الجمعة 03 كانون الثاني , 2025 03:06

الأبعاد الاقتصادية لاتفاقيات التطبيع (أبراهام)

دراسة: الأبعاد الاقتصادية لاتفاقيات التطبيع (أبراهام)

تعتبر سلسلة اتفاقيات "أبراهام" لتطبيع العلاقات بين "إسرائيل" وعدد من الدول العربية وهي الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، التي وُقعت في النصف الأخير من عام 2020، أول تطبيع عربي إسرائيلي علني بالقرن الـ21، واليوم تقف الاتفاقية على أرضية رخوة، حيث دفعت الحرب على غزة ولبنان إلى تهميش موضوع اتفاقيات التطبيع.

في هذا الإطار، نشر المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق دراسة بعنوان "الأبعاد الاقتصادية لاتفاقيات التطبيع (أبراهام)" يمكنكم تحميلها أسفل الملخص التنفيذي أدناه.

الملخص التنفيذي:

ينطوي هذا العمل على جهد بحثي استمر لفترة غير قصيرة، وتركزّ على رصد ومتابعة تطوّر المواقف والمبادرات، منذ عملية طوفان الأقصى وحتّى الهجمة الأميركية – الغربية والعدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، في محاولة لمعرفة خلفية هذه الهجمة والعدوان غير المسبوق في همجيته وعنفه اللامحدودين فحسب، وإنما أيضاً لمعرفة ذلك التماهي المستهجن للغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والسكوت المريب لغالبية الدول في الإقليم وعلى امتداد العالم، إزاء أعمال القتل الوحشية والتدمير الممنهج الذي ترتكبه آلة الحرب الصهيونية، والذي تجاوز كل الأعراف والمبادئ الإنسانية والقوانين الدولية.

ولعل من الدوافع الرئيسية للقيام بهذا العمل المواقف المعلنة والصريحة للمسؤولين الإسرائيليين والأميركيين وعشية العدوان وإبّانه، وخصوصاً مواقف رئيس وزراء العدو نتنياهو بشأن خارطة المنطقة ومستقبلها، خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالتزامن مع اغتيال أمين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصرالله. يضاف إلى ذلك سيل الكتابات والمواقف التي اجتاحت ولا تزال مواقع التواصل ومختلف الوسائل الإعلامية العربية والأجنبية، حول قرب "ولادة شرق أوسط جديد يسوده الاستقرار، مستندين في ذلك إلى اعتقادهم بحتمية انتصار الكيان الصهيوني في هذه الحرب.

وقد أظهر لنا هذا البحث وجود قناعة تامة لدى النخب السياسية والاقتصادية والعسكرية في المعسكر المناهض للقوى المقاومة للاحتلال والممانعة للهيمنة الأميركية في المنطقة العربية بأن العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان قد أوجد الفرصة وهيّأ الظروف المؤاتية لإعادة الزخم إلى عملية التطبيع، التي كانت جارية في المنطقة بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية. مع الإشارة إلى أن جهود التطبيع كانت قد أطلقتها إدارة الرئيس ترامب، المرشح الحالي في الانتخابات الأميركية، ضمن مبادرات واسعة تحت عنوان "اتفاقيات أبراهام".

لذلك وجدنا من الأهمية بمكان تسليط الضوء على الشق الاقتصادي من "اتفاقيات أبراهام"، بمعزل عن أبعادها الأمنية والسياسية والعسكرية الأخرى. إذ توصّلنا من خلال دراسة الديناميات الاقتصادية والجيوستراتيجية لهذه الاتفاقيات إلى فهم خلفية تقبّل الكيان الصهيوني للخسائر المادية والبشرية بسبب عدوانه المستمر، فضلًا عن فهم دوافع الدعم الغربي الأميركي اللامحدود وتواطؤ الكثير من الدول أيضاً.

فقد تبيّن لنا أن تأثير "اتفاقيات أبراهام" يتجاوز مسائل التجارة الإقليمية والأمن والتعاون اللوجستي والتكنولوجي والبيئي والعلاقات الدبلوماسية بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية المطبّعة، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان، بغرض دمج هذا الكيان في الإطار الاقتصادي الإقليمي، ليضع هذا الاتفاقيات في سياق التحالفات الإقليمية والمصالح الاستراتيجية الأوسع والأبعد مدى للولايات المتحدة، وخاصة دورها في تعزيز النفوذ الأميركي في مواجهة القوى الإقليمية مثل إيران والحد من النفوذ المتزايد للصين وروسيا في الشرق الأوسط، وصولاً إلى إنشاء ممرات تجارية تربط آسيا بأوروبا عبر الشرق الأوسط، وتحديداً عبر موانئ بومباي والفجيرة ودبي وحيفا. وذلك بما يجعل من الهند ودولة الإمارات والكيان الصهيوني محاور مركزية لهذه العملية برّمته والتي يفترض أن تجري عبر الممر الاقتصادي الهندي-الشرق أوسطي الأوروبي كمشروع يشّترك فيه دول متعددة هي: الهند والكيان الصهيوني ودولة الإمارات والمملكة العربية السعودية والأردن واليونان من أجل تسهيل التجارة من آسيا إلى أوروبا متجاوزاً الطرق التقليدية.

كما توصّلنا من خلال دراسة سردية إقامة "شرق أوسط جديد" مزدهر ومستقر، بما فيها أبعاد "التعاون والسلام الاقتصادي" إلى أن الرابح الوحيد في هذه الصفقة هو الكيان الصهيوني، الذي سيضمن الاعتراف بشرعية اغتصابه للأراضي العربية والاندماج التام في اقتصاديات المنطقة والإقليم كقوة مسيطرة تكنولوجياً وأمنياً واقتصادياً، مقابل تقديمه "السلام" المزعوم للدول العربية المطبّعة.

