الجمعة 03 كانون الثاني , 2025 07:21

"ولادة جديدة" من مخاض عسير.. كيف يرمم الحزب نفسه؟

بُعيد انتهاء العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان وفشل الرهان بالقضاء على حزب الله ومقاومته، عاد الحزب بمختلف تشيكلاته الى العمل والتجهيز بعزم وإصرار ما يشكل فرصة هامة لاندفاعة جديدة لمسيرته بما يمكن تسميته "ولادة جديدة" من مخاض عسير وحرب ضروس.

لكن يبقى السؤال ما هي الميادين التي يعمل حزب الله على إعادة ترميم نفسه فيها؟ وبمعنى آخر كيف يرمّم الحزب نفسه في مختلف الميادين؟

الأكيد لكل من يعرف حزب الله ويتابع مسيرته ويرصد حركته وتطوره منذ تأسيسه مطلع ثمانينات القرن الماضي، يدرك ان هذا الحزب لا يهدأ عن العمل والتطوير وانه قادر على تنظيم نفسه بشكل محكم ودقيق ومنتج، وما يدلل على ذلك انه خلال الحرب تم ملئ كل المراكز القيادية الشاغرة، وهو ما أعلنه الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم في كلمة له يوم 29-10-2024، وانطلاقا من ذلك فقد عاد الحزب بعد الحرب بقوة للعمل على مختلف الميادين وبما تتطلبه المرحلة الاستثنائية من تأهب، منها:

-الميدان السياسي: حضور حزب الله القوي على الساحة السياسية اللبنانية يتجلى اليوم بشكل كبير من خلال التحضير لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 9 من الشهر الجاري، فالحزب لاعب أساسي في انتخاب الرئيس، فهو من جهة يشكل مع "حركة أمل" كل التمثيل النيابي الشيعي في البرلمان ما يحتم عدم تجاوزهما بأي شكل من الأشكال للحفاظ على الميثاقية في البلد ومؤسساته الدستورية، كما ان حزب الله حتى الساعة لم يعلن تخليه عن مرشحه الأساسي أي رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، بل ان العديد من قيادات حزب الله أكدوا ان فرنجية ما يزال هو مرشح الحزب، وإن كان الاخير منفتح على التشاور للوصول للتوافق بين مختلف القوى على اسم آخر، خاصة اذا ما قرر فرنجية بشكل حاسم عدم مواصلة السير بترشحه.

كما ان حزب الله حاضر بقوة في الحكومة وفي مختلف المسائل السياسية التي تحتاج الى كل الاطراف في لبنان بدون انقطاع عن الشارع، فالحزب هو النبض الحقيقي لكل مؤيديه، خاصة انه الجهة التي نالت في الانتخابات النيابية الأخيرة أعلى معدل أصوات بين مختلف القوى (وهو ما يسمى بالأغلبية الشعبية، نحو 400 ألف صوت تفضيلي)، بالإضافة الى الحلفاء والتواصل بين قيادات الحزب السياسية والأمنية مع مختلف الجهات والقوى الرسمية والشعبية بحسب ما كان معمولا به منذ ما قبل العدوان الاخير على لبنان.

-الميدان العسكري: لا شك ان حزب الله لن يترك المقاومة، بل أكد أمينه العام الشيخ نعيم قاسم انها مستمرة وهي معنية بتطبيق القرار 1701 أي في منطقة جنوب نهر الليطاني، وبالتالي فإن موضوع تسليحها مسألة خارج النقاش بالحد الادنى حتى الوصول الى البحث باستراتيجية دفاعية للبنان، وانطلاقا من ذلك فإن من أولى الأولويات منذ وقف إطلاق النار هو الذهاب لتقييم ما جرى في العدوان الاسرائيلي الاخير على لبنان، وإعادة ترميم ما يجب ترميمه وتهيئة الاوضاع ورفع الجهوزية لأي معركة قد يفرضها العدو على المقاومة ولبنان، حتى ان هناك مصادر عديدة تحدثت ان المقاومة استطاعت بسرعة قياسية سدّ الثغرات التي حصلت خلال المعارك الأخيرة، وتجهيز ما يجب تجهيزه في المواقع المختلفة، وترميم قدراته العسكرية.

