كانت المعركة على مستقبل رئيس الوزراء الاسرائيلي السياسي قد بدأت بالفعل منذ ما قبل انتهاء الحرب، لكن الصفقة الأخيرة التي فرضها الرئيس الأميركي، جعلت من الأمور أكثر تعقيداً وبات بنيامين نتنياهو مطالباً بالكثير من الحذر في اتخاذ أي قرار، لأن أي خطأ في حساباته قد يكلفه انهيار حكومته.
بعد ساعات من الإعلان عن الصفقة، كان نتنياهو يواجه تمرداً داخلياً من شركاء اليمين المتطرف في ائتلافه الحاكم الذين يعتمد على دعمهم للبقاء في السلطة. وفور دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، أن حزبه "القوة اليهودية" القومي المتطرف سيستقيل من الائتلاف إذا وافقت الحكومة على اتفاق وقف إطلاق النار.
بعد يوم من موافقة الحكومة الإسرائيلية على الصفقة إذاً، تقلصت مقاعد الكنيست التي يسيطر عليها حزبه أغلبية الائتلاف في البرلمان المؤلف من 120 عضواً إلى 61 أو ربما 62 مقعداً. في حين قال وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش إنه سيبقى في منصبه، ولكن فقط إذا استأنفت إسرائيل هجومها على غزة في غضون ستة أسابيع أخرى، بعد الجزء الأول من الاتفاق المكون من ثلاث مراحل. إذا غادر سموتريتش بمقاعده السبعة في الكنيست، فسيكون الائتلاف قد خسر أغلبيته.
بالتالي قد يكون نتنياهو أمام خيار مصيري يتخذه في الأسابيع المقبلة، ومحفوفاً بالمخاطر: الحفاظ على أغلبيته البرلمانية من خلال استئناف حرب الابادة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة أو المخاطرة بانهيار الائتلاف في منتصف فترة ولايته التي تستمر أربع سنوات والمراهنة على إجراء انتخابات مبكرة. من ناحية أخرى، قد يضطر نتنياهو إلى الاختيار بين أغلبيته البرلمانية وعلاقته بإدارة الرئيس دونالد ترامب في واشنطن، الذي دفعه لانهاء الحرب، تنفيذاً لوعوده الانتخابية، ولتقديم نفسه أنه قد فعل ما لم يستطع فعله سلفه جو بايدن. وبحسب المتداول ربما يعرض ترامب على نتنياهو التطبيع مع السعودية كفرصة لتلميع إرثه.
ويرى رئيس المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، يوحنان بليسنر، "إذا كان على نتنياهو الاختيار بين علاقة حميمة مع إدارة ترامب وسموتريتش وبن غفير، فسوف يختار ترامب".
لطالما اتهم منتقدو حكومة نتنياهو، بما في ذلك العديد من عائلات الأسرى الذين ما زالوا في قبضة حماس في غزة، نتنياهو بتخريب الجهود السابقة للتوصل إلى اتفاق من أجل الحفاظ على ائتلافه. وقد فضحته تصريحات بن غفير، الذي أكد هذه الشكوك في بيانه، عندما أشار إلى أنه وسموتريتش استخدما نفوذهما السياسي لإحباط صفقة مماثلة "مرة تلو الأخرى" خلال العام الماضي. على الرغم من أن نتنياهو كان يتهم حماس في احباط جهود التوصل إلى اتفاق طيلة الأشهر الماضية.
لماذا يريد اليمين المتطرف استمرار الحرب؟
يشترك اليمين المتطرف في مخاوف نتنياهو من أن يتم محاسبة الحكومة عندما تنتهي الحرب من خلال لجنة تحقيق حكومية للتحقيق في الإخفاقات الهائلة التي سمحت بحدوث 7 اكتوبر، وهو الأمر الذي بدأ الشارع الاسرائيلي يطالب به فعلياً. أو من خلال الدعوات لانتخابات مبكرة من المحتمل أن تخسرها. لكن اليمين المتطرف لديه أسباب خاصة به. لقد استمتع العديد من أنصار بن غفير بعنف الحرب والانتقام والنصر. بالنسبة لشريحة واسعة من اليمين المتطرف، الحرب هي الوسيلة لتحقيق حلم عكس انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005 وإعادة التوطين.
الواقع، أنه إذا أصرت إدارة ترامب على أن يلتزم نتنياهو بوقف إطلاق النار، فسيبقى بن غفير خارج مستقيلاً وسينضم إليه سموتريتش. وفي الوقت عينه، تكافح حكومة نتنياهو لوضع تشريع بشأن تجنيد الحريديم للخدمة العسكرية. يطالب شركاء الائتلاف الأرثوذكس المتشددون بقانون من شأنه إعفاء أتباعهم رسمياً، لكن الإعفاء الفعلي الذي يتمتعون به منذ فترة طويلة يعارضه الغالبية العظمى من الجمهور، بما في ذلك العديد من المؤيدين الأساسيين للحكومة.
يعاني نتنياهو من هذه القضية منذ شهور، لكنه اليوم يملك أغلبية ضئيلة من 62 مقعداً والوقت ينفد: تهدد الأحزاب الحريدية بعدم دعم ميزانية 2025، وإذا فشلت الحكومة في الحصول على موافقة الكنيست على الميزانية بحلول نهاية آذار/مارس، سيكون أمام مأزق أيضاً.
يحفل تاريخ نتنياهو السياسي بقدرته على المناورة ما مكنه من البقاء لفترة طويلة كرئيس للوزراء. لكن هذه المرة محاصر بإحكام من جهة ونالد ترامب وأخرى اليمين المتطرف والحريديم. نتيجة لذلك، سيكون شهر آذار/ مارس شهراً محط الأنظار طيلة الفترة المقبلة.
الكاتب: غرفة التحرير