الثلاثاء 02 تموز , 2024 10:54

العلاقة ما بين سوريا والصين، وتصاعد آمال يحملها المنتدى العربي الصيني لسوريا والسوريين

حمل المنتدى العربي الصيني الذي أقيم في نهاية شهر أيار آمال كبيرة بالنسبة للسوريين، وعبرت الصحافة السورية خلال الشهر الماضي عن الكثير من هذه الآمال، والتي يرى بأنها ستحمل انفراجات في الأزمة الإقتصادية الكبيرة التي تفاقمت بعد عملية التحرير الكبرى التي شهدتها سوريا بعد العام 2018، وفرض قانون قيصر في العام 2019، والذي دعم بإقرار مجلس النواب الأميركي في 16 أيار/ مايو من العام نفسه "قانون مناهضة التطبيع مع الأسد". هذا الضغط الذي ترخز سوريا تحت وطئته الإقتصادية يرى المستثمررون أن آمال الخروج يبدأ مع بدء الإستثمارات الصينية، ولذلك اكتسب المؤتمر العربي- الصيني حيزاً هاماً في الصحافة السورية، مع ان العلاقات الصينية – السورية قديمة العهد وابتدأت مع انعقاد المؤتمر الأول للمنتدى في العام 2004.

في متابعة بسيطة للأحداث بعد زيارة الرئيس السوري بشار الأسد للصين في أيلول/ سبنتمبر 2023، واستقباله بحفوة تحدث عنها العالم، وبعد الإنفتاح العربي على سوريا والذي لم يحمل للسوريين ما كانوا يأملون، بات الشرق وأقصى الشرق الباب الأهم لنهوض الحركة الإقتصادية السورية. بصراحة حتى اليوم يسمع بمشاريع، ولكن يبدو أن هذه المشاريع تصطدم كل يوم بالعمليات الإرهابية التي تحدث في الشمال والشمال الشرقي من سوريا التي تخضع للإحتلالين التركي والأميركي. هذا الكلام قد يبدو وكأنه متفرقات إلا أنه يعبر عن واقع الحال في سوريا. اللطيف أن هناك مشاريع صغيرة ابتدأ بها أناس كثيرون، ولكنها فردية. وما كنا نراه من ازدهار في سوريا ما قبل العام 2011، حيث وصل متوسط راتب الموظف في الدولة إلى ما يعادل $600 بينما هو اليوم يعادل 10-15 دولاراً فقط.

لا أمل إلا في الشرق! ولهذا نستشعر الحفاوة التي عبرت عنها الصحافة السورية الرسمية حول مؤتمر المنتدى العربي- الصيني، الذي أقيم في الأيام الأخيرة من الشهر الماضي عبر ما كتبته. فعدد المقالات التي تحدثت عن مؤتمر دام ليوم واحد كبيرة جداً، رأى فيه السوريون باباً للأمل، فاجتماع العرب على المستوى الوزاري، ما عدا رؤساء أربع دول كانت متواجدة عند افتتاح المؤتمر وهي الإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين وتونس، والتقاء المسؤولين من جميع الدول العربية مع بعضهم البعض فتح باب النقاش حول امكانية تطور العلاقات الإقتصادية. كما تصادف توقيت المؤتمر مع زيارة قام بها وزير الطاقة في والمياه في لبنان، وليد فياض، إلى سوريا واجتماعه مع وزير المياه السوري، حسين جميل مخلوف، من أجل بحث طرق استثمار مياه النهر الكبير الشمالي والذي يقع على الحدود الشمالية م بين سوريا ولبنان والذي تتسبب فيضانات مياهه بإتلاف الزراعات في سهل عكار في لبنان. وهنا تحضر التوصيات التي طلبها المؤتمر وهي السرعة في تنفيذ الإتفاقيات وخاصة وأن الصين قررت رفع مستوى وارداتها من المواد الغذائية التي تستوردها من البلدان العربية، فقد أكدت خلاصات المنتدى العربي- الصيني على حاجة الصين لإستيراد المواد الغذائية.

العلاقات ما بين سوريا والصين ليست بالحديثة، وقد وصلت اوجها في العام 2004، وقد ابتدأت هذه العلاقة منذ العام 1956. ولكن هذه العلاقة تجددت في عهد الرئيس السوري بشار الأسد. وابتدأت مع زيارة الرئيس الصيني، هو جيتاو، لسوريا في العام 2001. أعقب ذلك زيارة رسمية للرئيس الأسد وعقيلته برفقة وفد وزاري كبير في العام 2004. خلال هذا العام، وبحسب مقال نشرته سبوتنيك في العام 2018، في حديث مع عضو مجلس الشعب ونائبة رئيس جمعية الصداقة السورية- الصينية، أميرة ستيفانو، قالت فيه: " الصين تنظر إلى سوريا على أنها من المناطق الأكثر ضعفاً للنفوذ الغربي في منطقة الشرق الأوسط، حيث التقت عام 2002 أهداف السياسة الخارجية السورية". وبعد الزيارات متبادلة ما بين الوفود الصينية والسورية تم توقيع اتفاقيات للسنوات 2004- 2006. وبلغت قيمة التبادل التجاري ما بين الدولتين في الأعوام 2010، 2012 ما قيمته 3.5 مليار دولار.

