قبل اندلاع حرب طوفان الأقصى، تصاعدت وتيرة الحديث عن احتمال اندلاع حرب أهلية في الكيان المؤقت، خاصة بعد وصول حكومة اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو إلى الحكم. ولم تكن المرّة الأولى التي يتم فيها التداول إعلامياً وسياسياً لمثل هكذا احتمال، نتيجة الانقسامات على مختلف المستويات والتركيبة المتعددة لهذا الكيان، إذ أن أي احتدام بين العلمانيين والمتدينين قد يتصاعد ويهدّد بانهيار المشروع الصهيوني.
وبعد السابع من أكتوبر، تجدّدت المخاوف من حرب أهلية في ظل ظروف سياسية، أمنية، اقتصادية واجتماعية معقدة، فزاد القلق من أن هذه الاختلافات قد تتطور إلى نزاع داخلي، وربما إلى حرب أهلية بين الإسرائيليين أنفسهم؛ بين من يسعى لتغيير ما يدّعونه من نظام "ديمقراطي" من جذوره ويسعى لتحقيق طموحاته التوسعية المتطرفة ومجموعة أخرى تعارض ذلك.
ما هي الأسباب والعوامل المساعدة التي قد تدفع لسيناريو حرب أهلية في إسرائيل؟
- التقسيم الأيديولوجي، إذ أن اليمين الديني واليمين العلماني في الكيان لا يملكان رؤية مشتركة (الدين، الاستيطان والأرض، الأمن والاقتصاد، القضايا الاجتماعية، السياسة الخارجية وتجاه الفلسطينيين..)، وبالتالي وجود انقسام جوهري يعكس صراعاً وجودياً بين رؤيتين متناقضتين للحياة والتاريخ.
- الخلافات الداخلية المتعلقة بالإصلاحات القضائية وخطط حكومة اليمين المتطرف التي سبقت أحداث السابع من أكتوبر التي رافقتها الاضطرابات والإضرابات والمظاهرات والتي شكّلت تمهيدًا لأن يكون الكيان على شفا الحرب الأهلية.
- الخلافات حول استمرارية الحرب، والانقسام العميق داخل الجيش (خلافات حول مسار العمليات، تجميد ترقيات، إقالات، تمرّد الجنود وتغيّبهم ورفضهم الخدمة...) والجمهور والمؤسسات.
- الأزمات العميقة التي يعيشها الكيان، فالمتطرفون من اليمين المسياني والعنصري يحاولون نقل أساليب العنف المستخدمة ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة إلى داخل الخط الأخضر، ويسعون لتطبيقها ضد المعسكر "الليبرالي-الديمقراطي"، وضد وسائل الإعلام، وضد الجهاز القضائي، لفرض تغيير في طبيعة المجتمع والنظام، كما أن العنف موجّه أيضاً ضد الجيش نفسه وجنوده.
- الانقسام داخل وبين المؤسستين السياسية والعسكرية (الخلافات بين أعضاء الحكومة، الخلافات بين القيادة والضباط حول إدارة العمليات العسكرية، الاستقالات داخل قيادات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، تأكيد قادة عسكريين غياب رؤية إستراتيجية واضحة لدى القيادات السياسية لليوم التالي الأمر الذي يكبّد الجيش خسائر باهظة، الخلاف حول إدراة الحرب...).
- حرب الاستنزاف في حملة "السيوف الحديدية" ألحقت الضرر بالمناعة "الوطنية" للـ"مجتمع الإسرائيلي"، وأشعلت الكراهية بين أجزاء "الشعب"، والتي ظهرت على شكل التراجع البارز في: مستوى التضامن، الثقة بمؤسسات الدولة، من بينها جيش الاحتلال، وبمستوى التفاؤل والأمل لدى غالبية الجمهور، هذا إلى جانب الشروخ الاجتماعية التي تتعمق، والخلافات السياسية الممزّقة والخطاب العام المسموم.
- يُعدّ تأجيل الانتخابات عاملاً مساعداً في ارتفاع احتمال أن ينتهي الأمر بصراع داخلي في الكيان وربما حتى حرب أهلية، كما أن تنحية نتنياهو من منصبه ستكون في نفس الوقت سبباً يؤدي لاندلاع حرب أهلية.
- تعزيز قانون التهرب من الجيش (التأثير على دافعية الجنود) وعرقلة إنشاء لجنة تحقيق (الضرر بأمن ووحدة "الشعب").
- التراكمات (قانون التهرب من الخدمة/ السيطرة على المحكمة العليا/ محاولة إقالة المدعي العام/ محاولة إضعاف مكتب المحامين/ السيطرة على الإعلام كما والهيئة) ما هي إلا مجرد بداية، فالتراكم يهدّد جوهر القوة الوطنية وجوهر الكيان وكل القيم الصهيونية.
- التخلّي عن الأسرى وتركهم للموت وإهمال سكان الشمال، يعكس تخلّي الكيان عن "المواطنين" في أحلك أوقاتهم، ما سيؤدي لعدم رغبة هؤلاء في تقديم أيّ مساهمة للدولة، وفقدان الرغبة في الانضمام إلى الجيش.
- وجود مشاكل داخل جيش الاحتلال نابعة جزئياً من أزمة ثقة حادة بين قمة الجيش والرتب الميدانية.
- الاحتجاجات التي شهدها ويشهدها الكيان ضد مساعي نتنياهو لإنجاز تعديلات قضائية ترسخ الدكتاتورية، تمثّل تمهيدًا للصراع الداخلي، حيث تتفاقم الانقسامات السياسية والاجتماعية في "إسرائيل".
- الأزمات الأمنية، تدهور الوضع الاقتصادي، تعمّق الأزمة في (التعليم، الصحة، الرفاه، والمواصلات)، الاحتجاجات الشعبية والاضطرابات الاجتماعية.
تجدر الإشارة إلى أن مجموعة واسعة من التحليلات والتصريحات العبرية، تروّج لاحتمال اندلاع حرب أهلية في الكيان انطلاقاً من عدّة دوافع وفي اتجاهات عدّة، تختلف باختلاف الكتل والأطراف الصهيونية، مجسدّة مصالح وهواجس هذه الجهات، حيث تأخذ الحرب الأهلية اهتمام العديد من الأطراف.
ختاماً، من المستبعد حالياً أن تتفاعل الأسباب المذكورة أعلاه وتنتج اقتتالاً داخلياً إسرائيلياً، لكن قد تندلع شرارة صراع بين الأشقاء في المستقبل القريب، يحدّدها اليوم التالي لوقف الحرب، وما ستنتجه أحداث ما بعد الحرب من تداعيات سياسية، اقتصادية واجتماعية، قد تتطوّر تدريجياً لما يُعرف بحرب داخلية. وتبقى هذه التقديرات اليوم مرهونة بالتطورات المستقبلية على أعتاب نهاية الحرب في غزة.
الكاتب: غرفة التحرير