الأربعاء 17 كانون الثاني , 2024 06:03

أميركا وإسرائيل: الحل السياسي أو الحسم العسكري

الخلاف الإسرائيلي الأميركي

بعد مرور أكثر من 100 يوم على معركة طوفان الأقصى، لا يزال السؤال المطروح "ماذا بعد طوفان الأقصى؟" بلا إجابة واضحة وحاسمة، نتيجة خلط الأوراق من جديد مع كل عمل عسكري في غزة وفي منطقة غرب آسيا، لكن على الرغم من ذلك بدأت تتكشّف بعض اتجاهات الرؤى السياسية، وإن كانت غير متماسكة بسبب انعكاسات الميدان اليومية وتأثيرها على أي تسوية سياسية، فضلاً عن أن موعد انتهاء الحرب غير واضح أصلاً، في ظل اختلاف حسابات أطراف اللعبة والخلافات الحادة داخل المعسكر الأميركي-الإسرائيلي.

كيف يظهر الاختلاف الإسرائيلي-الأميركي حول اليوم التالي للحرب؟

تتمحور الرؤية الأميركي لما بعد طوفان الأقصى بالسعي لتحويل إنجازات عسكرية إسرائيلية ميدانية تنتج صورة نصر، إلى سياسة استراتيجية تتضمن إخضاع حماس إلى تسوية سياسية، أي منجز عسكري يتم تكميله بمسار سياسي، في هذا الإطار، يثار الحديث عن مسألة حل الدولتين كحل سياسي للصراع القائم. يعلم بايدن والدولة العميقة الأميركية حدود الإنجاز العسكري الإسرائيلي، فالأميركي يسعى إلى وضع الحلول السياسية على الطاولة معتقداً بالاستناد إلى تجاربه العسكرية، أن هكذا حروب تُحسم بالسياسة وليس بالقوة العسكرية. هذه الرسالة الواضحة التي يوجهها بشكل مستمر لحليفه الإسرائيلي الذي يقود عملية عسكرية من دون أهداف سياسية واضحة، بل يصرّ على إغلاق المنافذ السياسية، من خلال تمسكه بأهداف معلنة وشبه معلنة غير واقعية، كالقضاء على حماس بالكامل، وتهجير أهل غزة واحتلالها، وإنهاء القضية الفلسطينية، والسيطرة الأمنية الإسرائيلية على قطاع غزة لمدة سنوات. هذه المقاربة يتبنّاها نتنياهو وفريقه السياسي اليميني المتطرّف.

مناورة نتنياهو

على المقلب الآخر، بدأ يظهر تيار إسرائيلي يحمل مقاربة أخرى، استطاع الأميركي بنفوذه دفعها في وجه نتنياهو من خلال خلق بيئة إسرائيلية (صحفيين، عسكريين وأمنيين سابقين...) تتبنّى المقاربة الأميركية، وتدعمها المعطيات الميدانية غير واضحة الأفق. من الجدير بالذكر أن طرح نتنياهو يحتمل فرضية المناورة على الأميركيين من خلال التشبث بسقف عالٍ والذهاب بعدها إلى تسوية ناجحة معهم، من أجل بقائه في رئاسة الحكومة، تدعم هذه الفرضية تبنّي الخيار العسكري طويل الأجل، الذي ينتج إغلاق ملف المحاسبة وازدياد فرص بقائه في رئاسة الحكومة.

ضبط الإيقاع

يسعى الأميركي إلى ضبط إيقاع توسّع الحرب في المنطقة أو بالحد الأدنى عدم أخذ الإسرائيلي المنطقة إلى فوضى إقليمية، وما أسلوب الردع ب"العقاب" الذي استخدمه الأميركي مع اليمن سوى استراتيجية تحاول من خلالها إعادة التوازن في المنطقة بعد اختلاله لصالح محور المقاومة. وتسيطر على الولايات المتحدة الأميركية، التحديات العالمية المتمثّلة بالحرب الروسية الأوكرانية، وصراعه مع الصين وأيضاً انقساماته الداخلية وتحديداً داخل الحزب الديمقراطي الذي يعاني من تشرذم في أصواته الانتخابية، ما يعني تحسّن فرص ترامب في الوصول إلى سدة الحكم. على الرغم من تأثير اللوبي الإسرائيلي في مجريات السباق الانتخابي إلا أن هذا التأثير محدود تحت العباءة الأميركية، يرى الأميركي كيان الاحتلال باعتباره كياناً وظيفياً يجب أن يتكيّف مع الحاجات والرؤى الأميركية وليس العكس، وأقصى ما سيتنازل عنه هو تسوية سياسية بصياغة أميركية مع أخذ بعض المطالب الإسرائيلية بعين الاعتبار.

نستطيع القول انطلاقاً من ذلك أن المناخات السياسية لما بعد "طوفان الأقصى" أنتجت خلافات أميركية-إسرائيلية، وإسرائيلية-إسرائيلية لم تكتمل معالم انعكاساتها على التسوية السياسية النهائية، التي ستقوم على توزّيع نقاط الربح والخسارة، في ظل تقدم محور المقاومة في غزة والإقليم، وتراجع الهيمنة الأميركية المرشّحة لمزيد من الأزمات في الملفات الإقليمية والدولية الأخرى.


الكاتب: حسين شكرون




روزنامة المحور