمام الأعداء.
هذه العوامل تدفعه للتعامل مع الصفقة عبر المماطلة أو إفشالها ووفق ذلك يتعامل مع المؤيدين لها. في حين تتركز النقاط المحورية للخلافات بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وقادة الجيش لدى الكيان المؤقت بشأن إدارة قطاع غزة بعد الحرب، بالإضافة الى أمد الحرب في حين أن جيش الاحتلال معد للحروب القصيرة وهذا المفهوم الذي تبناه ديفيد بن غوريون الذي كان يقوم على الافتراضات التالية: "أولاً، لن تتمكن إسرائيل أبداً من فرض نهاية مطلقة للصراع على أعدائها؛ وثانياً، لا تستطيع إسرائيل الاحتفاظ بجيش كبير لفترة طويلة، وبالتالي فإن أمنها يتطلب جيشاً احتياطياً وتحذيراً كافياً قبل اندلاع الحرب". وتمثلت الخلافات على الشكل التالي:
- الحكم العسكري في غزة: يسعى نتنياهو لتحقيق السيطرة الكاملة على قطاع غزة من خلال الحكم العسكري بينما يرفض قادة الجيش هذا النهج.
- التوترات السياسية والاستراتيجية: تصاعد التوترات بين نتنياهو وقادة الجيش يعكس الاختلاف في الرؤى الاستراتيجية للتعامل مع غزة. نتنياهو يركز على الجانب العسكري والأمني، بينما يركز قادة الجيش على الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
- الحرب الطويلة: يرى نتنياهو، أن استمرار الحرب حتى القضاء على التهديد لمرة واحدة الحل المناسب، أما الجيش الذي يعمل على أكثر من ساحة (غزة/لبنان/الضفة) يرى أنه لا يمكن تحقيق أكثر ما حصل في القطاع ويجب الانتهاء من الحرب والتركيز على الجبهات الأخرى.
اذًا، تكمن المعضلة الرئيسة في تضارب النهج بين المستويين، في حين يحاول نتنياهو، أن يسلك نهج مغاير لأسلافه باعتبار أن الفرصة مواتية هذه المرة للقضاء على التهديد لمرة واحدة والى الأبد ومن ثم التعامل مع الجبهات الأخرى بشكل متتالي هو الحل الذي يعتبره المستوى العسكري غير واقعي، ولعدة عوامل وهي:
- إنهاك الجيش بعد عشرة أشهر من الحرب ودون الحسم في غزة.
- التحديات التي تفرضها ساحات الإسناد والتي من شأنها تشتيت تركيز الجيش ومنعه من الحسم.
- التخوف من ساحة الضفة في حين يرى الاحتلال أنّ هذه الجبهة باتت على مفصل واحد من الانفجار وما يترتب عليه من استنزاف أخر في الداخل.
- التحديات التي فرضت على الساحة الشمالية من قبل المقاومة في لبنان.
أما فيما يتعلق بالخلافات العلنية بين رئيس الحومة بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب يوآف غالانت، والتي كثرت تدريجيًا مع كل منعطف. وفي مستجدها، سرّب في الإعلام العبري عن نية نتنياهو في إقالة غالانت، على خلفية تشويش الأخير على مسار الحكومة الحالية، كما يلاحظ أنّ المواقف التي يتبناها وزير الحرب هي المواقف التي تتوافق مع الجيش، وحذر غالانت، يوم 18/8/2024، نتنياهو من "حرب لا يمكن وقفها"، ويعتبر الأخير أن هذا الخطاب هو خطاب الأعداء ويتبناه غالانت. أما على صعيد الجيش يمكن استخلاص الموقف الذي عبر عنه رئيس الأركان هرتسي هاليفي، والذي قال حول الصفقة المحتملة، بأنهم اذا خرجوا من محور فيلادلفيا، يمكنهم العودة متى أرادوا لتنفيذ عمليات أمنية، ويلاحظ من الموقف أعلاه أن الجيش يتعارض مع موقف نتنياهو الذي يريد البقاء في المحورين والذي اعتبرهم "أصول استراتيجية سياسية وعسكرية لإسرائيل" وذلك في تصريح له يوم 20/8/2024، وكانت هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها نتنياهو عن نتساريم وفيلادلفيا بأنهم أصول عسكرية وسياسية لهم، لذا هو قطع الطريق أمام المستوى العسكري.
أمام هذه المعطيات وبالإضافة إليهم وبحسب ما أفادت القناة 12 الإسرائيلية بأن "رئيس هيئة أركان الجيش هرتسي هاليفي سيستقيل من منصبه فور التوصّل لاتفاق وقف إطلاق نار مع حماس" يدرك نتنياهو، أنّ الوقت الحالي لاي صفقة سيشكل خطرًا عليه وأن خطوة هاليفي (الاستقالة) ستشكل العبء الحساس باعتبارها ستكون كرة ثلج قد تتدحرج داخل الجيش الأمر الذي قد يزيد من صعوبة أي نيّة لاحقة متعلقة باستكمال العمليات العسكرية الأمر الذي يخالف النهج الذي يريده نتنياهو.