-الميدان الأمني: الأكيد ان هذا الميدان سيكون أحد اهم المجالات التي سيعمل حزب الله على تقييمها واستخلاص العبر مما جرى، خاصة في ظل الضربات التي تلقتها المقاومة في عدة مواضع سواء بما يتعلق بالاغتيالات وتفجير البايجرات او بالقصف الذي استهدف مواقع معينة عسكرية او أمنية للمقاومة، وبالتالي من المفترض ان دراسة هذا الملف بدأت منذ ما قبل انتهاء الحرب وصولا لتحديد نتائج تساعد بإغلاق كل الثغرات وتنظيف جسم المقاومة ومن تحصينه من كل الخروقات. وإحدى المعضلات أمام الإسرائيلي اليوم ان الكوادر الأمنيين والعسكريين الجدد مجهولون، ولا تمتلك إسرائيل ولا غيرها أي معلومات عنهم.

-الميدان اللوجستي والاجتماعي: حملة "وعد والتزام" التي أعلن عن سبل تنفيذها نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش تلخّص قدرة الحزب على عودته بقوة على الصعيدين الاجتماعي واللوجستي، فالحزب حاليا يشهد حالة من الاستنفار المدني (عبر عدة جهات فنية: جهاد البناء، وشركتي آرش ومعمار وغيرهما وصولا لكل القطاعات والشُعب) لمسح الأضرار والخسائر التي أصابت المناطق قبل الشروع بإعادة ترميم الأضرار وبناء ما تهدم، تنفيذا لوعد الشهيد السيد حسن نصر الله أنها "ستعود أجمل مما كانت". فثمة ماكينة اجتماعية وهندسية ضخمة تضم آلاف المهندسين والإداريين والمتخصصين يساهمون في إطلاق أكبر ورشة إعمار وترميم وإيواء في تاريخ لبنان.

علما ان الميدان الاجتماعي والخدماتي لحزب الله لم يتوقف طوال فترة الحرب، بل ان هذا الجانب كان فاعلا سواء عبر الخدمات التي تم تقديمها للنازحين في مختلف المناطق او عبر العمل الجبار التي قامت بها فرق الإسعاف والإنقاذ والدفاع المدني في الهيئة الصحية الاسلامية، منذ بدء جبهة الإسناد لغزة حتى ما بعد انتهاء العدوان الواسع على لبنان وصولا لتشييع الشهداء ونقل الجثامين المستمرة حتى يومنا هذا.

-الميدان الاعلامي: استطاع حزب الله مواصلة عمله الاعلامي خلال الحرب رغم ضراوة المعركة، وبُعيد انتهاء العدوان تنشغل الجهات الاعلامية في الحزب على إظهار كل الجهود التي بذلت خلال الحرب والتأكيد على الانجازات التي تحققت والانتكاسات التي مُني بها الاحتلال وإفشال أهداف العدوان، ومن ثم مواكبة التحضير لبدء إعادة الإعمار والتمهيد له، وغيرها من النقاط التي اعلن عنها الشيخ قاسم والتي تشكل خريطة عمل الحزب في الفترة القادمة (تنفيذ إتفاق وقف النار في جنوب نهر الليطاني، إعادة الإعمار، العمل لانتخاب رئيس الجمهورية، المشاركة من خلال الدولة ببرنامج إنقاذي إصلاحي.. والحوار حول القضايا الإشكالية). وينكب فريق من المتخصصين والخبراء على مراجعة الخطاب الإعلامي وكيفية تطويره بما يتناسب مع المرحلة الراهنة والمستقبلية، واستلهام الدروس العبر خلال الحرب الأخيرة، ومناقشة أدوات وأساليب المواجهة الإعلامية الحديثة.

ومن المسائل التي تؤكد ترميم الجسم الإعلامي الداخلي لحزب الله على إعادة ترتيب أوضاعه هو تعيين مسؤول جديد للعلاقات الإعلامية في الحزب خلفا للشهيد الحاج محمد عفيف الذي قضى بغارة استهدفت المركز البديل للعلاقات الاعلامية في بيروت.

وكل ما سبق مؤشرات تؤكد سرعة إعادة ترميم حزب الله لكل الخسائر من الناحيتين البشرية والمادية، للانطلاق بفعالية اكبر للعمل والانتاج والإنجاز في مختلف المجالات.
المعطيات كلها تشير الى أن الحزب ما يزال الأقوى عسكريا وسياسيا وشعبيا وعلى غير صعيد، ولم تتغير موازين القوى إلا في مخيلة بعض الواهمين الحالمين، لذا فإن أي رهان خاطئ على ضعفه وضعف مقاومته، أو اللعب لصالح أي جهة هو محرقة للبنان، ولعبة " ملك اكثر من الملك"  تضع لبنان في المجهول وفق المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان.





روزنامة المحور