ومن العناصر الأساسية لعملية التطبيع، والتي يراد بها استكمال الصورة النهائية "للشرق الأوسط الجديد" الموهوم، تأتي كنتيجة طبيعية "لاتفاقيات أبراهام" على مستوى الدول، اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات العربية المتحدة والكيان الصهيوني. فهذه الاتفاقية تنص على إلغاء التعريفات الجمركية على 96 ٪ من السلع، وتسّهل الاستثمارات عبر الحدود ونقل التكنولوجيا. حيث يفهم من هذه المبادرات الاقتصادية أنها لا تعمل على تعزيز وصول الكيان الصهيوني إلى الاندماج والتطبيع الاقتصادي فحسب، بل تهدف أيضاً إلى تكريس التحاق اقتصادات الدول العربية بالمصالح الأميركية والإسرائيلية.

وقد تعمّدنا التركيز بشكل أكبر على موضوع العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية - الإماراتية، بالنظر إلى الموقع والأهمية الاقتصادية لدولة الإمارات، بوصفها دولة غنية وكبيرة نسبياً، لها دور استثنائي ومتميّز في خطوط الإمداد والتجارة والخدمات الدولية وأسواق المال الإقليمية والدولية، مما يلبّي طموحات المشروع الأميركي لدمج الكيان الصهيوني في المنطقة العربية والإقليم عموماً. وذلك من خلال: أولًا، استخدام دولة الإمارات كحصان طروادة للالتفاف على جهود مقاطعة منتجات الكيان الصهيوني، واختراق أسواق الدول العربية والإسلامية المنخرطة في هذه الجهود في آسيا وإفريقيا، وثانياً، تحويل دولة الإمارات إلى ما يشبه الباب الدوار لإعادة تصدير البضائع الإسرائيلية إلى طرف ثالث بعد طمس منشأ هذه البضائع أو تحريفه.

وحتى في الجانب السياسي- العسكري، وجدنا أن الاتفاقيات المذكورة قد حوّلت هذا الجانب إلى شراكات اقتصادية-عسكرية قوية وتعاون أمني لا حدود له. فقد شهد الكيان الصهيوني، الذي أصبح الآن مورداً رائداً للأسلحة لعدة دول خليجية، زيادة في صادراته العسكرية، وخاصة إلى الإمارات العربية المتحدة والبحرين. مما عزز الميزان التجاري لهذا الكيان، ومع أن الهدف المعلن من إضفاء الطابع الرسمي على التحالفات العسكرية بين الجانبين، هو تعزيز شبكة أمنية إقليمية ضد إيران، تبيّن من البيانات أنها لم تؤدّ إلّا إلى سباق تسلح إقليمي يزيد التوتر ويزعزع الاستقرار في المنطقة العربية.

ولعل الخلاصة الأبرز التي قادنا إليها تحليل البيانات هي أن حظوظ نجاح المحور الأميركي - الإسرائيلي في إعادة تزخيم عملية التطبيع، وبالتالي توسيع نطاق "اتفاقيات أبراهام " وملحقاتها، تبدو متواضعة جدًا ولا يعوّل عليها، لأسباب متعددة أبرزها ما يلي:

- أن الرأي العام في الدول العربية المشاركة في اتفاقيات "إبراهام" كان متشككاً بشكل عام، إن لم يكن معارضاً. حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية المواطنين في البحرين والإمارات العربية المتحدة وحتى المملكة العربية السعودية يعارضون التطبيع مع "إسرائيل"، مما يعكس مركزية القضية الفلسطينية المستمرة لدى الجمهور العربي. وحتى في دول مثل الأردن ومصر، حيث استمرت معاهدات السلام مع "إسرائيل" لعقود من الزمن، لا تزال المعارضة العامة للتطبيع قوية، مما يقوّض الأهداف الاقتصادية والأمنية للاتفاقيات. ويشكّل هذا التباين بين سياسات الحكومة والمشاعر العامة تحديات لاستمرارية هذه الاتفاقيات واستقرارها، خصوصاً أن هذه التحديات من المتوقع أن تتعاظم في ضوء الفظائع التي ارتكبها ولا يزال العدو الصهيوني في غزة ولبنان، مستخدماً السلاح الأميركي الفتّاك.

- من غير المستبعد أن تؤدي التطورات الجارية ليس فقط في جنوب شرق آسيا وأوروبا الشرقية، بل داخل الولايات المتحدة الأميركية نفسها أيضاً، إلى تحوّل في الاستراتيجية الأميركية، يضطرها إلى تحويل تركيزها بعيداً عن المنطقة العربية.

- وجود العديد من الدول المتضررة من المشاريع الملحقة، ومنها الممر الهندي- العربي-الأوروبي، التي من غير المستبعد أن تبذل جهده للحؤول دون تنفيذه، حفاظاً على مصالحها. ومن هذه الدول: الصين، باكستان، مصر، إيران، العراق، لبنان، السعودية، سوريا.

- عدم وجود مؤشرات واقعية على قدرة الولايات المتحدة والغرب عموماً على توظيف النجاحات التكتيكية التي حققها العدوان الإسرائيلي في عدوانه على غزة ولبنان، في تغيير الواقع الجيوسياسي في المنطقة العربية، خصوصاً مع استمرار وجود حركات مقاومة فاعلة.

لتحميل الدراسة من هنا


المصدر: المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق




روزنامة المحور