الثلاثاء 21 كانون الثاني , 2025 10:19

غزة تنتصر: ملحمة شعب أراد الحياة فانتصر

مقاتلون من حماس

في لحظة تاريخية تُختصر فيها معادلات القوة والضعف، الانتصار والهزيمة، الحلم والواقع، تطل غزة من بين ركام الحرب لتُعلن للعالم أنها لم تُهزم. بل انتصرت. انتصرت بإرادتها، بصمودها، وبقدرتها على تحويل المأساة إلى ملحمة. انتصرت لأنها آمنت بأن الحق لا يُقهر، وأن الباطل مهما طال عمره فإن مصيره الزوال. 

الفشل العسكري الإسرائيلي: سقوط الأسطورة

بعد 15 شهرًا من الحرب الضارية، وآلاف الأطنان من القنابل التي أُلقيت على غزة، والدمار الذي طال كل شيء تقريبًا، ها هي إسرائيل تُعلن فشلها الذريع. الصحفي "الإسرائيلي" "عميحاي أتالي" يلخص المشهد بقسوة: "بعد حرب استمرت 15 شهرًا ودفعنا فيها أثمانًا لا تُصدق، نحن لسنا المنتصرين." 

وإذا كان الفشل "الإسرائيلي" العام واضحًا، فإن فشل بن غفير، أحد أبرز وجوه اليمين المتطرف، يظهر كرمز لهذه الهزيمة. بن غفير، الذي راهن على سياسة القوة المفرطة والعنف الممنهج لتحقيق "الأمن"، يجد نفسه اليوم في موقفٍ يُذكّر بكل قادة الاحتلال الذين سبقوه وسقطوا تحت وطأة إخفاقاتهم. استقالته ليست مجرد خروج من الحكومة، بل هي اعترافٌ صريحٌ بأن سياساته العنيفة لم تُحقق سوى المزيد من التراجعات. 

آخر مهمةٍ يتولاها بن غفير كوزير للأمن القومي هي الإشراف على إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من السجون. مهمةٌ تُختصر فيها هزيمته الشخصية، وتُظهر للعالم أن الاحتلال، رغم كل ما يمتلكه من قوة عسكرية هائلة، لم يستطع كسر إرادة الشعب الفلسطيني أو إخضاعه. 

هذا الفشل ليس عسكريًا فحسب، بل هو فشل استراتيجي وسياسي وأخلاقي. "إسرائيل" التي راهنت على تفتيت إرادة غزة وإخضاع شعبها، وجدت نفسها أمام واقع جديد: حماس ما زالت قوية، المقاومة ما زالت صامدة، والشعب الفلسطيني ما زال متمسكًا بحقه في الحرية، رغم كل ما عاناه من دمار ومعاناة. 

عودة حماس: النخبة التي لا تُقهر

الصور التي انتشرت من غزة تُظهر قوات حماس وهي تجوب الشوارع بمركباتها وعتادها، وسط هتافات الجماهير التي استقبلتها كأبطال. الصحفي "الإسرائيلي" "چاي بيخور" يصف المشهد بذهول: "تنتشر شرطة حماس وقواتها العسكرية في كافة أنحاء قطاع غزة، ويتم استقبالهم كأبطال. يبدو الجميع بملابس جميلة، سيارات جديدة، منازل قائمة، ربما لم تكن هناك حرب، وكانت مجرد كذبة؟ يبدو أن كل شيء عاد إلى ما كان عليه، بل وأفضل." 

هذه العودة ليست مجرد استعراض للقوة، بل هي رسالة واضحة: غزة لم تُهزم، والمقاومة لم تتراجع. بل إنها خرجت من الحرب أكثر قوةً وتنظيمًا. "بيخور" يتساءل بقلق: "أأنتم تشاهدون 'اليوم التالي' الشهير.. حيث عادت حماس، وعاد معها كل شيء؟". نعم، نحن نشاهد "اليوم التالي"، لكنه ليس اليوم التالي الذي كان يتخيله الاحتلال. إنه اليوم التالي الذي أرعبهم، لأنه يُظهر أن غزة لم تُهزم، وأن المقاومة ما زالت قادرة على إعادة بناء نفسها، بل وأكثر من ذلك: قادرة على إعادة بناء الأمل. 

