السبت 19 تشرين أول , 2024 11:53

"إسرائيل الكبرى" مشروع سموتريتش لاحتلال الدول العربية

سموتريتش و"إسرائيل الكبرى"

قبل دخوله إلى حكومة نتنياهو، كان لبتسلئيل سموتريتش، رؤية توسّعية متطرّفة لـ"لأرض الموعودة" والتي روّج لها منذ سنوات عديدة، وشرع منذ أشهر عدّة بتنفيذ خطط ابتلاع أكثر من 60% من أراضي الضفة الغربية المحتلة تنفيذاً لوعده بالقضاء على حل الدولتين، وتوافقاً مع عقيدة "إسرائيل الكبرى" التوسّعية. وتشمل رؤية سموتريتش الأراضي الفلسطينية وأراضٍ في الأردن وسوريا ولبنان والعراق ومصر وحتى في المملكة العربية السعودية، وتلقى قبولاً في النقاش العام داخل الكيان. وقد عمل سموتريتش على البدء بتنفيذ خططه على أرض الواقع في العام الأخير، بدءاً من فلسطين، على اعتبار أنه وزير المالية ووزير في وزارة الأمن وهو مسؤول عن الإدارة المدنية أي إدارة حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث سعى للجمع بين هذين المنصبين، وتحويل ميزانيات كبيرة للمستوطنات والجمعيات الاستيطانية، في سبيل التمهيد لقيام "دولة إسرائيل الكبرى"، التي تشكّل الحلم الصهيوني الذي يظهر على زي جنود الاحتلال.

وفي هذه المادة، عرض لخلفية هذه الرؤية ومؤشراتها الحالية بالإضافة إلى أبرز التعبيرات والتصريحات التي أشار فيها سموتريتش إلى نواياه التوسعية لإنشاء دولة يهودية مع الإشارة إلى المؤيدين لها ومخاطرها الواقعية.

التعبيرات

- "أقول بكل وضوح إننا نريد دولة يهودية تضم الأردن والسعودية ومصر والعراق وسوريا ولبنان".

- "أريد دولة يهودية... الأمر معقّد، دولة تُدار وفق قيم الشّعب اليهودي... شيئاً فشيئاً، بالنسبة لكبار حكمائنا الدينيين، قدر القدس أن تمتدّ إلى دمشق".

- "أرض إسرائيل الكبرى يجب أن تمتد الآن من البحر إلى الأردن".

- في تسجيلات كشف عنها ناشطو "السلام الآن"، يقول سموتريتش بوضوح: "إن هدفه هو ضمّ الضفة الغربية من دون إثارة غضب المجتمع الدولي".

- "حدود القدس يجب أن تمتد حتى العاصمة السورية دمشق، وإن على إسرائيل الاستيلاء أيضاً على الأردن".

- الشعب الفلسطيني "بدعةٌ تمّ اختراعها قبل 100 عام لمحاربة المشروع الصهيوني في أرض إسرائيل".

- كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن حصولها على تسجيل صوتي لسموتريتش يؤكد فيه امتلاكه "خطة سرية" لتعزيز "السيطرة" الإسرائيلية على الضفة الغربية، وإجهاض أي محاولة لأن تكون جزءًا من الدولة الفلسطينية.

- في خطاب ألقاه في 19 آذار 2023، بالعاصمة الفرنسية باريس، وأمامه منصة عليها خريطة متداخلة بين فلسطين والأردن، في إشارة إلى أن إسرائيل تتكون من فلسطين والأردن.

- "المنطقة بين البحر والأردن مساحة جغرافية وطوبوغرافية واحدة، ولا يمكن تقسيمها بشكل مستدام". مشددًا على فكرة "أرض إسرائيل الكاملة" بقوله: "نحن هنا لنبقى، إن تحقيق طموحنا القومي بدولة يهودية من البحر إلى الأردن، حقيقة مطلقة غير قابلة للنقاش وغير قابلة للتفاوض".

- "أنا شخص مؤمن. يؤمن بالقدوس تبارك في حبّه لشعب إسرائيل وفي رعايته لهم. يؤمن بالتوراة التي حذرت من النفي ووعدت بالفداء. أنا أؤمن بكلمات الأنبياء الذين توقّعوا الدمار، وليس أقلها البناء المتجدد الذي سنراه يجري بناؤه أمام أعيننا. أعتقد أن دولة إسرائيل هي بداية نمو خلاصنا وتحقيق نبوءات التوراة ورؤى الأنبياء".

