الإثنين 24 حزيران , 2024 11:41

الحرب الشاملة.. السيناريوهات المحتملة والسيناريو المرجح

الخيارات الإسرائيلية تجاه العدوان على لبنان

تزعم المحافل العسكرية القريبة من هيئة أركان جيش الاحتلال أن الأخيرة لديها العديد من المخططات، لكيفية التعامل مع التحدي المتصاعد في الجبهة الشمالية، دون الوقوف خلف فرضيتين لا ثالث لهما: إما الاستسلام لضربات حزب الله، أو خوض حرب لبنان الثالثة الشاملة، الأمر الذي يفسح المجال للحديث عن السيناريوهات المتوقعة للمواجهة الدائرة شمالاً، وكيف يمكن لها أن تنتهي بحرب أو تسوية. سنفصّل في هذا المقال السيناريوهات المتوقّعة للحرب الشاملة، بالاستناد إلى دراسة بعنوان "الخيارات الإسرائيلية تجاه العدوان على لبنان" من إصدار مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات. (يمكنكم الاطلاع على الدراسة بشكل كامل أسفل المقال أدناه).

يمكن الحديث عن سلسلة من السيناريوهات المتوقعة لما قد تؤول إليه الأوضاع الأمنية المتصاعدة في الجبهة الشمالية على النحو التالي:

- خيار العملية العسكرية المحدودة، التي تتضمن توجيه ضربات جوية مركَّزة باتجاه أهداف للحزب في الجنوب اللبناني والضاحية، لا سيّما مواقع عسكرية وتخزين أسلحة، وربما استهداف كوادره الميدانية، كان آخرها اغتيال القائد العسكري الأبرز للحزب، طالب عبد الله، وهو الاغتيال الإسرائيلي الأقوى لقادة عسكريين في الحزب.

مثل هذا الخيار يبدو بنظر صانع القرار الإسرائيلي "مقدوراً عليه"، ويمكن تحمّل ردود الحزب عليه، لأنه سيعلم أن الاحتلال ليس بوارد توسيع دائرة النار لتشمل حرباً شاملة. في الوقت ذاته، يمكن للاحتلال تسويق مثل هذا الخيار لدى الأمريكيين غير الراغبين بزيادة جبهات القتال في المنطقة، وإن كانوا في الأسابيع الأخيرة ليسوا واثقين بالحكومة الإسرائيلية، ومن يقف على رأسها، بل متأكدين من كذبها، وليّ عنق الحقائق، وقدرتها على التلاعب بحلفائها الأساسيين، مما سيجعل واشنطن متروّية في إعطاء ضوء أخضر لمثل هذا الخيار الإسرائيلي.

- الحرب الشاملة، المعروفة في الاصطلاح العسكري الاسرائيلي "حرب لبنان الثالثة" أو "حرب الشمال الأولى"، في ظلّ استباحة الحزب للجبهة الشمالية، واستمراره في إشعال الحرائق في الحقول الزراعية، وتصاعد الاتهامات الموجهة للحكومة والجيش من المعارضة والرأي العام بالفشل والإخفاق أمام الحزب، مما يستدعي منهما الذهاب لهذا الخيار المكلف والخطير على الجانبين، وربما المنطقة بأسرها.

الحقيقة أن هناك العديد من الكوابح التي قد تَحوْل دون ذهاب الاحتلال إلى سيناريو "نيرون وإحراق روما": داخلية وخارجية، ذاتية وموضوعية، سياسية وأمنية وعسكرية واقتصادية، مما يجعله لا يحظى بكثير من الأفضلية والترجيح، لكثير من الاعتبارات والعوامل التي تشكل أمام الاحتلال عقبات كأداء تحول دون ذهابه إلى خيار يبدو انتحارياً بنظر الكثير من الإسرائيليين.

ومع ذلك، وعلى الرغم من عدم وجود فرص كبيرة لتحقق هذا الخيار "الانتحاري"، فلا يجب استبعاده كلياً في ظلّ وجود حكومة يمينية فاشية ترى أن مهمتها الأساسية هي إشعال النيران في كل الجبهات، بزعم استعادة الردع الإسرائيلي المتآكل، وإعادة تثبيت كيان الاحتلال كـ"شرطي المنطقة"، بعدما تراجع دورها في كل المجالات خلال السنوات الأخيرة.

- التسوية السياسية في المنطقة: في الوقت الذي تواصل فيه الجبهة الشمالية الاشتعال المتبادل بين الحزب والاحتلال، فما زال الوسطاء يجرون مشاوراتهما معهما، دون أن تخرج هذه المباحثات إلى وسائل الإعلام، لأن هناك العديد من القوى الإقليمية والدولية حريصة على عدم انفلات الأمور عن زمامها في الساحة اللبنانية، ولكل طرف حساباته ومصالحه.

