الجمعة 17 كانون الثاني , 2025 03:36

الخطة الشاملة للعودة إلى الجليل: إشكالية الميزانية والتوقيت

المستوطنون في الشمال الإسرائيلي

نَظَرَ المستوطن الشمالي إلى ملف إعادة التأهيل وإدارة أزمة النازحين والميزانيات، من منطلق عقدته "بالدونية"، لذا بنى موقفه بالاستناد إلى مقارنات وتحليلات لأداء الحكومة في التعامل مع تحديات الحرب في الجنوب رغم اختلاف الظروف والفرص والتحديات بين الجغرافيتين، وعلل سوء الأداء الرسمي، إلى أسباب تتعلق -من وجهة نظره- بأولوية سكان المركز والجنوب على حساب الشمال.

ومن بين المجتمعات الإسرائيلية (الشمال الوسط والجنوب) تَصَدّر المجتمع الشمالي بعد الـ7 من أكتوبر؛ مشهدية العلاقة الإشكالية بين الجمهور والجيش الإسرائيلي، نتيجة عوامل جغرافية، ميدانية، وعسكرية منها تأخر الاستجابة الميدانية في تغيير الواقع الأمني في الشمال (حوالي 11 شهراً)، وتقديم أولوية الحسم العسكري في الجنوب (غزة) على أولوية حماية الحدود الشمالية. وفجوة بين الوعود العسكرية المعلنة وبين الواقع الميداني.

وفي بداية معركة الإسناد، كان عامل الخوف هو المتحكم الوحيد في عقلية السكان وسلوكهم، فشكل الابتعاد عن أماكن الخطر مهمة وجودية للبقاء، ومع الانتقال إلى الفنادق بشكل رئيسي وقع السكان ضحية الانسلاخ عن بيئة الجليل، وصعوبة التأقلم مع الأماكن المغلقة، واختلاق روتين مغاير في ظل عدم وجود جدول زمني واضح للأزمة.

في المرحلة الثانية، لم يجد النازحون خياراً سوى بالتأمل وانتظار الوعود لإحداث التغيير المرتقب، بما يضمن عودة آمنة إلى المنازل، هنا بزرت مظاهر من التكاتف والتضامن وتصدي الجمعيات المدنية والحركات التطوعية لسد الفجوات وتوفير الدعم النفسي، وعلى الرغم من أن هذه الجهود لم تتوقف حتى انتهاء الحرب، لكن القدرة على الاستجابة والصمود ومرونة الانتقال في المراحل الزمنية للحرب، أصيبت بنكسات متراكمة بعد كل خيبة تتعرض لها من الحكومة نتيجة التسويف في حسم معضلة الشمال، والممطالة في اتخاذ قرارات تضمن حق الحماية، ومع الوقت سيطرت حالة من اليأس على النازحين.

في المرحلة الثالثة، خرج الكثيرون من حلقة الانتظار، وذهبوا لإيجاد حلول بأنفسهم، كالانتقال إلى شقق سكنية، ثم جنح آخرون إلى اتخاذ قرارات فردية بعيداً عن مجتمعاتهم بحثاً عن الاستقرار في مجتمعات أخرى (تسجيل الأطفال في المدارس، التوظف في مهن ثابتة...).

في المرحلة التي تلت، تحولت ظاهرة المغادرة إلى خطر يهدد المجتمعات التي أتوا منها، وأصبح عدد المغادرين أكبر من عدد الأشخاص المقيمين.

ولأن الاتفاق لم يأتِ تلبية لكامل شروط العودة، لم تتخذ العائلات والأفراد قراراً بالعودة، ليس انتظاراً لإعلان رسمي وواضح بالعودة بل لدراسة الواقع المستجد وتقييم المخاطر بناء على المخاوف التي تمت مراكمتها خلال الحرب، بدءاً من الواقع الأمني وصولاً إلى خطة تأهيلية تنموية تتوافق مع مطالبهم المحقة على غرار ما ينعَم به مجتمع المركز.

في هذا الإطار، نقدم إليكم في السطور التالية برنامج وتقييم لخطة إعادة المستوطنين الإسرائيليين إلى الشمال، بالإستناد إلى بيان صحفي للوزير زئيف إلكين صادر عن اجتماع السلطات الشمالية، تحت عنوان "العودة للوطن" (تقررت العودة رسمياً بتاريخ 1 آذار/مارس 2025).

التقييم

- تمارس الحكومة سياسية الضغط بمنح الإخلاء لضمان عودة سريعة لسكان الشمال، بتحميل المتأخرين عن قرار العودة إلى ما بعد شهر آذار/ مارس مسؤولية حرمانهم من "منح المغادرة". 

- رغم تدفق آلاف الشواكل لكل عائلة، لكن التعويضات حسب ما أفادت العائلات لا تغطي تكاليف الأضرار التي لحقت بالمنازل إما بفعل الحرب أو الإخلاء الطويل.

- فجوة التنسيق في المواقيت، إذ أن حوالي 80% من النازحين يعيشون في منازل مستأجرة تنتهي مدة عقدها في آب/ أغسطس، إلى حين انتهاء العام الدراسي، مما سيعيق هؤلاء عن العودة في الموعد المحدد، أو سيضطرون إلى تحمل النفقات على عاتقهم الشخصي. 

- ذهبت الميزانية التي خصصت للشمال لتعويض الأضرار ومنح الإخلاء، واقتطعت من الميزانية المخصصة لتطوير وتنمية الشمال، مما سيعيد الإشكالية القديمة بين السكان والحكومة وعلى مستوى أكثر حدّة.

- يجنح الكثير من السكان إلى اختيار المسار الأحمر، الذي يتعهد بتعويضات مالية أكبر للتأهيل والترميم، مما سيزيد العبء المالي على الحكومة، وسيؤثر على عملية التنمية والتطوير. 

تاريخ العودة: 1 مارس/آذار، تقرر التاريخ الرسمي - بعد تقييم أمني – يقدّر إمكانية العودة بأمان إلى منازلهم.

الميزانية: 3.4 مليار شيكل (926.6 مليون دولار)، تشمل الإقامة في الفنادق وفي مجتمع النزوح، وتعويضات للسلطات المحلية بالإضافة إلى المنح الفردية.

برنامج الخطة:

المحور الأول (يناير- فبراير): خلال هذين الشهرين، ستستمر الدولة بتمويل إقامة السكان خارج المستوطنات - في الفنادق ومجتمعات النزوح.

المحور الثاني: سيتم تحويل الميزانيات إلى السلطات المحلية من أجل تأهيل البنية التحتية العامة في أسرع وقت ممكن، وكذلك إلى وزارة التربية والتعليم، في إطار الاستعدادات لافتتاح المنظومات التعليمية المحلية في الأول من مارس، وستحصل كذلك كلية تل حاي على ميزانية خاصة لفتح أبوابها في بداية شهر مارس.

المحور الثالث: يتضمن منح الأسر العائدة إلى ديارها، بين الأول من آذار/مارس، مع انتهاء خطة الإخلاء، وحتى نهاية حزيران/يونيو -أي نهاية العام الدراسي.

- ما بعد انتهاء الخطة: لن تدفع الدولة بعد هذا التاريخ تكاليف الإقامة في الفنادق أو في المجتمع (200 شيكل جديد لكل شخص بالغ و100 شيكل أخرى لكل طفل في اليوم) وذلك اعتبارًا من 1 مارس، بالتالي سيتحمل الأفراد تكاليف قرار البقاء في مجتمعات النزوح على حسابهم الشخصي، وليس على حساب الدولة.

- منح العودة: تمنح الدولة للمهجرين نوعين من المنح: منحة عودة تبلغ قيمتها حوالي 15 ألف شيكل للبالغين (حوالي 4 آلاف دولار) و8000 شيكل (حوالي 200 دولار) إضافية لكل طفل حتى سن 18 عامًا (بعد هذا العمر يعتبر بالغًا)، وكذلك مغادرة منحة بقيمة 10 آلاف شيكل (حوالي 2000.7 دولار) جديد للشخص البالغ و5000 شيكل (حوالي 1000.3 دولار) إضافية للطفل.

