يشهد الجنوب السوري حراكًا متصاعدًا يُنذر بتحولات جذرية في المشهد السياسي والاجتماعي للمنطقة. تبرز محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، كمركز رئيسي لهذا الحراك، حيث تتفاعل فيها عوامل تاريخية وسياسية واقتصادية واجتماعية معقدة. يثير هذا الحراك تساؤلات حول مستقبل الدروز في سوريا واحتمالات نشوء كيان سياسي مستقل لهم، او ما يمكن تسميته بـ "كانتون درزي".
الدروز في سوريا ولبنان وفلسطين:
ينتشر الدروز في سوريا ولبنان وفلسطين، ويشكلون اقلية دينية ذات هوية خاصة. في سوريا، يتركزون بشكل رئيسي في محافظة السويداء (حوالي 500 ألف نسمة)، بالإضافة الى تجمعات في ريف دمشق (جرمانا وصحنايا) وادلب (حوالي 18 قرية في جبل السماق) والقنيطرة (حضر). اما في لبنان فيتواجدون في جبل لبنان والشوف وعاليه وحاصبيا وراشيا (حوالي 250 ألف نسمة). وفي فلسطين، يقطن الدروز في منطقتي الجليل والكرمل (حوالي 150 ألف نسمة).
تعود نشأة المذهب الدرزي الى القرن الحادي عشر الميلادي، وينحدر الدروز، في الغالب، من اصول عربية. وقد لعبت شخصيات قيادية تاريخية دورًا محوريًا في تشكيل هوية الدروز ومسارهم في التاريخ القريب والمعاصر، من أبرزهم:
-فخر الدين المعني الثاني (1572-1635): امير درزي من لبنان، يعتبر مؤسس امارة جبل لبنان، وتميزت فترة حكمه بالاستقلال النسبي عن الدولة العثمانية. تعاون بشكل كبير مع فرنسا وممالك إيطاليا ومملكة بريطانيا إلا أنه دفع حياته ثمناً لنزعته التغريبية التي ظللها بنغمة "الاستقلال".
-سلطان باشا الاطرش (1888-1982): قائد الثورة السورية الدرزية الكبرى ضد الانتداب الفرنسي، ويعتبر رمزًا للمقاومة الدرزية في سوريا ووجود رجالات أخرى كفوزي القاوقجي الذي حارب الفرنسي والبريطاني وقاد الجيش الشامي من المتطوعين اللبنانيين والسوريين، الذي حارب اليهود في فلسطين أيام نكبة العام 1948.
-كمال جنبلاط (1917-1977): زعيم سياسي يساري لبناني، ومؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي، لعب دورًا بارزًا في السياسة اللبنانية ورغم أنه ينطلق من زعامة اقطاعية إلا أنه زاوج بشكل لافت بين كونه يساري وبين كونه أحد أبرز رجال الاقطاع الدرزي واللبناني، اغتيل في ظروف غامضة في 16-3-1976 في الشوف فخلفه ولده وليد جنبلاط الذي تنقل بين الاتجاهات السياسية والتحالفات المختلفة.
-الشيخ أمين طريف (1898 - 1993) قاضي وشيخ درزي لهُ مكانة عالية عند الدروز، ولد في قرية جولس في الجليل الغربي في فلسطين، تلقى تعليمه الإبتدائي في قرية الرامة في مدرسة خاصة وغادرها بعد أن أنهى الصف الرابع حيث يُعتبر الصف الأخير في المدرسة ليتوجه بعدها في حوالي سنة 1911 إلى خلوات البياضة في لبنان لدارسة الدين، وفي سنة 1918 توج تعليمه في لبنان بتسليمه العمامة المكولسة والتي يتمتع حاملها بأرفع التقديرات الدينية عند الدروز، عاد بعدها إلى مسقط رأسة ليتولى قيادة الطائفة في لبنان وسوريا وفلسطين في 21 مارس 1928 بعد وفاة والده الشيخ محمد طريف. عقد تفاهمات مع قادة العدو من بن غوريون عام 1948 إلى إسحق رابين عام 1993 وسعى لتنظيم أحوال الطائفة بالتفاهم مع الصهاينة حيث صادقت الهيئة التشريعية "الكنيست" في الكيان الإسرائيلي سنة 1962 وفقًا لمطالبه على قانون المحاكم الدينية العربية الدرزية، وبذلك أصبحت طائفة الدروز، طائفة مستقلة كباقي الطوائف في الكيان، وكان عرّاب المشروع الذي يربط دروز فلسطين بحكومات العدو المتعاقبة في الجيش والامن والادارات المحلية، وقضى مشروعه بالاستفادة من هذه العلاقة المميزة بالصهاينة لتحصيل مكتسبات لصالح الدروز في لبنان وسوريا، وعام 1982 توجه لرئيس حكومة العدو آنذاك بعدم المس بدروز لبنان، وكان عراب التفاهم بين دروز لبنان وجيش العدو الذي اجتاح لبنان صيف العام 1982. توفي عام 1993 فخلفه ابنه الشيخ موفق طريف والذي سار بنهجه وطوّر من التعاون الصهيوني الدرزي إلى مستويات متقدمة حيث بات ضباط الدروز يعينون في اعلى المناصب في الجيش، وبات لدى الدروز وزراء ونواب في معظم الحكومات منذ العام 1993. ويُتهم الشيخ موفق بأنه عراب العلاقات الدرزية السورية مع الاحتلال والتي انتقلت إلى الطور العلني مع بداية الحراك السوري المسلح ضد الدولة عام 2011، وكان للشيخ موفق دور اساسي في رعاية كل عمليات الاتصال التي جرت بين العدو ودروز السويداء بين حراكي 2018 و2023 ومؤخراً خلال الشهر الماضي بعد سقوط النظام السوري مباشرة بعدما طالبت اصوات بالمجتمع الدرزي في السويداء بالانضمام إلى "كيان العدو" جغرافياً وديموغرافياً.
دروز "إسرائيل".. بين الاندماج والخصوصية:
يتميز دروز فلسطين بمشاركتهم في الحياة السياسية والعسكرية، ويخدمون في جيش الاحتلال، مما يثير جدلًا حول تأثير ولائهم لحكومة وجيش العدو على دروز سوريا ولبنان. ويجادل البعض كزعيم الطائفة كالشيخ موفق طريف بأن خدمة الدروز في الجيش الاسرائيلي تساهم في حماية الاقليات في المنطقة، بينما يرى آخرون (ومعظمهم لا يتمتعون بنفوذ الشيخ موفق بين الدروز) أن العلاقة المفتوحة والحميمية بين قادة الطائفة في فلسطين والصهاينة تشكل خيانة للقضية العربية وتهدد وحدة الدروز.