الخميس 23 كانون الثاني , 2025 12:51

وعد السماء لم يخُب: غزة تنتصر والسيد حسن نصر الله يكتب النصر بدمه

شاب من غزة يحمل صورة الشهيد السيد حسن نصرالله

لا شك أن اللحظات التي تعيشها غزة الآن هي مزيج عجيب من الفرح والحزن، النصر والفقد، الاحتفال والوجع. قطاع غزة، الذي صمد كقلعة منيعة في وجه الطغيان "الإسرائيلي"، يحتفل اليوم بانتصار جديد على آلة العدوان، ولكن في زوايا هذا الانتصار تكمن مشاعر أخرى، مشاعر فقد رجال عظام كانوا دائماً جزءاً من هذا النضال. وعلى رأسهم سماحة الشهيد السيد حسن نصر الله، الذي استشهد وهو يردد أن غزة يجب أن تنتصر، مهما بلغت التضحيات. حيث أنه صار رمزاً للشهادة التي توحّد الأمة وتجعل الدم جسراً بين غزة وبيروت.

غزة: فرحة مشوبة بالألم

اليوم، يمكن لأهل غزة أن يتنفسوا قليلاً من الهواء الحُر، أن يخرجوا من تحت الأنقاض التي كانت شاهدة على مجازر العدو، أن يلمسوا شيئاً من الحياة التي حاول الاحتلال أن يسلبها منهم. ولكن، كيف يمكن للفرح أن يكون خالصاً، وقد غابت وجوه أحبها الجميع؟ كيف يمكن أن نحتفل بالنصر، ونحن نعلم أن الثمن كان باهظاً؟

يعيش النازحون الفلسطينيون مشاعر متناقضة. النصر الذي تحقق على الاحتلال الإسرائيلي يحمل طعماً مراً بفقدان قائد ملهم كالسيد حسن نصر الله. في دير البلح، يعبّر هاشم أبو منير، أحد النازحين في دير البلح، أن في استشهاد السيد نصر الله خسارة كبيرة للشعب الفلسطيني، قائلاً: "هذه خسارة عظيمة للأمة الإسلامية والوطن العربي، ولنا كفلسطينيين. في هذه الحرب، فقدنا آلاف الشهداء، والشعب اللبناني شاركنا في المعركة والنصر".

من جهتها، تقول أم أحمد موسى: "حزنّا كثيراً على استشهاده. كان دائماً سندنا، وخصوصاً في هذه الحرب التي عشناها. وجوده كان دعماً معنوياً لنا."

أما في رفح، فقد وقفت أم الشهيد أحمد، التي فقدت ابنها في المواجهات الأخيرة، أمام ركام بيتها المهدم وقالت: “لقد فقدنا قادتنا وشبابنا، ولكن استشهاد السيد حسن كان كأننا فقدنا الوطن كله. نحن نعيش اليوم فرحة الانتصار، ولكن قلوبنا مثقلة بهذا الفقد العظيم".

وفي مخيم النصيرات، يقول الشاب علاء أبو جابر، الذي أصيب خلال الحرب: "نحن صحيح نحتفل بالنصر، لكننا شعرنا فجأة أن فرحتنا ناقصة. السيد حسن كان دائماً جزءاً من انتصاراتنا، صوته كان يبعث فينا الطمأنينة. استشهاده علّمنا أن النصر لا يأتي إلا بالتضحيات الكبرى".

غزة، التي عاشت شهوراً من الجحيم، تستعيد الآن شيئاً من الحياة، لكنها تحمل في داخلها ندوباً لا تندمل بسهولة. الشوارع التي عادت تنبض بالحياة، ما زالت تحمل آثار الدمار، والأحياء التي تستقبل العائدين، ما زالت تبحث عن أحباب لن يعودوا.

الشهيد حسن نصر الله: رمز التضحية في زمن الانتصار

وسط هذا المشهد، يبرز اسم سماحة السيد حسن نصر الله، ليس كقائد عادي، بل كرمز لكل ما تعنيه المقاومة من عزة وشرف. السيد نصر الله، الذي اغتالته يد الغدر الإسرائيلية في سبتمبر/أيلول 2024، عاش ومات من أجل فلسطين، من أجل غزة، من أجل أن تبقى القضية حية في القلوب والعقول.

كان السيد نصر الله يمثل في خطاباته مزيجاً نادراً من الوضوح الفكري والالتزام الأخلاقي، وكان دعمه لغزة امتداداً لمبادئه التي لم تتغير. حين قال: "غزة يجب أن تنتصر"، لم يكن ذلك مجرد شعار، بل كان وعداً صادقاً ورؤية استراتيجية لدور المقاومة الفلسطينية في تغيير معادلات الصراع.

استشهاد السيد نصر الله في خضم المعركة كان لحظة فارقة، ليس فقط لأنه فقد حياته، بل لأنه أعطى النضال الفلسطيني رمزية جديدة. أصبح استشهاده دليلاً على أن المعركة ليست محصورة بجغرافيا، بل هي صراع وجودي بين الحق والباطل.

السيد حسن نصر الله: أيقونة المقاومة ووعد النصر

تاريخ السيد نصر الله حافل بالتحديات والمواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي. فمن تحرير جنوب لبنان في عام 2000 إلى حرب تموز/يوليو 2006، ظل السيد نصر الله عنوانًا للمقاومة المنظمة التي تدرك أهمية التخطيط الاستراتيجي وتحقيق التوازن بين الإمكانيات والطموحات.

السيد حسن نصر الله لم يكن مجرد قائد سياسي أو عسكري، بل كان تجسيداً لوحدة المصير بين لبنان وفلسطين. كلماته الأخيرة، التي أكدت يقينه بـ"الوعد الإلهي"، لا تزال ترن في أذهان الجميع:

"إيماناً بالوعد الإلهي الذي وعد المؤمنين الصادقين الصابرين المجاهدين بالنصر، ومن موقع التجربة الشخصية مع سماحة الإمام القائد السيد الخامنئي الذي كرّر يقينه أن غزة ستنتصر وأن فلسطين ستنتصر".

هذه الكلمات لم تكن مجرد خطاب عابر؛ كانت رؤية استراتيجية تنبض بالثقة، وتجربة واقعية كان لها دور جوهري في ترسيخ مفهوم المقاومة كشريان حياة للشعب الفلسطيني.

غزة ولبنان: دم واحد ونسيج موحّد

لطالما كانت العلاقة بين غزة ولبنان علاقة نضال مشترك. استشهاد السيد نصر الله لم يكن نهاية لهذه العلاقة، بل كان تجسيداً لقوة الدم الذي يوحد الشعوب. اليوم، لا يمكن الحديث عن نصر غزة دون الإشارة إلى تضحيات المقاومة اللبنانية ودعمها المستمر.

كما تقول عبير: "غزة ولبنان الآن أصبحا نسيجًا ودمًا واحدًا." وهذا ما يؤكده واقع المعركة؛ فالمقاومة ليست محصورة بجغرافيا، بل هي إرادة تعبر الحدود، تتحدى الاحتلال، وتبني جسور الأمل بين الشعوب.

إرث السيد نصر الله: منارة للنضال

إن فهم إرث نصر الله يتطلب تحليلًا للسياقات التي شكلت مسيرته. خطبه الحماسية لم تكن مجرد كلمات؛ بل كانت محاولات لتحفيز الوعي الجماعي للأمة. فقد أدرك أن الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي يتجاوز الجغرافيا ليشمل القيم والمبادئ الإنسانية.

استشهاد السيد حسن نصر الله ألقى على عاتق الأمة مسؤولية الحفاظ على إرثه. دعمه للمقاومة الفلسطينية كان نموذجاً للأخلاق السياسية في أبهى صورها. لم يكن دعماً بالكلمات فقط، بل كان دعمًا عمليًا استند إلى رؤية واضحة بأن المقاومة هي الطريق الوحيد لاستعادة الحقوق.

اليوم، يقف الشعب الفلسطيني عند مفترق طرق: بين الاحتفال بالنصر والحزن على الفقد. لكنهم يعلمون أن تضحيات السيد نصر الله وآلاف الشهداء لن تذهب هدرًا، بل ستكون الوقود الذي يُشعل مسيرة النضال حتى التحرير الكامل.

حين وعد السيد حسن نصر الله بأن غزة ستنتصر، لم يكن ذلك مجرد خطاب بلاغي. كان إيماناً بوعد إلهي، وتجربة واقعية عاشها في ساحات المقاومة. اليوم، يحتفل أهل غزة بالنصر، وعيونهم على السماء، يذكرون من فقدوا، ويرددون: "لولا تضحياتكم لما انتصرنا".

استشهاد السيد نصر الله لم يكن خسارة فقط، بل كان درساً للأمة: أن المقاومة ليست خياراً بل واجب، وأن الدم الذي يُراق من أجل الحرية هو أثمن استثمار يمكن أن تقدمه الشعوب لمستقبلها.

كما قال الشهيد السيد نصر الله: "المقاومة حياة". هذا الإرث الذي تركه خلفه لن يزول، بل سيظل نبراسًا لكل من يرفض الخضوع. غزة، التي تحتفل اليوم، تعرف أن طريقها طويل، لكنها تعرف أيضًا أن دماء الشهداء ستظل تروي شجرة الحرية حتى تثمر نصرًا أبديًا.

غزة ولبنان: أسطورة الصمود في وجه الاحتلال

في النهاية، بالنظر إلى الواقع الإقليمي والدولي، يمكننا أن نستخلص دروسًا من تجربة غزة وحزب الله. المقاومة ليست مجرد رد فعل على الاحتلال؛ بل هي استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى كسر احتكار القوة وإعادة تشكيل موازين القوى.

الاحتلال الإسرائيلي يعتمد على تكتيكات العنف والتجويع، لكنه يغفل عن فهم العامل الإنساني الذي يجعل المقاومة ممكنة. فالشعوب المستضعفة، كما أظهرت غزة، لديها قدرة استثنائية على التكيف والصمود.

غزة بانتصارها، أثبتت أن إرادة الشعوب لا تقهر، وأن تضحيات القادة العظماء، كالسيد حسن نصر الله، تبقى منارات تهدي مسيرة التحرر. وختامًا، يظل سؤال المقاومة والتحرر هو سؤال المستقبل: كيف يمكن للأمم المظلومة أن تحرر نفسها من براثن الهيمنة؟ الإجابة، كما أثبتت غزة، تبدأ بالإيمان بعدالة القضية والاستعداد للتضحية في سبيلها.


الكاتب:

محمد الأيوبي

كاتب صحفي فلسطيني
بكالوريوس في الصحافة والإعلام
دكتوراه في الحقوق
[email protected]




روزنامة المحور