تبرز بين الحين والآخر بعض التصريحات من أنقرة التي تهدد بإمكانية قيام القوات التركية بعمل عسكري ضد سوريا، فما الهدف من وراء هذه التصريحات وما هي دلالات وخطورة هذا الامر إن حصل فعلا؟
الأكيد ان تركيا مسؤولة بشكل كبير عن زعزعة الامن والاستقرار في سوريا منذ بداية الازمة وحتى اليوم، وهي لعبت أدورا عديدة في مختلف الجوانب الامنية العسكرية اللوجستية السياسية الاعلامية وغيرها في سبيل ضرب ركائز الدولة السورية، وقدمت أنقرة كل التسهيلات لدخول المال والسلاح والرجال من الارهابيين من مختلف الجنسيات الى سوريا، خاصة مع وجود حدود طويلة وشاسعة بين البلدين، ناهيك عن إقامة المقرات الامنية والتنظيمية في الداخل التركي لاستقطاب الافراد واستقبال "التبرعات" لارسالهم الى الداخل السوري وتوزيعها بشكل مدروس على جماعات إرهابية مسلحة لتنفيذ مخططات معدة سلفا، كل ذلك ساهم بتفاقم الأزمة السورية وتفريخ المزيد من الجماعات الارهابية متعددة الولاءات (سواء لتركيا او لبعض الدول الخليجية والتي تتحرك تحت السقف الاميركي) وتطويرها وتعزيزها وتدريبها.
والدور التركي بتخريب سوريا والاعتداء على سيادتها ليس وليد الساعة، وانما بالحد الادنى عمره من عمر الازمة، حيث تحتفظ تركيا بحزام أمني على طول الحدود يمتد من محافظة الحسكة وصولا الى ريف حلب الشمالي وانتهاء بأطراف ادلب التي تتمد فيها تركيا بشكل غير مباشر عبر جماعات إرهابية تابعة لها، بالاضافة الى وجود مثل هذه الجماعات من المرتزقة التابعين لانقرة في بعض مناطق ريف الحسكة.
وحول التهديد التركي بالقيام بعمل عسكري ضد سوريا، قالت مصادر مطلعة على الشأن السوري إن "مثل هذا التهديد يشكل بادئ ذي بدء اعتداء صريحًا على السيادة السورية، إلا انه يدلل أيضا على فشل كل ما فعلته تركيا في السنوات الاخيرة"، وتابعت "هذا الامر يعني ان رهان تركيا على أدواتها لم يوصل الى النتيجة المرجوة ما يعني أنها مجبرة على النزول مباشرة الى الساحة في محاولة منها لتحصيل بعض المكتسبات وتحقيق ما عجزت الجماعات الارهابية عن تحقيقه".
لكن السؤال هل الواقع يسمح بقيام تركيا بعمل عسكري ضد سوريا؟ وهل مثل هذا العمل يتوقع القيام به مثلا في بعض مناطق الثقل الكردي ام انه يهدف للتدخل لحماية بعض المصالح وفرض بعض المكتسبات الامنية او النفطية او لفرض شروطها عند الجلوس للحصول على طاولة المفاوضات لانجاز التسوية السياسية النهائية في سوريا؟
حول ذلك قالت المصادر إن "تركيا تحاول دائما رفع السقف بهدف تحقيق مكتسبات معينة وقد يكون الحديث بين فترة واخرى عن عمل عسكري هو السعي لفرض مناطق نفوذ لها في الداخل السوري(بقبول ضمني من النظام السوري وبغطاء روسي)"، ولفتت الى ان "تركيا موجودة دائما في المؤتمرات التي تعقد بخصوص الازمة السورية لا سيما في مباحثات استانا وهي عضو في اللجنة الثلاثية(بالاضافة الى ايران وروسيا) الضامنة للحل السياسي في سوريا"، وأشارت الى ان "ذلك يؤكد وجود أذرع لها تعمل في بعض المناطق السورية لا سيما في ادلب"، ولفتت الى ان "اللجنة الثلاثية المذكورة أعلاه طالما اكدت على وحدة وسيادة الاراضي السورية وضرورة الحل السياسي هناك"، وتابعت "على من يتحدث عن استقرار ووحدة سوريا عليه ان يلتزم بذلك فعلا".
وأوضحت المصادر ان "أي دخول عسكري تركي اليوم الى سوريا يختلف عن السابق عندما دخلت تركيا للسيطرة على بعض المناطق بحجة حماية أراضيها من بعض الهجمات المفترضة"، ولفتت الى ان "سوريا اليوم تعافت الى حد كبير وانتصرت على الارهاب وبالتالي لن تقبل بأي عدوان تركي جديد كما لن تقبل بفرض مناطق نفوذ هنا وهناك"، وأشارت الى ان "عدوانا تركيا لن يمر مرور الكرام خاصة امام موقف محور المقاومة الذي قدم التضحيات للحفاظ على سوريا ووحدتها"، وسألت "ماذا سيكون موقف تركيا المعتدية امام مقاومة شرسة مدعومة بقرار سياسي صيني روسي ايراني، وهل تركيا قادرة على حمل حجم الخسائر التي تنتظرها؟"، ورأت ان "تركيا تدرك حجم النتائج تجاه اي خطوات غير مدروسة وبالتالي عليها التنبه جيدا ان الواقع السوري اليوم لا يشبه ما جرى قبل عشر سنوات وستكون الأثمان مكلفة هذه المرة".
الكاتب: غرفة التحرير