حالة خاصة وفريدة من نوعها يتميّز بها أهالي القدس والضفة الغربية الذين لبّوا نداء النفير العام نصرة ودفاعاً عن المسجد الأقصى. فلا التنسيق الأمني ولا التحكّم بصرف رواتب عوائل الأسرى والشهداء، ووعود الرخاء الاقتصادي تنسيهم مرارة الاحتلال ومستوطنيه الذين يعايشونهم يومياً، ولا السياسات الممنهجة كالاعتقال المسبق وغيرها، أثنتهم عن دورهم الحقيقي في الصراع مع الاحتلال.
أكثر من 190 نقطة اشتباك في القدس والضفة خلال ساعات! كانت كافية لتغيير معادلة مسيرة الأعلام وما أراده الكيان المؤقت منها. وتوزعت أهمها، في نابلس (بلدة حوارة وحاجز برقا خاصة)، ونشطت أيضاً كتيبة نابلس التابعة لسرايا القدس التي نفّذت الى جانب كتيبة جنين (خاصة عند الحواجز ومنها دوتان والجلمة) 55 عملية إطلاق نار وإلقاء عبوات متفجرة وزجاجات حارقة ومفرقعات نارية. فيما شهدت الخليل 8 نقاط من المواجهة شملت إطلاق النار ومحاولة طعن.
أما في القدس المحتلة، فقد انتفض الشعب الفلسطيني سواء داخل المسجد الأقصى وباحاته أو في المناطق التي شهدت تصدياً واسعاً للمستوطنين في جبل المكبّر، سلوان، رأس العامود، العيساوية، أبو ديس، مخيم شفعاط، الشيخ جراح، أحياء البلدة القديمة، باب المغاربة، الطور، صور الباهر. وتوّج هذا التصدي الشعبي في مسيرة الأعلام الفلسطينية المضادة لتلك اليهودية في حي صلاح الدين التي لم تخلُ أيضاً من الاشتباكات مع قوات الاحتلال، كما حلّق العلم الفلسطيني في أجواء القدس عبر طائرة تصوير مسيّرة. بالاضافة الى مسيرات الأعلام الفلسطينية التي جابت شوراع حوالي 33 مدينة في الضفة وألقيت خلالها الحجارة على قوات الاحتلال في 94 نقطة.
الداخل المحتل وأهله، كانوا حاضرين أيضاً لنصرة المسجد الاقصى، سواء بالمظاهرات في المدن أو في الوصول الى المسجد رغم محاولات الاحتلال إغلاق الحواجز وعزلهم عن ساحتا الضفة والقدس. وقد استنفر الاحتلال آلاف العناصر من جيشه للتعامل مع الداخل.
الضفة والداخل يتحملان مسؤولية الرد
يقول الامام الخامنئي "إن الوحدة اليوم هي أعظم سلاح للفلسطينيين، وأعداء وحدة الفلسطينيين هم العدو الصهيوني وأميركا وبعض القوى السياسية الأخرى، ولكن هذه الوحدة إن لم تتصدع من داخل المجتمع الفلسطيني فإن الأعداء الخارجيين سوف لن يكونوا قادرين على فعل أي شيء...الفلسطينيون سواء كانوا في غزة أم في القدس أم في الضفة الغربية وسواء كانوا في أراضي الـ 1948، أو في المخيمات يشكلون بأجمعهم جسدًا واحدًا، وينبغي أن يتوجهوا إلى استراتيجية التلاحم، بحيث يدافع كل قطاع عن القطاعات الأخرى، وأن يستفيدوا حين الضغط على تلك القطاعات من كل ما لديهم من معدات". وهذا التلاحم الذي كرّسته معركة "سيف القدس" تُرى نتائجه ميدانياً، فقد تحمّلت ساحتي الضفة والداخل مسؤولية المواجهة والرّد واستنزاف قوات الاحتلال – ولو مع غياب الرّد العسكري من غزّة – لتحوّل مسيرة الأعلام من "انجاز" اسرائيلي الى نقمةٍ قادمة، حيث يتوقع المحلل العسكري ألون بن دايفيد "أن تزيد العمليات في الضفة قريباً، ومشهد رفع العلم الاسرائيلي في الاقصى سيزيد الوعي الفردي الفلسطيني أن الأقصى في خطر".
دور عميق تلعبه هذه الساحات مع تطوّر فعالياتها وأشكال المقاومة خاصة مع التزايد السريع لعدد الكتائب فيها (كتيبة جنين، طولكرم، وصولاً الى نابلس التي تكون الأخيرة) بما يبقي "جذوة الصراع مشتعلة" وربما يخفف بعض الأعباء والتكاليف عن جبهة غزّة.
الكاتب: غرفة التحرير