بعد أكثر من 15 أشهر متواصلين من عدوان إسرائيلي أمريكي همجي، انتصرت المقاومة الفلسطينية ومعها محور المقاومة في معركة طوفان الأقصى، حينما تم الإعلان عن التوصل لاتفاق وقف لإطلاق النار في 15/01/2024.
هذا الانتصار بعد 467 يوماً من صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته في قطاع غزة، سيكرّس مبدأ أن المقاومة الشعبية وحدها، هي القادرة على فرض الشروط على الكيان المؤقت وداعميه، وليس ما يُسمى بالقرارات الدولية أو المنظمات الدولية أو المجتمع الدولي، لأن كل هؤلاء عجزوا خلال سنة وبضعة أشهر، عن إرغام إسرائيل وإخضاعها، لكي تتوقف عن ارتكاب جرائم التدمير والقتل بحق المدنيين في القطاع.
وهذا ما عبرت عنه حركة حماس في بيانها حينما قالت بأن اتفاق وقف إطلاق النار هو ثمرة "الصمود الأسطوري لشعبنا الفلسطيني العظيم ومقاومتنا الباسلة في قطاع غزة، على مدى أكثر من 15 شهرا". مؤكّدة بأن اتفاق وقف العدوان على غزة "إنجاز لشعبنا ومقاومتنا وأمتنا وأحرار العالم، وهو محطة فاصلة من محطات الصراع مع العدو، على طريق تحقيق أهداف شعبنا في التحرير والعودة".
أمّا نائب رئيس حركة حماس خليل الحية فقد وصّف معركة طوفان الأقصى بأنها "تمثل منعطفا مهما في تاريخ الشعب الفلسطيني"، مؤكدا بأن المقاومة لن تتوقف بعد هذه المعركة. ومشدداً على أن كيان الاحتلال الإسرائيلي لم يتمكن من استعادة أسراه إلا بصفقة مع المقاومة تتضمن وقفا للحرب والعدوان وتبادلا مشرفا للأسرى، مضيفا بأن "صمود شعبنا أجهض أهداف العدوان المعلنة وغير المعلنة".
ثم وجه نائب رئيس حركة حماس تحية خاصة إلى كافة فصائل وحركات ودول محور المقاومة، مشيدًا بدور سرايا القدس ومقاتلي الجهاد الإسلامي، وخص بالذكر حزب الله والجماعة الإسلامية في لبنان، مشيرًا إلى "التضحيات الكبيرة التي قدموها في دعم القضية الفلسطينية، وعلى رأسهم سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله وإخوانه في القيادة وكذلك الاخوة في الجماعة الاسلامية والشعب اللبناني وقد أبلوا بلاءً حسنًا وحولوا حياة الاحتلال الى جحيم وتشريد". ثم شكر حركة أنصار الله في اليمن، على دورها في تغيير معادلة الحرب بإطلاق الصواريخ والمسيّرات نحو الاحتلال. واستذكر الدعم الذي قدمته الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمقاومة العراقية في إسناد المقاومة الفلسطينية.
أهمية جبهات الإسناد في دعم المقاومة الفلسطينية خلال طوفان الأقصى
ومما لا شك فيه بأن معركة طوفان الأقصى، قد أثبتت بالفعل لا بالشعارات، الأطراف التي تدعم المقاومة الفلسطينية وتقف الى جانبها، ممن يقف معها بالشعارات فقط. كما أثبتت هذه المعركة أهمية جبهات الإسناد خارج ساحة المعركة المباشرة. ولعب لبنان واليمن والعراق والجمهورية الإسلامية في إيران وسوريا (في ظل حكم الرئيس بشار الأسد)، أدوارًا حاسمة في دعم المقاومة الفلسطينية، بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال الوسائل العسكرية والمالية والسياسية والإعلامية.