في العام 2004، أطلق الرئيس الأسد نظرية البحار الخمسة، والتي تربط الدول العربية وما يسمى اليوم بغرب آسيا مع دول بحر قزوين بأهم خطوط للتجارة العالمية ونقل الغاز مما سيحول سوريا إلى قاعدة لنقل الغاز ومنطقة تجارة حرة تصل الشرق بالغرب عبر ربط البحار الخمسة وهي: بحر قزوين والبحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي والبحر الأسود. بحسب ستيفانو: "هذا ما رأت فيه الصين إحياءً لطريق الحرير القديم لتشكيل أطول ممر اقتصادي رئيسي في العالم". وفي الحقيقة من هنا انطلقت فكرة "نطاق وطريق"، التي ابتدأها الرئيس الصيني الحالي تشي جين بينغ في العام 2014، والتي للأسف لم تلحظ سوريا حينها بسبب انعدام الأمن فيها بسبب الحرب الدائرة على أراضيها. ومن الجدير ذكره، أن "نظرية البحار الخمسة" جاءت في وقت تحتل فيه الولايات المتحدة العراق وتحاول فيها فرض سيطرتها على كامل خطوط النفط والغاز والتجارة العالمية وجعل دولة الكيان المركز الأساس لتوزيع أنابيب الغاز حول العالم، ولذلك فإن ما كان يحاول الرئيس الأسد تنفيذه عبر طرحه، يعد من أهم أسباب محاولات الإنقلاب على النظام في سوريا عبر ما يسمى بالربيع العربي، لأنه لو تم تنفيذ المشروع السوري، فإن ذلك سيتسبب بعزل دولة الكيان الصهيوني اقتصادياً بشكل كامل في المنطقة العربية وفي غرب آسيا.

ابتدأت سوريا بإستيراد الأسلحة من الصين خلال فترة الركود التي شهدتها روسيا بعد تفكك الإتحاد السوفياتي، وبدأت بالبحث عن أفضل مصدر لإعادة بناء ترسانتها الحربية، هذا الحقيقة أكدها مصدر هام للخنادق، كان ضمن اللجنة التي ساهمت في عملية شراء نفذت في العام 2014 عندما كانت سوريا في أحوج وقت لإعادة تسليح الجيش خلال حربها على الإرهاب.

ولكن خلال السنوات التي تلت العام 2014، تراجع مستوى التبا التجاري ما بين الصين وسوريا ليصبح حوالي 350 مليون دولار فقط. ولكن هذا التبادل ابتدأ بالتحسن خلال السنوات التي تلت العام 2020، ولكن بنسبة استيراد أكبر بكثيير من نسبة التصدير مما يضع عبئاً حقيقياً على الدولة والمواطن السوري. وبحسب موسوعة المصدر السوري، فإن قيمة التبادل التجاري ما بين الجمهورية العربية السورية وجمهورية الصين الشعبية، على سبيل المثال، في العام 2020 حيث استوردت سوريا ما قيمته 671 مليون دولار استيراد في حين صدرت ما قيمته 700 ألف دولار فقط. واستمرت نسبة هذا التبادل حتى العام 2022، حيث بلغت قيمة ما استورد 1.117 مليار دولار في حين صدرت الدولة السورية ما قيمته 1.6 مليون دولار فقط. بالتأكيد فرق شاسع، ويعكس تراجعاً كبيراً في قيمة التبادل التجاري السوري. وقد تراجعت قيمة التبادل في العام 2023، بحسب ما كشفه رئيس الجالية السورية في الصين، فيصل العطري، حيث بلغ حجم التبادل التجاري مبلغاً قدره 358 مليون دولار، منها مليونان دولار قيمة الصادرات السورية.

صحيح أن حجم التبادل بلغ أقل قيمة له في العام 2023، إلا أنه يعكس أمرين أحدهما سيء وآخر جيد بالنسبة لسوريا. الأمر السيء، يدل على ضعف القدرة الشرائية على مستوى الدولة والمواطن في الظاهر، ولكنه، وهذا ما يتعلق بالأمر الجيد، يدل على أن سوريا تستعيد جزء هام من قدرتها على إعادة تصنيع وانتاج ما تحتاجه. كما أن الأمر له علاقة بقرار صادر عن رئاسة الجمهورية، بإعطاء الأهمية الأساسية لما يحتاجه المواطن السوري وبالتالي لا يسمح إلا بتصدير ما يزيد عن حاجة سوريا. وعلى سبيل المثال وبعد انخفاض نسبة الصادرات الغذائية السورية إلى لبنان، فقد تسبب بارتفاع كبير في أسعار المنتجات الزراعية بشكل ملحوظ، مع أننا نشهد تحسن ملحوظ في قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار.


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 




روزنامة المحور