الثلاثاء 05 تشرين ثاني , 2024 02:23

في ذكرى الأربعين.. من لم يغادر الميدان

الشهيد السيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)

بعد مرور شهر كامل على استشهاد سيد الشهداء على طريق القدس، الأمين العام السابق لحزب الله، وتتردد في رأسي مترافقة مع صفاته جميعاً، أنشودة قصيدة "الذكريات". قصيدة غناها مارسيل خليفة فأعاد إحياءها، وهي لشاعر مجهول، كتبت في رثاء شهيد رحل وترك ذكريات تجيء وتروح ولا تؤذي، وتأتي الذكريات وكأنها تحمل رضا الشهيد وهو يمر لأنه ما يزال يحيا في قلوبنا. ومع ترديد هذه الكلمات جاءت الذكريات الجميلة والملحمية والمؤلمة والحزينة في ذكرى أربعين رحيل أهم قادة الميدان والذي لم يغادره أبداً، سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله.

بدأت رحلة السيد الشهيد منذ نعومة أظافره، وتحمل في طياتها معاناة الجنوبيين بسبب الإحتلال الصهيوني للأرض والتهجير لأهله خلال زمن الحرب الأهلية. عاش الجنوب منذ نشوء الكيان، والجنوب حالة من البؤس. أهم أسبابه انفلات الوضع الأمني فيه بسبب عمليات الخطف والإجتياحات الصهيونية، ولذلك كان من الصعب أن يكبر ابن الجنوب البار وهو بعيد عن آلام التهجير والإحتلالات، وليس مصادفة أن ينشأ كما العديد من الرفاق الذين سبقوه والذين رافقوا مسيرته وهو يعمل على قتال العدو الصهيوني، وبقي يقاتله حتى الرمق الأخير.

امتاز السيد الشهيد بالحضور المهيب في لبنان والمنطقة، وعلى المستوى العالمي، كان العدو والصديق ينتظر ما سيقوله ليبنى على الشيء مقتضاه. كما أن تأثيره شخصيته انعكس على مستوى البلاد العربية كلها من المحيط إلى الخليج. ولذلك علينا أن لا نستغرب أن ملوكاً وأمراءً وروؤساء دول قد تآمروا عليه. فقد وقف إلى جانب القضية الأم فلسطين حتى الرمق الأخير. وقف إلى جانب سورية التي وقفت إلى جانب المقاومة. ومنذ التحرير في العام 2000 كان للسيد الشهيد والمقاومة مكانة خاصة في قلوب السوريين الذين افتقدوه قائداً ورمزا. لقد حورب السيد الشهيد حتى اللحظة الأخيرة من حياته، لأنه كان في كل قرار اتخذه بالوقوف إلى جانب سورية كان يدفع نحو تهديد أمن الكيان، وضد كل اللاعبين على بلداننا وأمننا.

اليوم لن نفتقد سماحة السيد لا في أيام الحرب، فروحه تهيم بيننا تُحفّز المقاومين على القتال، ولم يفتقد في أيام السلم التي مرت على بلادنا، ولن يفتقد في أيام السلم القادمة لأننا نعلم أن روحه باقية معنا نستلهم منها القوة، ولن يفتقد في المهرجانات القادمة كما الماضية لأن ما صنعه خلال حياته ستبقى تزهر انتصارات، وتُعلّم الأجيال القادمة، كيف يستشهد القادة من أجل بقاء القضية وبقاء الوطن؟ وكيف يذّكي الملهمون روح المقاومة بكتاباتهم، برسومهم، بأبحاثهم، بدينهم، بعقيدتهم، كما فعل غسان كنفاني، وناجي العلي، والشيخ راغب حرب، وفادي البطش، وغيرهم. وبات هؤلاء بأجسادهم روح الأرض التي ازدهرت بهم، ويخضرون فيها اخضراراً.

حين نتجول اليوم في شوارع بيروت، والتي باتت صور السيد الشهيد فيها تزين المكان، وتطوف في قلوبنا كما يطوف "صفصاف الكرى" في القلوب، بانتظار طوفانه يوم النصر فوق الأكتاف وفي قلوبنا، لينام فيها، وسنبقى نراه في كل مرة نجول فيها في حقولنا وشوارعنا وقرانا ومدننا، وهو يشد من عزيمتنا، ويحرس القلوب المشتاقة إليه، وتطرد الضعف فينا لتزرع الغضب مكانه. وعندما عدنا ولملمنا الجراح مع أننا نشتاق إليه اليوم، ونتمنى أن ننتظره كما انتظرناه دائماً وخاصة خلال حرب تموز 2006، عدنا لأن ما تركه فينا يحثنا، كما حثتنا أرواح الشهداء والمقاومين في كل يوم، بأن وقت العودة بعد التراجع، ووقت الصعود قد حان: وإن تهدمت عزائمنا في لحظات وأن نهارنا سيضيء من جديد من الصحراء وحتى البحر، فملحمتنا التي انتظرناها طويلاً قادمة لا محالة، وأن دم شهدائنا وأهلنا المسفوك هو ملحمتنا المكتوبة في وجه الغاصبين تعترض طريق تقدمهم، وهذا اسمه مقاومة.. مقاومة زُرعت فينا حتى نهاية الزمان.

عندما تأتي ذكرى الشهيد السيد حسن نصرالله، فمن الصعب أن لا نعود فنقرأ الذكريات التي تركها فينا، وهو شهيد مرحلة هامة من تاريخ أمتنا، ونتذكر معه شهداء المراحل في الجنوب والذين يمرون برضى في ذاكرتنا، من الشهيد النقيب محمد زغيب، شهيد معركة المالكية 1948، إلى الشهيد اللبناني الأخضر العربي، أمين سعد، الأول على طريق فلسطين 1969، إلى الشهيد علي أيوب، شهيد اجتياح العام 1972 ومعه بدأت المقاومة، إلى الشهيد الشيخ راغب حرب، والشهيد السيد عباس الموسوي، الذي بدأت معه مرحلة جديدة من المقاومة قادتنا نحو النصر، إلى الشهيد حسن نصرالله، والذي رسمت مع شهادته مرحلة جديدة متقدمة من مراحل المقاومة والنضال، سترسم ملامحها في المستقبل القريب. شهداء المراحل، الذين نقلوا النضالات والمقاومة عبر تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني، لا يمكننا أن ننساهم؛ كما لا يمكننا ان ننسى حجم التضحية التي بذلها من كان لهم شرف القتال من أجل كرامة الإنسان والوطن.


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 




روزنامة المحور