الجمعة 04 تشرين أول , 2024 03:34

ضبط النفس المزعوم.. السياق الدبلوماسي الأمريكي لاغتيال السيد الشهيد

في 23 أيلول 2024، أشار مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون إلى بدء مناقشات حول مبادرة جديدة، بعد اتصال هاتفي بين مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر. الهدف من المبادرة وفق مصدر مطلع بشكل مباشر على الخطط الأمريكية لموقع أكسيوس الأمريكي هو "تحقيق وقف للقتال بما يفسح المجال أمام المفاوضات بشأن اتفاق دبلوماسي أوسع لمنع اتساع الحرب والسماح للمدنيين النازحين بالعودة إلى منازلهم على جانبي الحدود، وتوفير زخم متجدد لمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة واتفاق الرهائن". والنقطة الفارقة البارزة في المبادرة الجديدة أكدتها رويترز عن مصادر وهي أنه وللمرة الأولى يتم ربط جبهتي غزة ولبنان في إطار حملة دبلوماسية أمريكية.

 وبينما أكد مسؤول أمريكي أن الولايات المتحدة "تعمل مع عدة دول على اقتراح لحل دبلوماسي للشمال"، قال مسؤول إسرائيلي إن "نتنياهو أعطى الضوء الأخضر لمناقشة هذه المبادرة". وعلى مدى اليومين اللاحقين، 24 و25 أيلول 2024، نوقشت المبادرة الجديدة من قبل الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل ولبنان وعدة دول عربية وغربية، وفق ما كشفه مسؤول أمريكي ودبلوماسي أوروبي. في اليوم التالي، الموافق 26 أيلول 2024، صدر بيان مشترك عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الغربية والعربية، ومما جاء فيه:

- وقف فوري لإطلاق النار مدته 21 يوما بين حزب الله وإسرائيل.

- تسوية تمكن المدنيين على جانبي الحدود من العودة لديارهم.

- دعم دبلوماسي للتوصل لاتفاق ينهي الأزمة بين لبنان وإسرائيل.

- تسوية دبلوماسية تتفق مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، وتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2735 بشأن وقف إطلاق النار في غزة.

  يومها، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤولين أمريكيين تفاؤلهم "بتوقيع إسرائيل ولبنان على اتفاق لوقف إطلاق النار لمدة 21 يومًا"، وتوقعها بأنه "إذا وافقت الحكومة اللبنانية على الاتفاق ستتمكن من إقناع حزب الله". حالة التفاؤل والارتياح لدى "المسؤولين الأمريكيين بشأن إمكانية التوصل لاتفاق بين إسرائيل وحزب الله" نقلها أيضًا موقع "بوليتيكو". أما موقع "سكاي نيوز"، فقد رفع مستوى احتمال النجاح عندما نقل عن مسؤولين أمريكيين قولهم: "من المتوقع تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت في الساعات المقبلة". وبعدما كان هناك ضوء أخضر إسرائيلي لمناقشة المبادرة، قبل يومين وهو ما حصل فعلًا، رفض مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار مع حزب الله، بعد ساعات من إصدار الرئيس بايدن والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون البيان المشترك، أي قبل يوم من اغتيال سماحة الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله.

 كثّف الأمريكي رسائل التطمين السياسية يوم إعلان البيان، وتتالت التصريحات حول إنجاح المبادرة على كل من موقع أكسيوس وشبكة CNN. نقل الموقع عن مسؤولين أمريكيين ومسؤول إسرائيلي ومصدرين مطلعين بشكل مباشر إن "إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تعمل حاليًّا على مبادرة دبلوماسية جديدة من أجل وقف القتال في لبنان واستئناف المفاوضات بشأن صفقة لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن". كما نقلت شبكة "سي إن إن" عن مسؤول بإدارة بايدن، أن "مقترح وقف إطلاق النار في لبنان جهد شامل لمنع توسع الصراع إلى حرب إقليمية". هدفت هذه العملية نهار الخميس قبل يوم من اغتيال سماحة السيد من محاولات التطمين عبر المماطلة والتضليل التمهيد للاغتيال، سيّما أنّ ثلاثة من الضباط الإسرائيليين كشفوا لمجلة نيويورك تايمز في 28 أيلول، أي بعد يوم من عملية الاغتيال أن التخطيط لها نضج نهار الأربعاء، وكان يعتقد أنه لم يكن هناك سوى فرصة قصيرة قبل اختفاء السيد في مكان آخر. 

