ثمة خطة تعمل محركاتها بسرية وسلاسة تحت أعين العالم الشاخصة على غزة يقودها بتسلئيل سموتريتش صاحب الوزارتين التين تعنيان الكثير في خطة تهويد الضفة المالية والادارة المدنية. فسموتريتش يمتلك الجمهور والمال والسلطة المستمدة من تفويض بلا قيود من بنيامين نتنياهو، الذي كما يبدو يتكئ على الصهيونية الدينية وقائدها الشاب سموتريتش (44 عاماً) لتحقيق مشروع أباه يوناثان ومرشدهما جابوتنسكي.
إن التأثير المحتمل لوجود الصهيونية الدينية في سلطة القرار المختص بالضفة الغربية وفي الإمساك بقرار الجيش فيما يسمونه (يهودا والسامرة) يحمل ابعاداً خطيرة على الوجود الفلسطيني في كامل الضفة الغربية وبعض أراضي الـ 1948، فضلاً عن قطاع غزة الذي يعمل العدو على جعله غير قابل للسكن. ولا يحتاج الباحث للتعب حتى يكتشف الترابط بين تفعيل خطة استيطان شاملة في الضفة وغزة وال 1948 وبين زيادة الشراسة والجرائم ضد الفلسطينيين في غزة، وتكثيف الضغط على الضفة الغربية بشكل هائل منذ 7-10-2023 وحتى اليوم مع إعلان بدء عملية عسكرية واسعة في جنين وطولكرم.
فيما يلي بعض النقاط الواضحة التي لا تحتاج للتأويل والتي تؤكّد هذا التأثير:
- أيديولوجية سموتريتش المعلنة: يعبّر سموتريتش عن قناعاته الدينية المتطرّفة بصراحة، ويعتبرها الأساس لسياسته في التعامل مع الفلسطينيين، فهو يؤمن بـ "حقّ اليهود الديني" في كامل "أرض إسرائيل" ويصوّر الصراع كـ "حرب مقدّسة"، وهذا يبرّر في نظره استخدام العنف والتطرّف.
- فرض السيطرة على الإدارة المدنية: يسعى سموتريتش بجدّ إلى نقل صلاحيات الإدارة المدنية في الضفة الغربية إلى سيطرته، وذلك لتسهيل التوسّع الاستيطاني وتضييق الخناق على الفلسطينيين.
- التحريض على الفلسطينيين: تظهر تصريحات سموتريتش عن "أخلاقية تجويع غزة" مدى تطرّفه وانعدام إنسانيته، فهو لا يتوانى عن التحريض على العنف وتبرير الجرائم ضد الفلسطينيين بغطاء ديني.
- تصعيد الاستيطان في الضفة الغربية: يؤمن سموتريتش بضرورة تسريع وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية، مما يؤدّي إلى مزيد من مصادرة الأراضي وطرد الفلسطينيين وتصاعد العنف.
- التأثير على صنّاع القرار: بصفته وزيرًا للمالية ووزيرًا في وزارة الحرب، يتمتّع سموتريتش بنفوذ كبير على صنّاع القرار في "إسرائيل". وهو يستغلّ هذا النفوذ لدفع أجنداته المتطرّفة وتمرير قرارات تزيد من قمع الفلسطينيين.
تتمحور خطة سموتريتش بشكل أساسي حول تعميق السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية ومنع قيام دولة فلسطينية، وتعتمد خطته على مسارين رئيسيين:
المسار الأول: فرض السيطرة المدنية على الضفة الغربية
يهدف سموتريش إلى تغيير الوضع القائم في الضفة الغربية من احتلال عسكري إلى ضمّ مدني فعلي، وتتمثل أدواته في:
- نقل صلاحيات الإدارة المدنية: يسعى سموتريتش إلى نقل صلاحيات الإدارة المدنية من وزارة الدفاع إلى سيطرته المباشرة كوزير في وزارة الحرب، وهذا يتيح له التحكّم في كافة شؤون الحياة المدنية للمستوطنين والفلسطينيين في الضفة الغربية.
- تعيين نائب مدني في الإدارة المدنية: نجح سموتريتش في تعيين هليل روث، وهو مستوطن من اليمين المتطرّف، نائبًا لرئيس الإدارة المدنية، ويعدّ هذا المنصب حاسمًا في تنفيذ مخطّطات سموتريتش وتسهيل التوسّع الاستيطاني.
- تسهيل البناء الاستيطاني: يعمل سموتريتش على تسهيل إجراءات البناء الاستيطاني في الضفة الغربية وإزالة العقبات التي تحول دون ذلك، ويهدف إلى زيادة عدد المستوطنين بشكل كبير لتثبيت الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية.
- تغيير قوانين التخطيط والبناء: يسعى سموتريتش إلى تغيير قوانين التخطيط والبناء في الضفة الغربية لتسهيل مصادرة الأراضي الفلسطينية وتحويلها لصالح المستوطنات.
- تقويض السلطة الفلسطينية: يعمل سموتريتش على إضعاف السلطة الفلسطينية وإفراغها من محتواها من خلال التضييق عليها اقتصاديًا وأمنيًا وسحب الصلاحيات المخولة إليها، ويصوّرها كـ "كيان إرهابي" ويدعو إلى انهيارها.
المسار الثاني: ترسيخ الرؤية الأيديولوجية لليمين المتطرف
يستغلّ سموتريتش منصبه لترسيخ الرؤية الأيديولوجية لليمين المتطرّف في المجتمع الإسرائيلي والجيش، وتشمل أدواته:
- التحريض الديني وتوظيف الخطاب المقدّس: يحرّض سموتريتش على الفلسطينيين باستخدام خطاب ديني متطرّف ويصوّر الصراع كـ "حرب مقدّسة" بين "الخير والشرّ"، وهذا يؤثّر على عقلية الجنود ويزيد من تقبّلهم للفكرة العنف ضد الفلسطينيين.
- اختراق الجيش وتديينه: يعمل سموتريتش على زيادة نفوذ التيار الديني القومي داخل الجيش الإسرائيلي وفرض الطابع الديني عليه، ويشجّع على إدخال الطقوس الدينية في الجيش وتوظيف الخطاب الديني لتبرير العنف.
- التأثير على الرأي العام: يستغلّ سموتريتش منصبه وظهوره الإعلامي لترويج لرؤيته المتطرّفة وتأثير على الرأي العام في "إسرائيل"، ويسعى إلى كسب تأييد الجماهير لمخطّطاته في الضفة الغربية وإسكات الأصوات المعارضة.
بالتوازي مع مساري رؤية سموتريتش المتعلّقة بالضفة الغربية، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ ساعات الفجر الأولى اليوم الأربعاء إنه بدأ عملية عسكرية واسعة تستهدف مسلحين في جنين وطولكرم وطوباس شمال الضفة الغربية المحتلة، في حين أعلنت فصائل المقاومة الفلسطينية تصديها للاقتحامات وتنفيذ عمليات نوعية.
وتعليقاً على هذه الحملة العسكرية، أكدت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية أن العملية التي بدأها الجيش شمالي الضفة هي الأوسع منذ عملية "السور الواقي" في عام 2002، وأنها تتم بمشاركة سلاح الجو وقوات كبيرة، على مستوى فرقة عسكرية.
وبرر مسؤولون عسكريون إسرائيليون العملية العسكرية بقولهم إن "الوضع في الضفة الغربية بات مصدر قلق جدي لإسرائيل".
المصدر: مركز دراسات غرب آسيا