هذا الوصف ليس مجرد تعبير عن صدمة، بل هو اعترافٌ ضمني بأن "إسرائيل" فشلت في تحقيق أي من أهدافها. فشلت في كسر إرادة غزة، وفشلت في إخضاع شعبها، وفشلت حتى في إحداث شرخٍ حقيقي بين المقاومة والناس. ردود الفعل الإسرائيلية على هذه المشاهد لم تكن سوى تعبير عن الذهول والغضب من فشلهم في تحقيق أي من أهدافهم. 

صفقة التبادل: انتصار الدبلوماسية الفلسطينية

مشاهد تسليم الأسيرات "الإسرائيليات" لم تكن مجرد لحظة عابرة، بل كانت لحظة تاريخية تؤكد انتصار غزة. كتائب القسام، وهي تجوب الشوارع وسط هتافات الجماهير، لم تكن تُسلّم أسيرات فحسب، بل كانت تُعلن للعالم أن المقاومة قادرة على فرض شروطها حتى في أصعب الظروف. 

ما حدث مع الأسيرات لم يكن حدثًا عابرًا، بل جزءًا من استراتيجية أوسع تُظهر أن حماس ليست فقط قوة عسكرية، بل هي أيضًا قوة دبلوماسية ونفسية. الهدايا التذكارية التي قدمتها المقاومة للأسيرات، ومن بينها صورة لقطاع غزة، لم تكن مجرد تحف، بل كانت رسالة واضحة: غزة ليست أرضًا للدمار فقط، بل هي أرضٌ لها تاريخ، لها جمال، ولها روح. 

هذه الهدايا كشفت أن المقاومة قادرة ليس فقط على القتال، بل أيضًا على إظهار وجهها الإنساني حتى في خضم الحرب. ردود الفعل "الإسرائيلية" على هذه الهدايا لم تكن سوى تعبير عن خوف عميق من القوة النفسية التي تمتلكها المقاومة. وصف الهدايا بأنها "ألاعيب نفسية وغسيل دماغ" لم يكن مجرد تعبير عن غضب، بل اعتراف ضمني بأن المقاومة قادرة على التأثير حتى في أصعب الظروف. 

الخوف الإسرائيلي لم يكن من الهدايا نفسها، بل من الرسائل التي حملتها: أن غزة ليست فقط ساحة حرب، بل هي أيضًا رمز للإنسانية والثقافة والتاريخ. المسؤول الكبير في الشاباك، "ميخا كوبي"، وصف الصفقة بأنها "ابتزاز القرن"، لكن الحقيقة هي أن هذه الصفقة كانت نتاجًا لتفاوض ذكي من جانب المقاومة، وإصراراً على تحقيق مكاسب سياسية وإنسانية. 

الشارع "الإسرائيلي": بين الغضب والاحباط

مشاهد الفرح في غزة أثارت غضبًا وإحباطًا كبيرًا في الشارع "الإسرائيلي". المعلق العسكري "نوع أمير" يصف ما حدث بأنه "فشل عسكري"، ويتساءل: "لماذا لم نهاجم هذه القوات من الجو؟". 

لكن السؤال الأكبر الذي يُقلق "الإسرائيليين" هو: كيف استطاعت حماس أن تعيد بناء قوتها بهذه السرعة؟ وكيف فشلت إسرائيل في تحقيق أي من أهدافها رغم كل الدمار الذي سببته؟ 

الرسالة الأهم: غزة لم تُهزم.. الحق لا يُقهر

"إسرائيل" راهنت على أن الضغط الهائل على المدنيين في غزة سيدفعهم إلى التمرد على حماس. لكن الواقع كان مختلفًا. رغم كل المعاناة، رغم كل الدمار، رغم كل الخسائر، ظل الشعب الفلسطيني صامدًا.  

غزة علمتنا درسًا جديدًا في الصمود والمقاومة. علمتنا أن الحق لا يُقهر، وأن الباطل مهما طال عمره فإن مصيره الزوال. علمتنا أن الحرب ليست فقط بالسلاح، بل بالإرادة، بالإيمان، وبالقدرة على تحويل المأساة إلى ملحمة. 

اليوم، غزة تنتصر. ليس فقط لأنها صمدت في وجه أعتى آلة عسكرية في المنطقة، بل لأنها أثبتت أن الإرادة الشعبية أقوى من كل الدبابات والطائرات. 


الكاتب:

محمد الأيوبي

كاتب صحفي فلسطيني
بكالوريوس في الصحافة والإعلام
دكتوراه في الحقوق
[email protected]




روزنامة المحور