حاول الأمريكي التضليل عبر إحياء نقاش الحل في الأروقة الدولية، وهو نقاش كان موجودًا لكن قضية الربط بين جبهة غزة وجبهة لبنان التي طرحت لأول مرة، أعطت زخمًا نوعًا ما. من جهته، حزب الله كان حذرًا بعدما تعرّض لعملية استهداف الكوادر عبر اختراق "البايجر" وسلسلة من اغتيال القادة. أما الإسرائيلي فقد لجأ إلى المراوغة في سياق تأمين الوقت اللازم حتى إتمام عملية الاغتيال باعتبار أن إنجاز على هذا المستوى بعد ضرب قياديي الحزب العسكريين يمكن أن تحقق الانهيار وفعالية الضغط باتجاه القبول بالحل الدبلوماسي الأمريكي الإسرائيلي. التناقض في الخطاب الإسرائيلي كان واضحًا يوم الاغتيال، فنقل موقع "أكسيوس" عن مسؤول أمريكي، قوله إن "بيان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الأخير لم يرفض المبادرة التي تقودها الولايات المتحدة، بينما أوضح رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، في حديث لصحيفة "لوريان لو جور"، أن "نتنياهو يكذب على الجميع وتراجع عن موافقته على المبادرة"، بحيث أنه أعاد الفصل بين جبهتي غزة ولبنان، ما دفع بالرئيس بري للتشديد على موضوع السلة الواحدة والوقف المزدوج للجبهتين معًا، بقوله: "إننا نتمسك بإحياء مطلب وقف إطلاق النار في غزة كما في لبنان"، مؤكدًا انه "لا يمكننا التخلي عن غزة".

بعد إعلان حزب الله استشهاد سماحة السيد نصر الله وعدم التنازل عن غزة وعن الحقوق اللبنانية ظهر المخطط الأمريكي الإسرائيلي بالذهاب إلى الحرب على حزب الله وقرار القضاء عليه عسكريًّا ومؤسساتيًّا. إذ أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني في 30 أيلول 2024 أن الدولة اللبنانية مستعدة لتطبيق القرار 1701 عبر إرسال قوات الجيش اللبناني إلى جنوب نهر الليطاني وانتخاب رئيس توافقي فور وقف إطلاق النار. هذا العرض قابله وزير خارجية الكيان، يسرائيل كاتس وفقًا لهيئة البث الإسرائيلية برفض الحلول الدبلوماسية وأن هناك "إجماع على المستويين السياسي والعسكري بأن الغزو البري للبنان مسألة وقت"، وفق ما أفاد به موقع واللا نقلًا عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين، وأن "الطريقة الوحيدة للوصول إلى اتفاق هي نقل حزب الله إلى شمال الليطاني ونزع سلاحه". وأعيد استخدام نفس الآلية الأمريكية والإسرائيلية في الكذب وتزييف الحقائق، وفي حين كان الأمريكي يبعث مجددًا رسائل جهوده في "تنفيذ هدنة لـ 21 يومًا تكفي لإيجاد تسوية بين إسرائيل ولبنان".. وتبادل مسودات مع الفرنسي بشأن بيان محتمل لوقف إطلاق النار"، كان الاحتلال الإسرائيلي يسعى باتجاه المزيد من إحداث الضغط على الجبهة العسكرية لحزب الله وتغيير المعادلة عبر البدء بحملة "جس نبض" للجهوزية العسكرية الميدانية البرية للمقاومة في الجنوب اللبناني.

حتى 1 أيلول 2024، تجدّد بحث المقترح الجديد بين سوليفان وديرمر، وتحدث بلينكن عدة مرات لكن في كل مرة كان يعبّر عن الالتزام بحماية الكيان، بينما نقل موقع بوليتيكو عن مسؤول أمريكي، قوله إن "مفاوضات وقف إطلاق النار في لبنان توقفت.. وإن واشنطن قد ترغب في حل دبلوماسي لكنها تدعم هدف إسرائيل في حربها على حزب الله". هكذا، تحول الموقف التفاوضي تبعًا لمسار الاغتيال، وصار الهدف واضحًا وهو "حرب إسرائيلية على حزب الله". الهدف الذي أكده مكتب نتنياهو بقوله: "التقرير حول التوجيه المزعوم لتخفيف القتال في الشمال هو عكس الحقيقة.. وقد أمر رئيس الوزراء جيش الدفاع الإسرائيلي بمواصلة القتال بكل قوته".

وعليه، لا أفق لحل دبلوماسي وإنما مراوغة وكذب ومحاولات تضليل، فالهدف الأمريكي الإسرائيلي هو الاستفادة مما يرونه فرصة ناجمة عن استهداف الكوادر العسكرية لحزب الله واغتيال سماحة الأمين العام، فرصة لا يمكن أن تتكرر مرة أخرى. السيناريو الإسرائيلي الأمريكي اتّسع على مصراعيه، والأمور خرجت عن السيطرة التي كان الأخير يدّعي المحافظة عليها، وسلّم التصعيد الدولي تجاوز مراحل عدة بسرعة كبيرة مع اغتيال سماحة السيد.

لن يتوانى الأمريكي عن المناداة بـ"ضبط النفس المزعوم" كما فعل طوال ما يقارب العام من الحرب على غزة، بينما يستغل الإسرائيلي الغطاء في تقويض التهديدات، ليس فقط على محور المقاومة في الجنوب اللبناني، وإنما في أي جبهة رخوة، بل وأي جبهة قوية يمكن أن يسدد لها ضربة من خارج الصندوق يتوقع أن تحدث اختلالًا، تنضم نتائجه إلى تداعيات ما جرى على حزب الله.





روزنامة المحور