منذ اليوم الأول لدخول المقاومة في لبنان المعركة في مواجهة الكيان المؤقت إسناداً لقطاع غزة، بدأ الكيان في رفع مستوى الرقابة على الإعلام، وتصب هذه الخطوة في سبيل الحفاظ قدر الإمكان على الانضباط الداخلي لدى الجمهور والنخب خاصةً المعارضين للحرب من جهة وإحباط معنويات الجهة المستهدفة من جهة أخرى.
بناءً عليه، فإن هذا المقال يقدم منهجية تفيد في تقييم الخسائر والتي من خلالها يمكن المقارنة بين حجم الخسائر في لبنان وخسائر الاحتلال وإظهار مكامن الضعف التي لديه والتي تفيد في إعادة التصويب الصحيح على ما يحصل على أرض الواقع.
يتناول التقييم ثلاثة معايير يتم على أساسها التقييم العام للخسائر وهي، الخسائر المادية والبشرية والخسائر الاستراتيجية.
على صعيد الخسائر المادية والبشرية
الخسائر المادّية:
- الخسائر المادية لدى الجانبين متساوية نسبياً.
- في الأصول الاستراتيجية، نجح كلا الجانبين في إظهار مدى التفوق الاستخباراتي، فكيان الاحتلال استطاع الوصول إلى عدد من القادة في المقاومة واغتيالهم، بينما حزب الله أظهر تطوراً نوعياً في القدرة على الوصول للأهداف واستهدافها.
- يتفوق الكيان المؤقت على المقاومة في الموارد وحجمها، لكن مع استمرار الحرب فإن العديد من المشاكل التي يواجهها الاحتلال خاصةً على الصعيد الدولي، باتت تنذر بأن الدعم العسكري قد يصبح مرهوناً بتطبيق السياسات التي تريد الإدارة الأمريكية تنفيذها.
- بالنسبة لفاعلية التشغيل، فإن كلا الجانبين يظهران قدرة على الوصول والحفاظ على زخم العمليات والاستعداد العسكري.
الخسائر البشرية:
- تقريباً، فإن الجرد الشامل لضحايا الجانبين يظهر تساوياً بينهما.
- يشكل الاستياء لدى المستوطنين وحركة النزوح الكبيرة من تلك المناطق ثقلاً كبيراً على الحكومة الإسرائيلية وله تأثير كبير على عملية صنع القرار الإسرائيلي، أما بالنسبة للبنان فإن المجتمع أظهر مرونة في التعاطي مع الأزمة واحتواء كبير ومتقدم لموقف المقاومة ومساند له.
تقييم الخسائر الاستراتيجية
لتقييم الخسائر الاستراتيجية بشكل دقيق، فإن عدداً من المعايير تم اعتمادها وجرى التقييم على أساسها من خلال، تحديد الأهداف الاستراتيجية، وتقييم المواقع الجيوسياسية.
تحديد الأهداف الاستراتيجية: تحديد الأهداف الإستراتيجية التي يسعى إليها الطرفان في بداية الصراع. وقد تشمل هذه المكاسب الإقليمية، أو تغيير النظام، أو السيطرة على الموارد، أو التأثير الجيوسياسي.
- لبنان: تسعى المقاومة في لبنان من خلال عملياتها إلى تحقيق أمرين رئيسيين، الأول إسناد قطاع غزة وهو هدف تكتيكي ذو أبعاد استراتيجية، والثاني تأمين الأمن القومي اللبناني وهو هدف استراتيجي بخطوات تكتيكية، وكلا الهدفين حقق فيهما الحزب تقدماً كبيراً، فعلى صعيد الإسناد، أجبرت عمليات المقاومة الاحتلال على توزيع قوته العسكرية ومنعه من حصرها وتوجيهها على قطاع غزة، أما بالنسبة للهدف الثاني فإن المقاومة من خلال تدخلها ردعت الكيان عن القيام بعمل عسكري تجاه لبنان.
- الكيان المؤقت: مع تطور الحرب والتصعيد، أمسى هدفه يتمثل في إرجاع المقاومة قدر الإمكان بعيداً عن الحدود مع الأراضي المحتلة، إلا أن هذا الهدف حتى الآن لم يحقق فيه الاحتلال أي تقدم بفعل ثبات المقاومة ومنعها له من الهيمنة في التصعيد.
تقييم المواقع الجيوسياسية: تقييم تأثير الصراع على التموضع الجيوسياسي وتأثير كلا الجانبين من خلال مراقبة التغيرات في التحالفات والديناميكيات الإقليمية والتصورات الدولية الناتجة عن الحرب وتحليل التحولات في العلاقات الدبلوماسية، وإسقاط القوة الناعمة، والشراكات الاستراتيجية وتحليل التغيرات في الناتج المحلي الإجمالي والإنتاج الصناعي وحجم التجارة والاستثمار الأجنبي الناتجة عن الحرب.
- لبنان: عُدت الحرب القائمة المفصل فيما يتعلق بمحور المقاومة، إذ إنها أظهرت مدى تكافل وتعاضد محور المقاومة كونها التجربة الأولى التي تتشارك بها فصائل المحور في قتال الكيان المؤقت، وزادت الحرب القائمة من هذا التعاون وساعدت المحور على استكشاف مكامن القوة والضعف والعمل على تحسينها وتقويتها والتأييد العربي والإسلامي والعالمي.
- الكيان المؤقت: إن أبرز ما أثرت به الحرب هو العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، والتي تظهر تباعاً مدى الاختلاف في السياسات ووجهات النظر.
في الخلاصة:
- يمكن ملاحظة أن الخسائر المادية لدى الطرفين متساوية مع تفوق للاحتلال لناحية الموارد العسكرية نتيجة الدعم الغربي اللامحدود له.
- الخسائر البشرية لدى الطرفين متساوية، إلا أن معنويات الداخل الإسرائيلي منخفضة في المقارنة مع الداخل اللبناني.
- على الصعيد الاستراتيجي، ورغم عدم القدرة على التحديد الدقيق لحجم الخسائر على هذا الصعيد نتيجة عدم انتهاء الحرب، إلا أن المؤشرات تفيد بأن الكيان المؤقت أُصيب بخسارة استراتيجية عميقة، وبالمقابل أمست المقاومة في لبنان ومن خلفها المحور في موقع متقدم على الخارطة السياسية العالمية.
المصدر: مركز دراسات غرب آسيا