الجمعة 27 أيلول , 2024 03:31

الكمين الكبير.. الاجتياح البري سيمكّن المقاومة من السيطرة على مسرح العمليات

عناصر المقاومة في مواجهة الآلة العسكرية الإسرائيلية

تُحافظ المقاومة على زمام المبادرة وتُحكم سيطرتها على سير المعركة، مع بداية اليوم الخامس من الحرب الجوية الإسرائيلية على لبنان، مستفيدةً من قدراتها الصاروخية والتفاف الشعب حولها بمعنويات عالية وتأييد شعبي وثقة في القيادة وقدراتها. في المقابل، يُعاني الاحتلال من أزمة ثقة وتردد في اتخاذ القرارات، مع تزايد الخسائر وتآكل صورته الردعية، بشكل غير مسبوق في تاريخه مع إمطار المقاومة للمستوطنات الشمالية من الأراضي المحتلة بالصواريخ الثقيلة بشكل متواصل، في ظل جبهة داخلية غير متماسكة وتأثرها السريع بالخسائر المادية والمعنوية، وضغط دولي متصاعد.

بدأت بوادر فشل أهداف عملية "سهام الشمال" مع التصعيد الذي بلغ تل أبيب والأداء القوي والمرن للمقاومة خلال الجولات الصاروخية الذي أثبت تحكماً وتفوقاً كبيراً في الميدان. وفي هذا السياق، استخدمت المقاومة صاروخ قادر 1 الباليستي المتوسط لضرب تل أبيب وأظهرت للكيان أن قاعدة الاشتباك المثبتة منذ حرب تموز 2006 (بيروت مقابل تل أبيب) لا زالت مستمرة وسارية، وأن الصاروخ البالستي الوحيد الذي أرسل صباح الاربعاء إلى تل أبيب هو رسالة تحذير بأن ما سيليه سيكون من طراز هذا الصاروخ فما فوق. لخّص الكاتب في صحيفة إسرائيل، يوآف ليمور نتائج الحرب الدائرة بالقول "حزب الله لا يزال صاحب اليد العليا استراتيجياً، لأن الصورة الأساسية للشمال المهجور والمواطنين الذين تم إجلاؤهم لم تتغير".

وعلى الرغم من امتلاك جيش الاحتلال لسلاح جو متطور، إلا أن فاعليته تقلصت مع فشل استراتيجية القصف العشوائي واستنفاذ بنك الأهداف. فضلاً على أن الاعتماد على العنصر الجوي لا يحسم المعركة، ولابد من الاستعانة بالقوة البرية الإسرائيلية، التي لم تُستخدم حتى الآن، على شكل عمليات اجتياح للأراضي اللبنانية، وهناك تردد واضح في الدخول بمناورة برية، مع احتمال أن يلجأ الاحتلال إلى خوض تلك التجربة بعد يأسه من إمكانية الوصول إلى الأهداف المعلنة عن طريق الحملة الجوية.

في الواقع، يرغب حزب الله أن يرتكب جيش الاحتلال مضطراً "الكمين الكبير" بدخول الأراضي اللبنانية، وقد أشار السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير عن هذه الرغبة بالقول "نحن نتمنى أن يدخلوا إلى الأراضي اللبنانية". وذلك بسبب إدراك حزب الله التّام للميدان والتضاريس وطرق التعامل مع تكتيكات العدو، وسهولة إلحاق خسائر فادحة بالقوات العسكرية الإسرائيلية، كالقدرة على تنفيذ هجمات مُفاجئة وخاطفة، والتصدي لأي تقدم بري بدلاً من المواجهة خلف المتاريس البعيدة والمحصّنة، أي تحكّم أكبر بمسرح العمليات.

على مستوى الخطوط الحدودية فإن الاحتلال ونتيجة لضخامة ودقة الاستهدافات التي تعرض لها في شمال فلسطين المحتلة. عمل على استحداث تغييرات عاجلة في الترتيب والاستعداد والانتشار حيث أعاد توزيع قواته ودمج بعض استعداداتها وفق الاختصاص والمكان وبموجب هذه التغييرات بدأ ينفّذ خطة مستعجلة لإعادة تموضع وسائط دفاعه الجوية (كالقبة الحديدية وآرو وحيتس - منظومة الرادار والكشف الجوي المتعدد الطبقات - الموارد اللوجستية التي تضخ الحياة بنظام الدفاع الجوي القديم) وذلك لحماية أصوله الاستراتيجية (المخازن الاستراتيجية - المطارات ذات الوظيفة اللوجستية - مقرات القيادة والسيطرة) التي تتعرض يومياً لحملات قصف مركز.

وعلى مستوى توزيع القوى فقد أعاد الاحتلال تشكيل وتوسيع فرقه الاربعة والفرقة الـ 98 الملحقة ويظهر نسق الانتشار الحالي أن العدو في حالة تشتت ففي حين تتخذ ثلاث فرق (91- 210-146)  شكل التأمين تتخذ الفرقة 36 المدرعة شكل الدفاع ( مع توزع كبير لقواتها اللواء 188 المدرع في الجولان واللواء السابع المدرع ينتشر في حالة اكتظاظ مع لواء غولاني في منطقة الوسط)  فيما يبدو أن الفرقة 98 في طور التعطيل لأن المطارات والاصول التي كان سيعتمدها العدو لنقلها مع بداية المناورة البرية أخرجت من الخدمة، ويتوجب على الفرقة 98 العمل إما من خلال ناقلاتها ضعيفة التدريع أو مشياً على الاقدام في حال قررت قيادة العدو البدء بمناورة برية في الأسابيع الثلاثة القادمة بسبب عدم وجود تسهيلات ووسائط نقل برية وجوية كافية لنقلها.  

ختاماً، تستطيع المقاومة الصمود والتكييف إن طال أمد الحرب والاستمرار بقصف الأهداف العسكرية والاستراتيجية داخل الأراضي المحتلة وإحداث أضرار كبيرة وتعطيل القدرات القتالية للعدو. بل توسيع نطاق العمليات واستهداف مناطق جديدة داخل الأراضي المحتلة وزيادة وتيرة القصف الصاروخي لرفع مستوى الضغط العسكري والنفسي. وتستمر المقاومة بتطبيق خطتها للمناورة النارية وفق الخطة المقررة والتوقيتات المحددة فيما خرجت مدينتي صفد وعكا تقريباً من حالة الحياة الطبيعية ومن المتوقع أن تخرج مدينة طبريا خلال الـ 48 ساعة القادمة من الوضع الطبيعي لتتفرغ المقاومة لمدينة حيفا الكبرى (حيفا ومحيطها) التي يبدو أن توقيت إخراجها قد بدأ.

من المُتوقع أن تشهد الساعات والأيام القادمة مزيداً من التصعيد في العمليات العسكرية من كلا الجانبين، بالتوازي مع تصاعد الجهود الدبلوماسية لوقف إطلاق النار، لكن من غير المُرجح أن تُثمر هذه الجهود عن نتائج ملموسة في المدى القريب. كما تُشير التطورات السريعة وعدم استقرار الموقف إلى إمكانية حدوث سيناريوهات غير مُتوقعة قد تُغير مسار الصراع بشكل كبير.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور