الجمعة 03 أيار , 2024 12:33

كيف تستخدم أميركا وإسرائيل استراتيجية الشرطي الصالح/ السيء في غزة؟

بنيامين نتنياهو وجو بايدن

أثارت الولاياتُ المتحدة خلال العدوان الإسرائيلي على غزة التساؤلات حول طبيعة دورها وحجم تدخلها، ذلك أنها في الوقت الذي تقدّم فيه نفسها وسيطًا للسلام، تُظهر مستجدّات الميدان استفحال الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب الجرائم في القطاع المحاصر، واستكمال برامجه وعملياته العسكرية. وعندما كانت واشنطن تطلق مناشدات دولية لإدخال المساعدات، لوحظ أن الاحتلال أصرّ على الحصار واستهداف الفرق والقوافل الإغاثيّة، ولم يتساهل بإدخال المساعدات إلا في وقتٍ لاحقٍ عندما بات الأمر حاجة سياسية أميركية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية.

في محاولة فهم وتفسير الدور الأميركي خلال عمليّات التفاوض بين الكيان الإسرائيلي وحماس، افترضنا في هذه الدراسة أن الولايات المتحدة تمارسُ دور الشرطي الجيد بينما يتخذ الاحتلال دور الشرطي السيئ، وقد جرى الاستدلالُ على ذلك من خلال التكتيكات التي استخدمتها واشنطن في إدارة التفاوض، وهو ما يكشفه التباين بين التصريحات الأميركية والحركة الميدانية للكيان الإسرائيلي الذي يفاوض بالنار ويفرض شروطًا عالية السقف، ويطالب حماس بتقديم المزيد من التنازلات. سنقدم في هذه الخلاصة تعريف استراتيجيّة الشّرطي السّيئ والشرطي الصّالح، وتقديم مثال عن تطبيق الاستراتيجية على العملية العسكرية المحتملة في رفح، يمكنكم تحميل الدراسة بشكل كامل أدناه، والتي تحتوي على الكثير من الأمثلة الغنية حول الاستراتيجية المتبّعة خلال العدوان على غزة.

استراتيجيّة الشّرطي السّيئ والشرطي الصّالح

تعد استراتيجيّة الشرطي السيئ والشرطي الصالح إحدى أبرز التقنيات المستخدمة في عمليات التفاوض، وهي تتألف من مجموعة تكتيكات تنفّذ بشكل تدريجي حتى تحقيق الهدف المنشود، وغالبًا ما تجعل الطرف الآخر يقدّم تنازلات لم يكن يتوقّعها نتيجة انسياب تكتيكات التفاوض، وتبادل أدوار المفاوضين بين الترهيب والترغيب.

تُعرف مفاوضات الشّرطي الجيد والشرطي السيئ، بأن يقدّم "فردان يعملان كفريق، سلسلة من المكافآت والعقوبات لانتزاع ميزات معينة من نظرائهم، وهي من أساليب غرف الاستجواب المعروفة في مجال إنفاذ القانون". استراتيجية التفاوض بين الشرطي الصالح والشرطي السيئ في عالم الأعمال، تقوم على "تصرف "شرطي" (مفاوض) واحد بطريقة "تهديدية وعدائية ومسيئة"، بينما يتبنى الآخر أسلوب "عدم التهديد"، "بطريقة ودية ومتعاطفة". ويهدف المفاوض "اللطيف" إلى كسب ثقة الهدف والفوز بتنازل، خشية أن يرفض الهدف العرض غير الجذاب الذي يقدمه المفاوض القاسي. ولذلك، تطرح مفاوضات الشرطي الجيد والشرطي السيئ تحديات كبيرة في التفاوض والمساومة". وبالتالي، هذا التباين بين دوري الشرطي الودود والشرطي المتعجرف يجعل "الجزرة التي يقدمها الشرطي الصالح تبدو خيارًا أفضل من العصا التي يقدمها الشرطي السيئ".

تطبيق استراتيجيّة الشرطي الصالح/ السيء خلال العدوان على غزة

العملية العسكرية في رفح

على الرغم من التفاوت الحاصل بين درجات الحدّة في مواقف المسؤولين الأميركيين من الدخول إلى رفح، إلا أن الكل أجمع على معارضة تنفيذ هذه العملية، مع العلم أن المعارضة بقيت تحت سقف التمسّك بإنهاء وجود حماس ودعم الاحتلال، لكن اللافت أنه رغم المعارضة الأميركيّة، أكّد نتنياهو مرارًا عدم تراجعه عن العملية، بل أبدا تمسكه بها لتحقيق نصر حاسم على حماس، بذريعة أن الأخيرة موجودة في رفح.

من المهم النظر إلى توقيت التصريحات الأميركيّة، فعندما أعلن بلينكن بشكل مباشر معارضة الولايات المتحدة للعملية البرية كان ذلك خلال زيارة وفد إسرائيلي برئاسة رئيس جهاز الموساد، ديفيد بارنياع، إلى الدوحة لإجراء مفاوضات غير مباشرة مع حركة حماس، وبعدما فشلت المفاوضات الأخيرة بسبب رفض الاحتلال لشروط حماس، بدا الموقف الأميركي أكثر تسامحًا مع العملية البرية، أي عدم إبداء المعارضة والاكتفاء بالتحذير من تدهور الوضع الإنساني وضرورة حماية المدنيين، وهو ما يرجّح دخول الاحتلال بالفعل إلى المدينة المكتظّة بالسكان خلال أسابيع أو أيام قليلة، طالما أن حماس رفضت بدورها شروط الاحتلال خلال المفاوضات الأخيرة التي انتهت بالفشل، وهكذا تكون الولايات المتحدة قد لعبت دور الشرطي الصالح من خلال الإيحاء بمعارضة الدخول إلى رفح حرصًا على عدم إراقة المزيد من الدماء، في حين كان الاحتلال الإسرائيلي الشرطي السيء الذي يهدّد حماس باجتياح المدينة ما لم ترضخ لشروطه، وهو الأمر الذي عمل عليه منذ الأيام الأولى للعدوان، فقد تعمّد إبقاء رفح آمنة في الوقت الذي دمّر المناطق الأخرى، والآن يتم استخدامها كورقة ضغط ضد حماس.

في هذا الإطار، يمكن القول إنه من مصلحة الإسرائيلي إطالة أمد الحرب إلى أقصى حد ممكن، ذلك أن نتنياهو وفريقه السياسي يخشون اليوم الأول بعد انتهاء الحرب، كون المحكمة العليا ستفتح ملف الحرب وتناقش تفاصيلها ومنجزاتها وإخفاقاتها، وهنا قد يكون نتنياهو وفريقه أمام خطر المحاكمة والسجن. وبالتالي تكون إطالة الحرب فرصة أمام نتنياهو لتحقيق أكبر قدر ممكن من الأهداف لمواجهة المحكمة، وهذا ما يجعل الإسرائيلي يلعب دور الشرطي السيء لعرقلة الوصول إلى أي حل في مسار الحرب والمفاوضات على حد سواء، في المقابل يعمل الأميركي على تبريد ساحة الحرب قدر المستطاع بهدف تمرير الانتخابات الرئاسية بهدوء، ليكون بذلك يلعب دور الشرطي الصالح الذي يستخدم مخدرًا موضوعيًا في جسم مثقل بالجراح، في مرحلة سياسية حرجة، إلى أن يلتقي الطرفان في التطبيع السعودي الإسرائيلي الذي يُفرض على غزة والشعوب العربية والإسلامية كثمن سياسي تدفعه الرياض مقابل إنهاء الحرب.


الكاتب: زينب فرحات




روزنامة المحور