- "بهذه الطريقة (الحسم الاستيطاني)، يمكن إنشاء واقع واضح لا رجوع فيه في هذا المجال في غضون بضع سنوات، لا يوجد شيء يعمل بشكل أفضل من هذا في أذهان عرب يهودا والسامرة، ويساعدهم على التخلص من وهم الدولة الفلسطينية، ويوضح لهم أنه لا توجد فرصة لإقامة دولة عربية أخرى غرب الأردن. الحقائق على الأرض، كما نعلم، تغير الوعي وتقرر الوعي، وستثبت الكتل الاستيطانية ذلك".

- "هذه الحرب يجب أن تنتهي، فقط عندما يسيطر الجيش على غزة بصورة كاملة، وطوال الوقت. وهذا الوضع يمثل الشروط السياسية التي ستسمح لنا بالعودة إلى استيطان القطاع وضمان وجود يهودي دائم هناك".

الخلفيات

يحاول اليمين المتطرف وعلى رأسه سموتريتش وبن غفير العمل على تنفيذ المخططات الصهيونية التوسعية في منطقة الشرق الأوسط والتي تقوم على الاحتلال والقضم بالتدرّج للدول العربية التي حدّدتها الخريطة، والتي عمد كل من سموتريتش ونتنياهو وحتى وزير جيش الاحتلال لعرضها والتي تقتطع مساحات شاسعة من أراضي سوريا ولبنان والأردن والعراق وسوريا ومصر والسعودية تحت شعار "إسرائيل الكبرى"، وذلك على حساب شعوب المنطقة وأراضيها، إذ أنهم لن يكتفوا بما اقتطعوه من فلسطين المحتلة لا سيما المشاريع الحالية التي تنتهجها في الضفة الغربية بل يبدو أن اليمين المتطرف الآن خاصة بعد تصريحات سموتريتش قد أطلق العنان لأحلامه التوسعية القديمة في هذه المرحلة لتجسيد أوهام الكيان الكبرى ومدّ نفوذه الاستعماري، وذلك انطلاقًا من:

- وجود أوهام لدى اليمين المتطرف تتعلّق بتوسيع حدود الكيان لتشمل أجزاء واسعة من منطقة الشرق الأوسط، انطلاقًا من خلفية دينية يقوم بوظيف أدبياتها لتحقيق طموحاته، وهي تستند إلى أحد النصوص في التوراة، والتي عززتها أصوات في الحركة الصهيونية منذ تأسيسها، تفيد بأن الأرض الموعودة تمتد من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في العراق.

- يزعم معهد "التوراة والأرض" الإسرائيلي عبر موقعه الإلكتروني أن "أرض إسرائيل الكبرى تمتد من نهر الفرات شرقًا إلى نهر النيل جنوبًا".

- يتزايد مع كل حرب يشنّها الكيان الحديث عن إنشاء دول يهودية، إذ تتصاعد حماسة كثير من المسؤولين الإسرائيليين لتحقيق أحلامهم المدفونة.

- الطموح في بناء إمبراطورية مزعومة على أنقاض شعوب الدول المحددة في الخريطة، وبهذه الخطة المنهجية يتمكن الكيان من تغيير الواقع الاستراتيجي في المنطقة.

- اليمين المتطرف هو التيار الحاكم في هذه المرحلة والذي يمتلك القوّة، وأمام ما استطاع الكيان تحقيقه، إذا صحّ التعبير، من "إنجازات" عبر اغتيال قادة المقاومة فهذا الأمر يعطيه دافعاً للتصعيد والاستمرار في كل السياسات التي من شأنها أن تحقّق طموحاتهم الاحتلالية.

- استغلال أحداث السابع من أكتوبر كدافع من أجل تحقيق أحلام الهيمنة والتوسّع في المنطقة، وبالتالي عدم الاكتفاء بغزة لتشمل الأطماع الأراضي من النيل إلى الفرات.

- يبني سموتريتش خطته على استنتاج أساسي وهو وصول نموذج "حلّ الدولتين" إلى طريق مسدود. منتقداً تحوّل اهتمام قادة الكيان من السعي لإنهاء الصراع إلى إدارة الصراع، ومن ثم، وبحسب وجهة نظره، يجب تهيئة المجتمع الصهيوني لأخذ قرار بإنهاء الصراع لا إدارته، وحتى يتحقق هذا القرار لا بدّ من ترسيخ قاعدة للانطلاق؛ وهي توعية الجمهور الصهيوني، بأنه لا مكان في "أرض إسرائيل" (ما بين البحر الأبيض ونهر الأردن) لحركتين وطنيتين متناقضتين، وأنه طالما كان هنالك أمل عند الفلسطينيين بأن يقيموا كيان وطني لهم تحت أي مسمى حتى لو سلطة فلسطينية منزوعة السيادة، سيستمر هدر الوقت في إدارة الصراع لا حله، وتشجيع "الإرهاب". كما يعتبر أن "القول (الإرهاب ينبع من اليأس) كذبة، الإرهاب ينبع من الأمل؛ الأمل في إضعافنا". لذلك يكمن الحل في إفقاد الفلسطينيين أي أمل في إقامة كيان وطني خاص بهم، وذلك من خلال "الحسم" الاستيطاني، وتشجيع الهجرة، والأهم من ذلك "الحسم" العسكري.

المؤشرات

- وجود "نوايا سياسية إسرائيلية خفية" بشأن مطالبة سكان شمال القطاع بالنزوح إلى جنوبه، وأحزاب اليمين المتطرف، برئاسة الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، وقسم كبير من حزب الليكود أيضًا، تتدخل في اتخاذ القرارات، وتستعين بضباط في قوات الاحتياط وفي قيادات الفرق العسكرية المتوغلة في القطاع، وفق هآرتس.

- عمد قادة الكيان ومسؤوليه في الآونة الأخيرة على استخدام الخرائط في المؤتمرات الصحفية وعند إلقاء الخطب والكلمات في المحافل الدولية، ليتكرّر المشهد مرّات عدّة تمّ فيها عرض خريطة الكيان والتي ضمّت إحداها الأردن وخلت جميعها من أي إشارة لدولة فلسطين، في إشارة لسعي الكيان في هذه المرحلة لتكريس استيطان ما تبقّى من الأراضي الفلسطينية والانتقال في المرحلة المقبلة للدول الأخرى ضمن المشروع التوسعي المعلن من قبل اليمين المتطرف.

- منح اليمين المتطرف ضمّ الضفة على طبق من ذهب، حيث أن ضمّ الأراضي يتقدم بسرعة هائلة، تقريبًا من دون أيّ معارضة، أو نضال جماهيري، ونتائج ذلك ستكون مروّعة.

- وثّق الباحثون في مراقبة الاستيطان في حركة "السلام الآن" إنشاء 43 بؤرة استيطانية غير قانونية منذ بداية الحرب. وللمقارنة: يُنشئ المستوطنون، في سنة عادية، نحو 6 بؤر استيطانية سنوياً، بينما أقاموا في هذه السنة بؤرة استيطانية جديدة في كل أسبوع تقريباً.

- قام الجيش بتجنيد المستوطنين لحماية المستوطنات والبؤر الاستيطانية، وعمل الوزير إيتمار بن غفير على تسليحهم من خلال الشرطة.

- وثّقت منظمة "بتسيلم" منذ بداية الحرب طرد 19 تجمعًا سكانياً فلسطينياً من أراضيهم بالكامل، إلى جانب 12 تجمعاً تم طردهم منها جزئياً، بينما تتعرض عشرات التجمعات السكانية لهجمات منتظمة.

- منذ بداية العام، تمّ الاستيلاء على أكثر من 24 ألف دونم في الضفة الغربية بواسطة طريقة تُعرف بأسلوب "إعلانات الأراضي الحكومية". يهدف هذا الأسلوب إلى تبرير سلب الأراضي من الفلسطينيين في الضفة الغربية وتحويلها إلى أغراض الاستيطان.

- في 19 آذار 2023، وقف سموتريتش خلال زيارته باريس أمام منصة عليها خريطة لـ"أرض إسرائيل الكبرى" المزعومة، تضم كامل فلسطين التاريخية والأردن، مما أثار حينها موجة من الغضب. وقد أنكر سموتريتش آنذاك وجود شعب فلسطيني من الأساس، زاعمًا أن هذا الشعب "بدعةٌ تمّ اختراعها قبل 100 عام لمحاربة المشروع الصهيوني في أرض إسرائيل".

- إلى جانب قضايا الأسرى، والحرب في قطاع غزة، وفي الشمال، وعشرات الآلاف من النازحين، باتت المهمة المركزية للحكومة خلال العام الماضي واضحة، وهي ضمّ الأراضي و"تحويل إسرائيل من دولة يهودية ديمقراطية إلى دولة يهودية مسيانية"، بحسب هآرتس.

- يتمسّك كل من وزير المال بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بمهمتهما بشأن استغلال ما يعتبرانه فرصة تاريخية حدثت للشعب اليهودي في 7 أكتوبر. وهدف الرجلين احتلال غزة وإقامة مستوطنات يهودية. وتحقيق هذا الهدف هو الذي يملي عليهما مواقفهما، بما في ذلك استعدادهما للتخلي عن المخطوفين والتضحية بهم.