- الهدف من المنح: السماح للناس بالعودة إلى منازلهم في أسرع وقت ممكن، مع تعويض الأشهر التي قضوها بعيدًا عن المنزل، ومساعدة العائدين على معالجة الأضرار الناجمة عن الغياب الطويل عن المنزل.

- عملية توزيع المنح: سيحصل الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من الفندق والذين سيعودون بحلول 7 مارس على كافة المنح (منح العودة ومنح الغادرة)، على أن تتناقص قيمة المنحة مع اقتراب نهاية شهر يونيو. ومن يعود إلى الشمال بعد نهاية حزيران/يونيو لن يحصل على منحة عودة.

سيحصل الأشخاص الذين تم إجلاؤهم والذين يعيشون في المجتمع على منحة العودة بأكملها حتى لو لم يعودوا إلى منازلهم بحلول نهاية شهر يونيو، وذلك بهدف السماح لهم بمواصلة دفع الإيجار الذي التزموا به على المدى الطويل، بهدف عدم الإضرار بالأسر التي يدرس أطفالها في نظام التعليم المحلي. أما في حال عدم العودة بعد نهاية يونيو، فلن يتم تقديم أي منحة.

- مكافأة نهاية الخدمة: سيحصل الجميع على مكافأة نهاية الخدمة، بغض النظر عن تاريخ عودتهم.

- موعد بدء تدفق المنح: بحسب إعلان التأمين الوطني الذي سيمنح المبالغ، فإن المنحة ستبدأ بتحويلها في شهر أيار المقبل، نظرا لأعمال تحضيرية كبيرة للأنظمة وإدخال بيانات الأشخاص الذين تم إجلاؤهم ومواعيد العودة.

- المسار الأخضر والمسار الأحمر: تسمح الدولة للسكان العائدين برفض المسار الأخضر (أي المبلغ المحدد لكل أسرة ويعتمد على عدد الأطفال) والتحول إلى المسار الأحمر الذي يتضمن مطالبة شخصية بمحتويات المنزل من ضريبة الأملاك، ولا يمكن اعتماد كلا المسارين في نفس الوقت.

- الوضع الأمني بعد العودة: على النقيض من الجنوب، حيث لا تزال هناك ثلاث مستوطنات يوجد فيها منع أمني للعودة، فإن الافتراض في الشمال هو أنه لن يكون هناك منع أمني، ولكن سيكون هناك منع إعادة تأهيل للعودة.

- الوقاية التأهيلية: تضم المستوطنة التي تعرضت غالبية المباني فيها والبنية التحتية لأضرار– لن يتمكن سكانها من العودة مع باقي السكان، أي في الأول من مارس/آذار أو حتى نهاية يونيو/حزيران: المطلة والمنارة والمالكية.

- قانون المقيمين في مستوطنات " الوقاية التأهيلية": بحسب الوزير إلكين، سيتم وضع خطة عودة منفصلة لهذه المستوطنات. وبالنسبة للمستوطنات العشر في الجنوب والتي لا يمكن العودة إليها لصعوبة إعادة تأهيلها، فقد تم إعداد خطة خاصة تتضمن مستوطنات مؤقتة ودفعات لمن لا يريد العيش مع المجتمع - حتى الإعلان عن موعد العودة إلى الوطن بعد استعادة المستوطنة.

- تقديرات عدد السكان الذين سيعودون بنهاية يونيو 2025: بحسب تقديرات منتدى مستوطنات الخط الأمامي فإن نحو 80% من السكان سيعودون إلى منازلهم، إذا لم يتم انتهاك قرار وقف إطلاق النار وكان الشعور بالأمن قوياً. بمعنى آخر، ربما لن يعود واحد من كل خمسة من الأشخاص الذين تم إجلاؤهم إلى الشمال.

- ميزانية خطة العودة: جزء من ميزانية الخطة يأتي من موازنة الدولة الحالية وجزء من الموازنة (15 مليار شيكل) من موازنة 2025 التي حددتها الحكومة للشمال. ظاهرياً، هذه ميزانية كان من المفترض إنفاقها على تنمية الشمال على المدى الطويل، لكن عملياً سيتم إنفاق جزء كبير من الميزانية على التعويضات المطلوبة بسبب الحرب.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور