يعود أوّل حضور دبلوماسي للولايات المتحدة الأمريكية في لبنان الى عام 1833 لكنّه تركّز في المجالات "التعليمية والثقافية" (الجامعة الامريكية في بيروت، الجامعة اللبنانية الأمريكية) لينقطع في العام 1917، ثمّ يتولى عام 1952 هارولد ماينور منصب أول سفير أمريكي في لبنان. وفي أواخر الستينيات اعتبرت السفارة الأمريكية في بيروت واحدة من أكبر المقرات الدبلوماسية في الشرق الأوسط!
في منتصف السبعينيات وخلال الحرب الأهلية اللبنانية، اغتيل السفير الأمريكي فرنسيس ميلوي واتهمت الإدارة الأمريكية "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" بعملية الخطف والاغتيال. وبعدها تتالت الهجمات على السفارة الأمريكية.
ففي 18 نيسان من العام 1983 وبتمام الساعة 1:05 ظهراً، سيارة من نوع "بيك آب" مفخخة بحوالي النصف طن من مادة TNT وتحمل لوحة دبلوماسية مزوّرة، تقتحم مبنى السفارة الأمريكية في بيروت في منطقة عين المريسة. تحدثت بعض التقارير الأمريكية عن أن السيارة المفخخة التي دخلت إلى بهو المبنى كانت قد اختفت من السفارة مسبقًا.
دمّر التفجير الجناح الشرقي للسفارة ويروي شهود عيان، أن طبقات المبنى بقيت تتهاوى طيلة ساعة كاملة بعد الإنفجار الذي أدى الى مقتل الرئيس الزائر لفرع التحليل في الشرق الأوسط التابع لوكالة المخابرات المركزية، و16 أميركيًا بينهم 8 من كبار موظفي الوكالة وعدد من جنود قوات المارينز بالإضافة الى 47 موظفاً آخراً، كما أدى الى إصابة 122 آخرين.
اعتبرت الأوساط الأمريكية ان التفجير هو " الأكثر دمويا على بعثة دبلوماسية أمريكية على الإطلاق، وأدى إلى تغيير الطريقة التي تؤمن فيها وزارة الخارجية كوادرها وبعثاتها في الخارج". وعلى المقلب الآخر استهدف التفجير أكبر "وكر" للتجسّس والاستخبارات في لبنان والمنطقة، فيوم التفجير تزامن مع انعقاد اجتماعٍ يضّم شخصيات رفيعة المستوى في الوكالة المركزية للاستخبارات الأميركية.
اتهمت الإدارة الأمريكية الجمهورية الإسلامية الايرانية وحزب الله بتنفيذ العملية، علماً ان الحزب آنذاك لم يكن بعد قد أعلن عن تأسيسه رسمياً، كما اتهمت مجموعة من المجاهدين تحت اسم "الجهاد الإسلامي" بتنفيذ العملية وتصدّر اسم القائد عماد مغنية التقارير الأمريكية.
التفجير مثّل فقط الضربة الأولى للتواجد الأمريكي في لبنان، ففي 23 تشرين الأول من العام نفسه استهدف تفجير آخر مقر "المارينز" ما أدى الى قتل أكثر من 230 جندياً.
ولم يمنع انتقال السفارة الأمريكية - الى منطقة أكثر "تحصيناً" – الى عوكر من استهدافها حيث أن تفجيراً ثانياً وقع في أيلول العام 1984، أسفر عن مقتل 11 شخصاً وإصابة 58 آخرين، وبعد 3 سنوات من التهديدات الأمنية أغلقت – قسراً – السفارة الأمريكية أبوابها في بيروت ثم أعادت فتح أبوابها في تشرين الثاني من العام 1990.
الكاتب: غرفة التحرير