يواصل جيش الاحتلال الاسرائيلي خرق اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان الذي دخل حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 بوساطة أميركية، ومنذ وقف العمليات العسكرية والتزام المقاومة الاسلامية بالاتفاق، يعمد العدو على ضرب الالتزامات المفروضة عليه عرض الحائط والتأكيد على طبيعته العداونية ضد لبنان.
وكل ما يجري هو برسم الدول الراعية للاتفاق أمريكا وفرنسا و"لجنة المراقبة الدولية المشرفة" على تنفيذ الاتفاق المذكور، وضرورة إلزام الجيش الإسرائيلي بوقف انتهاكه للاتفاق وتعديه على سيادة لبنان وإلحاق الأضرار بقراه واراضيه الزراعية، ناهيك عن انتهاك حرمة الأجواء والمياه الإقليمية اللبنانية.
وهذه الخروق الإسرائيلية لوقف إطلاق النار التي تجاوزت الألف خرق جوي وبري حتى الساعة تندرج بشكل واضح ضمن خرق "إسرائيل" المتواصل للقرار رقم 1701، فمنذ إقراره في العام 2006 لم تلتزم به وعمدت الى خرقه عشرات آلاف المرات وصولا للعدوان المفتوح والواسع على لبنان في أيلول/سبتمبر 2024، وبالتالي فالانتهاكات الاسرائيلية للتعهدات الدولية ليست جديدة أو وليدة اليوم، بل هي جريمة موصوفة ومستمرة عبر الزمن، وتحتاح الى تحرك واضح وجدي لوقفها من خلال الضغط الفعلي على "إسرائيل" من قبل الدول الراعية لها غربيا وإقليميا وعدم ترك الباب مفتوحاً أمامها للتمادي بممارستها.
وهنا تبرز معضلة في غاية الدقة تتمثل بأن الجهة الأساسية المشرفة على اتفاق وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار 1701، هي نفس الجهة الراعية والحاضنة والداعمة للاحتلال الاسرائيلي في حربه على لبنان وغزة، أي الولايات المتحدة الاميركية، وبالتالي سبق أن طرح وسيبقى مطروحاً السؤال التالي: كيف ستوازن الإدارة الأميركية بين دعمها للمجرم والجلاد وبين التزاماتها التي تفرض عليها بأن تكون وسيطا نزيها ومحايدا؟ وهل بالإمكان الوثوق بالأميركي للضغط على الاحتلال الإسرائيلي وإجباره على تنفيذ القرارات الدولية؟
وبالسياق، قد يشير البعض الى ان وجود فرنسا في "اللجنة الدولية المشرفة" قد يشكل حالة من التوازن للحفاظ على "ضمانة دولية" قد تساعد على دفع الاحتلال لمنع الاعتداء على لبنان او انتهاك القرارت الدولية ولا سيما القرار 1701، لكن كل ما يجري منذ بدء تنفيذ وقف إطلاق النار لا يبشّر ان اللجنة تقوم بالجهد المطلوب لحفظ سيادة لبنان، وبالتالي يجب التعويل على حضور لبنان لضمان تنفيذ القرارات الدولية من قبل العدو وذلك، يتم عبر طريقتين:
-الأولى: عبر حضور لبنان الفاعل ضمن اللجنة والتشديد الدائم على ضرورة التزام "إسرائيل" بالقرار الدولي كما يفعل لبنان، لا أن يكون الالتزام آحادي الجانب فقط، بينما الطرف الآخر يسرح ويمرح دون حسيب او رقيب وبلا رادع.
الثانية: عبر تفعيل الحضور اللبناني العسكري على الأرض، لمنع العدو من التمدد ومخالفته للقرار الدولي 1701 واتفاق وقف إطلاق النار، ومحاولة فرض أمر واقع وقواعد اشتباك جديدة.
وهذا الحضور العسكري يبدأ بقيام الجيش اللبناني بدوره، وهذا بالطبع يحتاج الى قرار سياسي وطني لبناني يجعل الجيش يتحرك ضد أي خرق إسرائيلي، ومن خلف الجيش تبقى المقاومة حاضرة دائما لمنع الاحتلال من التمادي انطلاقا من قاعدة ان حزب الله قد أعطى العالم فرصة لردع إسرائيل وترك المجال للعمل الدبلوماسي والسياسي قبل ان يقوم باتخاذ الاجراءات المناسبة لمنع الاحتلال من تحقيق ما عجز عنه في الميدان خلال العدوان الأخير على لبنان الذي استمر اكثر من 60 يوما.
وبهذا السياق، أكد أكثر من قيادي في حزب الله ان "الحزب يعطي فرصة لتنفيذ القرار ولتقوم الدولة اللبنانية بواجباتها وايضا إظهار مدى الدور والجدية التي تعمل بها لجنة مراقبة تنفيذ الاتفاق.. لكن للصبر حدود، وبعد انتهاء مهلة الـ60 يوما المنصوص عنها في اتفاق وقف إطلاق النار، سيصبح الموضوع مختلف والتعاطي مع الخروقات سيكون بالطريقة المناسبة وبحسب المصلحة التي تقدرها قيادة المقاومة"، أي ان استباحة "إسرائيل" للبنان وتدمير البيوت واحتلال الارض لن يبقى بدون رد، انطلاقا من الواجب الملقى على جميع اللبنانيين بمقاومة الاحتلال وحماية سيادة لبنان.
وانطلاقا من كل ذلك يبقى ان ننتظر كيف ستجري الأمور خلال الفترة المقبلة، مع التأكيد أن لبنان لديه عناصر قوة قادرة على حمايته وردع الاحتلال ومنعه من ارتكاب المزيد من الانتهاكات، وفي طليعة هذه العناصر معادلة "الجيش والشعب والمقاومة".