- بتسليل سموتريتش يريد بناء مستوطنات إسرائيلية في غزة، وتفكيك السلطة الفلسطينية، وإقامة دولة يهودية مكانها، ضمن إطار "خطة الحسم" التي نشرها قبل عدة سنوات. على الأقل، يمكن القول إن سموتريتش لديه عقيدة منهجية، وهو لا يخفيها. يدرك رئيس الحكومة نتنياهو الضرر الهائل الناتج من تحقيق خطة سموتريتش، لكنه يمضي نحوها لأسباب تتعلق ببقائه الشخصي والسياسي، وفق ما نشره عوفر شيلح.

المؤيدين:

إنشاء "دولة يهودية" أو "إسرائيل الكبرى" هو طرح تؤيده العديد من الأصوات في الكيان المؤقت حتى خارج اليمين المتطرف، إلّا أن الدعم ينحصر بشكل أساسي ضمن الكتل اليمينية. فمن بين المؤيدين لرؤية سموتريتش التوسعية: حزب الصهيونية الدينية، عوتسما يهوديت، حزب شاس، البيت اليهودي، نتنياهو وبعض التأييد من حزب الليكود.

واقعية المخاطر

- تتنامى المخاطر التي تفرضها مخططات تيار اليمين الديني المتطرف في السيطرة على المنطقة وتوسيع المستوطنات وصولاً إلى تغيير البنية الديمغرافية فيها.

- الفلسطينيون هم الأكثر تعرضاً للخطر من هذا المشروع لا سيما في هذه المرحلة في ظل تصاعد التهديدات التي تتعرض لها الضفة الغربية على مستوى السيطرة على الأرض والضغط على الفلسطينيين لمغادرة أراضيهم، واستهداف بنى المقاومة وحاضنتها، وتفكيك أي كيان سياسي للفلسطينيين، حيث يسرع اليمين المتطرف وبشكل واسع النطاق في فرض حقائق استيطانية جديدة على الأرض. لقد بدا هذا واضحًا في تشريعات الحكومة والخطط المصادق عليها والميزانيات المرصودة وسرعة التنفيذ في بناء الوحدات السكنية وتطوير البنية التحتية والمرافق العامة للمستوطنين. فما يحصل في الضفة الغربية منذ بداية الحرب يوحي بحصول تحولات جديدة. وبحسب مسؤول عسكري إسرائيلي، فإن النفوذ المتصاعد للمستوطنين يمهد الطريق لواقع جديد قد يتمكن فيه المستوطنون المتطرفون والمسلحون من التصرف والتدخل في إدارة شؤون الضفة الغربية وممارسة التوسع الاستيطاني بـ"شكل مستقل" عن الإدارة المدنية أو القنوات الرسمية.

- يمتلك سموتريتش أوراق ضغط للتأثير على نتنياهو والجيش والسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى كونه لا يأبه للموقف الدولي ويترك لرئيس الوزراء مهمة التعامل مع الضغوط الخارجية. كما يمتلك سموتريتش ورقة ضغط للتأثير على توجهات الجيش والمتمثلة في كونه وزير المالية المسؤول عن إقرار الموازنات التي يطلبها.

- هذه التوجهات تُعدّ شديدة الخطورة نتيجة التركيبة الحالية للحكومة التي ترفض كل أشكال قبول الآخر لتشكّل بدورها حالة فريدة في الكيان تسعى لاستدعاء الأفكار الدينية وحديثها عن الوطن البديل و"إسرائيل الكبرى" وتروّج لقدرتها في السيطرة على مناطق جديدة وتهجير سكانها وارتكاب الجرائم.

- إن هذا المشروع يعرّض شعوب المنطقة وأراضيها لا سيما الدول المحددة في الخريطة لمخاطر برامج ومشاريع قد يلجأ الكيان لتنفيذها في المرحلة المقبلة تحقيقاً لطموحاته التوسعية، عبر الإعداد لحرب بلا حدود ولا نهاية للجيل القادم، وبالتالي لا بدّ من ردع هذه المخططات ومواجهتا.

- إن استمرار المقاومة في تحقيق الإنجازات وخوضها المواجهات العنيفة على مختلف الجبهات سينعكس سلبًا على المشروع الصهيوني الذي يقوده اليمين المتطرف بزعامة سموتريتش وبن غفير تمهيداً لتأسيس "دولة يهودية"، والذي بدأت معالمه تظهر في الضفة الغربية، وعليه فإن الميدان وتطوّر الأحداث لصالح المحور في المرحلة المقبلة هو الذي سيحدّد مدى واقعية المخاطر والقدرة على مجابهتها.





روزنامة المحور