وهذه أبرز أوجه الإسناد في الجبهات:
1)لبنان:
برز لبنان كجبهة حاسمة في الصراع الأوسع مع إسرائيل، بسبب وجود المقاومة الإسلامية - حزب الله، الذي ساند المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة من خلال:
_التنسيق العسكري: تقديم حزب الله الدعم المباشر وغير المباشر من خلال التهديد بفتح جبهة شمالية ضد إسرائيل، بهدف ارهاق الموارد العسكرية الإسرائيلية وخلق صراع متعدد الجبهات.
ومن المعلوم جداً، بأن الحزب يتعاون بشكل دائم مع فصائل المقاومة الفلسطينية على الصعيد المعلوماتي، بحيث يوفر لها ما يستحصل عليها من معلومات استخباراتية دقيقة حول جيش الاحتلال الإسرائيلي وتحركاته وحجم قواته. وهذا ما يٌفيد جداً في التحضير للعمليات الدفاعية والهجومية.
_الدعم اللوجستي والتدريب: لسنوات، عمل حزب الله كممر للأسلحة والتدريب للفصائل الفلسطينية. فقد جعلته خبرته العسكرية الواسعة، حليفًا قيمًا للمقاومة في غزة، من حيث المعرفة التكتيكية والعملياتية.
_الضغط النفسي: كان وجود حزب الله بمثابة تذكير دائم بالتصعيد المحتمل إلى حرب أوسع نطاقًا. وقد أرهق هذا الجانب النفسي عملية صنع القرار العسكري الإسرائيلي وأجبره على إعادة نشر القوات التي كان من الممكن أن تركز على غزة.
2)اليمن:
لعبت القوات المسلحة اليمنية من خلفها حركة أنصار الله، دوراً مهماً في دعم المقاومة الفلسطينية، وضاغطاً بقوة على إسرائيل وأمريكا ومن يتعاون معهما من دول، من خلال:
_الهجمات بالصواريخ والطائرات بدون طيار: فقد نفذ اليمن حصاراً بحرياً على الكيان المؤقت، طال جميع السفن المتوجهة من وإلى فلسطين المحتلة عبر البحر الأحمر، واستطاع فرض الحصار لمدة زمنية طويلة، أرهقت الكيان من جهة، وكشفت عجز وفشل الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الداعمة للكيان عن القيام بأي إجراء يمنع حصول هذا الحصار.
_الدعم الإعلامي والشعبي: كان للمؤسسات الإعلامية وللشعب اليمني، دورهم الكبير في دعم الفلسطينيين مقاومة وشعباً، من خلال الفعاليات الإعلامية والمظاهرات الشعبية المليونية التي استمرت بشكل أسبوعي ورغم كل التحديات العسكرية (اعتداءات جوية إسرائيلية وأمريكية وبريطانية) والطبيعية (جو ماطر أو حرارة مرتفعة).
_الدعم السياسي: كان لخطابات قائد حركة أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي، دورها الأساسي في تقديم الدعم السياسي للمقاومة الفلسطينية بل ولكل جبهات محور المقاومة، من خلال التأكيد على ما يصدر منهم من مواقف، واستعراض مسار المواجهة بشكل أسبوعي، وتبيين الحقائق والإعلان عن خطوات التصعيد من أجل وقف العدوان الأمريكي الإسرائيلي وفك الحصار عن قطاع غزة.
3)العراق:
لعبت فصائل المقاومة العراقية، ومؤسسة الحشد الشعبي والحكومة العراقية والمرجعية الدينية، دوراً في غاية الأهمية لمساندة الشعب والمقاومة الفلسطينية، من خلال:
_التضامن والتعبئة الإيديولوجية: أعربت الأطراف العراقية كافة عن دعمها للمقاومة الفلسطينية، في صراعها من أجل منع العدوان الأمريكي الإسرائيلي. وشهد العراق بشكل دائم مسيرات، وإصدار بيانات تدعم المقاومة وتدين قوات الاحتلال.
_التهديد إمكانية التصعيد: كان لوجود قوات الاحتلال الأمريكي في العراق، أثره الواضح في إشعار الإدارة الأمريكية بأن دورها في العدوان على غزة، قد يؤدي الى حصول تصعيد كبير ويجر قواتها في العراق وسوريا إلى المعركة، وبالتالي تعقيد بيئة الأمن الإقليمي.
_ استهداف الكيان بشكل مباشر: استمرت عمليات مساندة المقاومة الإسلامية في العراق بشكل يومي وأسبوعي طوال معركة طوفان الأقصى، واستطاعت هذه العمليات أن تشكل دعماً حقيقياً، من خلال وصولها الى أهداف إسرائيلية مهمة وحساسة، من إيلات الى الجولان المحتلّ.
_الدعم المالي واللوجستي: يعدّ العراق منذ سنوات، نقطة عبور للأسلحة والموارد، إلى حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى.
4)سوريا:
بالرغم مما حصل في سوريا مؤخراً، لا بد من التذكير بما قدمه الرئيسان حافظ وبشار الأسد، من دعم استراتيجي لحركات المقاومة الفلسطينية، وكان له التأثير الواضح ما قبل وخلال معركة طوفان الأقصى:
_توفير العمق الاستراتيجي الآمن لقادة فصائل المقاومة الفلسطينية في دمشق، وتوفير ساحة داعمة لأنشطتهم السياسية. وشمل هذا الدعم السماح لهذه الفصائل باستخدام سوريا - رغم ما يحمله هذا الأمر من مخاطر كبيرة عليها - كمنطلق للتخطيط للعمليات وإدارة المعارك والمواجهات، وتلقي التدريبات.
_ تقديم الدعم العسكري من أسلحة (ذخائر وصواريخ، أسلحة مضادة للدروع،...)، وخبرات التصنيع العسكري خاصة في المجال الصاروخي.
5)الجمهورية الإسلامية: العمود الفقري الاستراتيجي
تعد الجمهورية الإسلامية هي الداعم الرئيسي والاستراتيجي للمقاومة الفلسطينية ولمحور المقاومة، وتجلّت مشاركتها خلال معركة طوفان الأقصى من خلال:
_الدعم المالي والمادي: فهي الممول الرئيسي لكل فصائل المقاومة الفلسطينية، حيث تقدم عشرات الملايين من الدولارات سنويًا. كما تشكّل الأسلحة والخبرات الإيرانية دورًا حاسمًا، في دعم عمليات المقاومة خلال هذه المعركة وكل الحروب التي سبقتها.
_الدعم السياسي: ركز خطاب الجمهورية الإسلامية طوال المعركة على تصوير عملية طوفان الأقصى وما تقوم به المقاومة الفلسطينية في إطار الحق المشروع ضد الاحتلال الإسرائيلي. وقد أشاد قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي ومعه كل مسؤولي الجمهورية الإسلامية السياسيون والعسكريون دائماً، بصمود الشعب والمقاومة الفلسطينية، وشكلوا منبر سياسي دولي ضاغط لهم.
_ عمليات الوعد الصادق 1 و2: كان لهاتين العمليتين دورهما البارز في دعم القضية الفلسطينية بشكل غير مسبوق في تاريخ الصراع، كونهما شكلاً الاحتكاك العسكري المباشر ما بين الجمهورية الإسلامية والكيان، وهدّدا بتوسع الصراع العسكري ليشمل كل منطقة غربي آسيا.
التأثير الإقليمي والاستراتيجي الأوسع لجبهات الإسناد
حقق التنسيق بين هذه الجبهات عدة أهداف استراتيجية:
1)إرهاق القدرات الإسرائيلية وإظهار فشل إسرائيل في حماية نفسها دون تدخل عسكري أمريكي وغربي مباشر.
2)تشكيل رأي عام عربي وإسلامي ودولي داعم للمقاومة والقضية الفلسطينية ومناهض للعدوان الإسرائيلي في مختلف أنحاء دول العالم.
3)تعقيد الجهود الدبلوماسية الرامية إلى عزل حركات المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس.
4)تقويض النفوذ الأميركي: بحيث شكلت هذه الجبهات تحديات كبيرة للسياسة الخارجية الأميركية في المنطقة.