من الصعب أن تجد هذه الوساطات طريقها إلى النجاح طالما أن العدوان على غزة متواصل، وهو ما فهمته كل الأطراف، لكن الاحتلال وداعميه حول العالم يسعون بالترغيب والترهيب مع الحزب لمحاولة إيجاد ثغرة ما في موقفه تضع حدّاً لتصعيده الذي استنزف الاحتلال على مدار شهور طويلة ماضية، ويتوقع لها أن تستمر في قادم الأيام طالما استمرت حرب غزة.

- توقف حرب غزة: هنا الكلمة "السحرية" الكفيلة بتوقف التصعيد الجاري على جبهة الشمال، على الرغم من تعثر هذا الخيار بسبب عدم رغبة الاحتلال في وقف عدوانه، لأسباب عديدة لا مجال لذكرها الآن، لكن في حال تحقق، فحينها ستهدأ كل الجبهات، بما فيها الشرقية مع العراق، والجنوبية مع اليمن، لكن ذلك قد يحمل في بذوره استعداداً إسرائيلياً لشنّ حرب على لبنان، بعد أن يكون قد ضمن هدوء جبهة غزة.

مع العلم أن مثل هذا السيناريو قائم، وقائم بقوة، لدى الاحتلال، ولا شكّ أن الحزب متيقّظ له، لكن فرضية تحققه ليست واردة على الأقل في المدى المنظور، لأن كيان الاحتلال، بمؤسساتها العسكرية والاقتصادية والمجتمعية، لا شكّ أنها ستكون بحاجة لالتقاط أنفاسها في حال وضعت الحرب في غزة أوزارها، وربما سيأتي يوم تندلع فيه مواجهة ما مع حزب الله، لكن ليس بالضرورة في المدى القريب القادم.

- تفعيل المعركة بين الحروب: والمقصود بها رفع وتيرة الاغتيالات في لبنان وسورية وإيران، واستهداف مراكز السيطرة والتحكم، ومواقع تخزين الأسلحة والصواريخ، وهي سياسة ما زالت قائمة، ويُتوقع أن تزداد في الفترة القادمة، وتحقق للاحتلال بعضاً من أهدافه في "جزّ العشب"، وفي الوقت ذاته لا تستدعي من الحزب إطلاق حرب شاملة على الاحتلال، وبالتالي الحفاظ على وتيرة مسيطر عليها من قبل الجانبين.

النتائج المتوقعة:

ليس بالضرورة أن تشهد الأيام القادمة تحقق واحد من السيناريوهات الواردة أعلاه، على اعتبار أن الاحتلال لم يتخذ قراره بعد بإيجاد حلّ واحد وسريع لما هو حاصل في الجبهة الشمالية، مما يفسح المجال للحديث عن جملة استنتاجات، أهمها:

- استمرار الوتيرة القائمة من التصعيد، ارتفاعاً وانخفاضاً، حسب الوضع السائد في غزة.

- تزايد المطالبات الإسرائيلية بالقضاء على التهديد الذي تمثله الجبهة الشمالية.

- الحضور المتزايد لتطورات هذه الجبهة على السياق السياسي والإعلامي الإسرائيلي.

- تكثيف الوساطات الأمريكية والأوروبية بين لبنان والاحتلال لكبح جماح أي تصعيد عسكري.

خاتمة:

تتلاحق الأحداث الحاصلة في جبهة الشمال بين لبنان وفلسطين المحتلة، دون توفر قدرة لدى طرفَي التصعيد على القيام بقراءة دقيقة لما قد تتدحرج إليه الأوضاع، لأكثر من سبب، لعل أهمها تعدد أطرافها المحليين والإقليميين، وربما الدوليين، مما يدفع كل طرف لاستكشاف مصالحه من مآلات هذا التصعيد وفقاً للسيناريوهات الواردة أعلاه.

الاحتلال من جهته، ما زالت تقديراته تتراوح بين الخيارات التي أوردنا آنفاً، مع تقاربها في الكثير من الأحيان من جهة الكلفة والمخاطر، آخذاً بعين الاعتبار مختلف العوامل السياسية والعسكرية: داخلياً وخارجياً، دون أن يحصل على "بوليصة تأمين"، بأن يحقق أهدافه من أي عدوان محتمل على لبنان، وسط خشية من تورط مشابه للورطة التي يبدو عالقاً فيها حالياً في غزة.

وبشكل عام، فإن الكفة ما تزال راجحة لعدم الميل إلى توسيع دائرة الحرب إلى حرب شاملة قد تأخذ بُعداً إقليمياً، وربما تشهد الجبهة مع لبنان درجات من التصعيد المحسوب، في أجواء تدرك أن حالة إنهاك الجيش الإسرائيلي، ومدى قوة وجاهزية حزب الله وحلفائه، وعدم رغبة الأمريكان والقوى الغربية بتوسيع دائرة الصراع، تدفع لضبط أسقف الاشتباك؛ وإن صاحب ذلك بعض التهديدات الإسرائيلية الصاخبة العاجزة عن التنفيذ على الأرض.


المصدر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات




روزنامة المحور