يُشكّل الأكراد في سوريا أقلية عرقية مهمة، لطالما سعت إلى حقوقها القومية والثقافية. فمع اندلاع الحرب على سوريا عام 2011، برز الأكراد كقوة فاعلة رئيسية في شمالي شرق البلاد، مُستغلين فراغ السلطة الذي خلّفه تراجع الحكومة السورية. تمثّلت ذروة هذا الصعود السياسي والعسكري في تأسيس "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" (روج آفا) في عام 2013، وهي تجربة تقول عنها الاحزاب الكردية السورية في أدبياتها أنها فريدة في الفيدرالية الديمقراطية وتُشدد على الديمقراطية المباشرة، والمساواة بين الجنسين، والتعايش بين مختلف المجموعات العرقية.
لكن هذا المشروع الطموح، الذي يُعرف باسم "روج آفا" أو "غرب كردستان"، يواجه تحديات وجودية، أهمها التهديدات التركية المُستمرة، والصراع مع الجماعات الإسلامية المُسلحة. علاوة على ذلك، يُثير وضع الأكراد المُعقّد في سوريا، وعلاقتهم المُلتبسة مع مختلف القوى الإقليمية والدولية، تساؤلات حول طبيعة علاقاتهم مع إسرائيل. تُشكّل دراسة هذه العلاقة، التي تتسم بالغموض وعدم الرسمية، حالة هامة في تحليل السياسات وتقاطع المصالح في الشرق الأوسط.
الأكراد في سوريا: رحلة من التهميش إلى بناء الذات
يعود تاريخ الوجود الكردي في سوريا إلى قرون مضت، وشهد مراحل مُتعددة من التفاعل مع الدولة والمجتمع السوري. خلال الفترة العثمانية، تمتع الأكراد بقدر من الحكم الذاتي في بعض المناطق، لكن هذا الوضع تغيّر مع قيام الجمهورية السورية في القرن العشرين.
بزوغ الحركة الكردية:
في مُنتصف القرن العشرين، بدأت الحركة السياسية الكردية في سوريا في التبلور، مع ظهور أحزاب سياسية سرية سعت إلى الدفاع عن حقوق الأكراد والمُطالبة بالحكم الذاتي. من أهم هذه الأحزاب "الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا"، الذي تأسس عام 1957. واجهت الحركة الكردية تحديات كبيرة، بسبب صدامها مع السلطات السورية والانقسامات الداخلية، إضافة إلى تضارب المصالح مع القوى الإقليمية مثل تركيا.
الحرب السورية وفرصة الأكراد:
مثّلت حرب العام 2011 فرصة تاريخية للأكراد في سوريا. فمع تراجع سيطرة الدولة السورية على شمال البلاد، أعلن الأكراد عن إنشاء "الإدارة الذاتية" في روج آفا. تمكّن الأكراد، من خلال وحدات حماية الشعب (YPG) وقوات سوريا الديمقراطية (SDF)، من حماية مناطقهم من هجمات الجماعات المُسلحة، بما في ذلك تنظيم داعش. كما أنشأوا مؤسسات حكم ذاتي، وأجروا انتخابات محلية، وسعوا إلى بناء نظام سياسي يُراعي التنوع العرقي والثقافي في روج آفا.
التحديات الرئيسية
على الرغم من المكاسب السياسية والعسكرية التي حققها الأكراد في سوريا، لا تزال روج آفا، باعتبارها تجربة في الحكم الذاتي، تُواجه تحديات وجودية تُهدد مستقبلها:
_التهديد التركي المُستمر: تُشكّل تركيا الخطر الأبرز على روج آفا. ترى أنقرة في حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، الذي يُهيمن على روج آفا، امتداداً لحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تُصنّفه كمنظمة إرهابية. شنت تركيا عدة عمليات عسكرية ضد الأكراد في شمالي سوريا، بما في ذلك عمليات "درع الفرات" (2016)، "غصن الزيتون" (2018)، و"نبع السلام" (2019). وتُهدّد تركيا باستمرار بشن عمليات عسكرية جديدة لاجتياح روج آفا، وطرد الأكراد من المناطق الحدودية، وإنشاء "منطقة آمنة" تحت سيطرتها، وبذلك يُشكّل التهديد التركي عقبة رئيسية أمام استقرار روج آفا وتطوير مؤسساتها.
_الصراعات والانقسامات الداخلية: لا يُشكّل الأكراد في سوريا كتلة واحدة، بل هناك انقسامات وتوترات داخلية بين مختلف الأحزاب والفصائل. يتمثل الخلاف الرئيسي بين PYD، الذي يُسيطر على روج آفا، والمجلس الوطني الكردي (ENKS)، الذي يتمتع بدعم من حكومة إقليم كردستان في العراق. هذه الانقسامات تُضعف الموقف الكردي بشكل عام، وتُؤثر على قدرة الأكراد على مواجهة التهديدات الخارجية وبناء نظام حكم مستقر. كما أن هناك توترات بين الأكراد والعرب في روج آفا، خاصة في المناطق ذات الأغلبية العربية، حيث يُتهم PYD بتهميش العرب وفرض سياساته عليهم.
_الوضع الاقتصادي المُتردّي: تُعاني روج آفا من أوضاع اقتصادية صعبة، بسبب الحصار الذي تفرضه تركيا وعدم الاعتراف الدولي بها. يُؤدي الحصار إلى نقص في الموارد الأساسية، ويُعيق التجارة والاستثمار. كما أن الاعتماد على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل يجعل روج آفا عُرضة للأزمات الاقتصادية، خاصة في ظل التغيرات المناخية وتراجع الإنتاج الزراعي. يُشكّل الوضع الاقتصادي المُتردّي عقبة أمام تطوير روج آفا وبناء مؤسساتها وينبغي التنويه هنا إلى أن أكراد سوريا لم تسمح لم يستفيدوا من وجود النفط بشكل مفيد بسبب تحكم الامريكيين به والسماح لقسم من الاكراد السوريين (قسد) بالاستفادة من خدمات الحراسة والوساطة التجارية التي كانت تقدمها لهم قسد فكان الامريكيون لا يعطون للأكراد أكثر من 10% من عائدات النفط ويستثمرون الباقي لمصالحهم.
_انعدام الاعتراف الدولي والوضع القانوني المُعلق: لا تحظى روج آفا باعتراف دولي ككيان مستقل، وهذا يُقيّد قدرتها على بناء علاقات دبلوماسية رسمية والحصول على الدعم الدولي. يُعتبر وضعها القانوني مُعلقا، ويرتبط بمُستقبل الحل السياسي في سوريا.
العلاقات الكردية-الإسرائيلية في سوريا: التاريخ والواقع
خلفية تاريخية: التسلسل الزمني للعلاقات الاسرائيلية – الكردية السورية
لإسرائيل تاريخ طويل من العلاقات مع الأكراد، خاصة مع أكراد العراق. في الستينيات والسبعينيات، قدّمت إسرائيل دعما سريّا لأكراد العراق في صراعهم ضدّ الحكومة العراقية، بما في ذلك تدريبات عسكرية ومساعدات لوجستية. كان هذا التعاون مدفوعاً بالمصالح المُشتركة، حيث رأت إسرائيل في أكراد العراق حليفاً مُحتملاً. تطوّرت السياسة الإسرائيلية تجاه الأكراد على مر السنين، وتأثرت بتطورات الوضع في المنطقة. مع اندلاع الحرب الأهلية السورية وصعود PYD في روج آفا، أصبحت العلاقة بين إسرائيل وأكراد سوريا أكثر تعقيداً. ونظرًا للطبيعة السرية وغير الرسمية لهذه العلاقات، من الصعب تحديد توقيت بدايتها بدقة، أو رصد جميع التطورات التي شهدتها. لكن بناء على المعلومات المتاحة، يُمكن استنتاج التسلسل الزمني التالي:
-قبل فترة 2011 ما قبل الحرب على سوريا: كانت الاتصالات بين إسرائيل وأكراد سوريا محدودة جداً، إن وجدت. كان التركيز الإسرائيلي على احتواء سوريا ودعم المعارضة الداخلية، ولم يكن الأكراد في سوريا يُشكلون أولوية في السياسة الخارجية الإسرائيلية.
- 2011 - 2014 بداية الحرب وصعود داعش: مع اندلاع الحرب وبروز الأكراد كقوة فاعلة في الشمال، ازداد الاهتمام الإسرائيلي بهم. بدأ التواصل بين الجانبين، ولو بشكل غير رسمي، خاصة في سياق الحرب ضد داعش.
- 2014- - 2017 التحالف الأمريكي-الكردي: مع تشكيل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد داعش، والذي كان الأكراد شريكاً رئيسيّاً فيه، ازدادت فرص التعاون بين إسرائيل والأكراد في سوريا، ولو بشكل غير مباشر. قدّمت إسرائيل بعض المساعدات الإنسانية للأكراد، وأعرب مسؤولون إسرائيليون عن دعمهم المبدئي لحق تقرير المصير للأكراد.
-2017 – 2024 تراجع الدعم الأمريكي والانسحاب الجزئي: مع تراجع داعش وانسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا، ازدادت التحديات التي تُواجه أكراد سوريا، وتصاعد التهديد التركي. في هذه الفترة، كان الموقف الإسرائيلي من أكراد سوريا مُلتبساً، بين الرغبة في دعمهم والحذر من استعداء تركيا.
- 2024 سقوط النظام السوري: شكّل سقوط النظام السوري نقطة تحوّل في الوضع في سوريا، وسيؤثر بشكل أكيد على العلاقة بين إسرائيل وأكراد سوريا. ازدادت التحديات التي تُواجه الأكراد، في هذه الفترة، ازداد التقارب بين إسرائيل وجماعات أخرى في سوريا، مثل هيئة تحرير الشام، مما قد يُؤثر على العلاقة مع الأكراد.
استراتيجية ومبادئ إسرائيل في العلاقة مع أكراد سوريا
يُمكن القول إن إسرائيل تتبنى مقاربة براغماتية تجاه أكراد سوريا، وهي تُحاول الاستفادة من فرص التعاون معهم دون التورط في صراعات أو تعديل التحالفات بما يضر بمصالحها الاستراتيجية. يُعتبر مستقبل العلاقة بين إسرائيل وأكراد سوريا مفتوحًا على مُختلف الاحتمالات، وسيعتمد على تطورات الوضع في سوريا والمنطقة، وقرارات قيادة أكراد سوريا نفسهم.
تتميّز استراتيجية إسرائيل تجاه أكراد سوريا بالمبادئ التالية:
_البراغماتية والمصلحة القومية: ترى إسرائيل في الأكراد شريكاً مُحتملاً في مواجهة التهديدات المُشتركة، مثل الجماعات المُسلحة المتطرفة كداعش. لكنها أيضا تُراعي حساسية الوضع السياسي والأمني في المنطقة، وتُحاول تجنّب أي خطوة قد تُؤدي إلى تصعيد التوتر أو الإضرار بعلاقاتها مع قوى أخرى، مثل تركيا والولايات المتحدة.
_الدعم المحدود والحذر السياسي: تُعرب إسرائيل عن دعم مبدئي لحق تقرير المصير للأكراد بشكل عام، ولكنها تتوخى الحذر في تعاملها مع أكراد سوريا، خاصة مع PYD، بسبب ارتباطه مع PKK الذي يعتبر العدو رقم واحد لتركيا ولطالما تجنبت اسرائيل إثارة المشاكل مع تركيا في مناطق تعتبرها تركيا من صلب نفوذها في شمال سوريا. ولنفس ذلك السبب أيضاً لم تُقدّم إسرائيل دعماً ملموساً لروج آفا، ولم تعترف بها ككيان مستقل.
_التعاون السري وعدم الرغبة في التصعيد: تركز إسرائيل على التعاون السري مع أكراد سوريا في مجالات مثل الأمن والاستخبارات، وهي تُحاول تجنّب أي خطوة قد تُؤدي إلى تصعيد النزاع مع تركيا .
لذا موقف إسرائيل مُرهون بعدة عوامل:
_تطورات الوضع في سوريا: ستُؤثر تطورات الوضع في سوريا، خاصة مستقبل روج آفا والصراع مع تركيا، على موقف إسرائيل من أكراد سوريا. إن قضية الحكم الذاتي الكردي في سوريا حساسة للغاية ومليئة بالتعقيدات السياسية. تعارض تركيا، وهي جهة فاعلة إقليمية رئيسية وعضو في الناتو، بشدة استقلال الأكراد، معتبرة إياه تهديدًا لأمنها القومي. وقد وضع هذا الاعتراض قيودًا على قدرة إسرائيل على دعم سعي الأكراد السوريين للاستقلال الكامل علانية. فإسرائيل، التي تضع في اعتبارها علاقتها مع تركيا والعواقب المحتملة لدعم استقلال الأكراد بشكل علني، ستتحرك في هذا المشهد السياسي المعقد بعناية. تمثل معارضة تركيا القوية لأي شكل من أشكال الحكم الذاتي الكردي تحديًا كبيرًا لإسرائيل في علاقتها مع الأكراد السوريين. تواجه إسرائيل معضلة شائكة، حيث تحاول الموازنة بين مخاوفها الأمنية ومصالحها الاستراتيجية مع الحفاظ على علاقات عمل مع تركيا.
_مواقف القوى الإقليمية والدولية: تتأثر الديناميات بين إسرائيل والأكراد السوريين أيضًا بمصالح القوى الإقليمية الأخرى، بما في ذلك تركيا والعراق والمملكة العربية السعودية. شكلت معارضة تركيا الشديدة للحكم الذاتي الكردي قيدًا كبيرًا على السياسة الإسرائيلية. تنظر العراق رغم علاقة حكومتها الجيدة مع الأمريكيين، إلى الأكراد السوريين حلفاء واشنطن على أنهم تهديد محتمل للعراق فيما لو أعاد اقليم كردستان العراق محاولاته بالاستقلال عن المركز حيث سيجد في الاكراد السوريين امتداداً محتملاً للإقليم المستقل الذي قد يشكله أكراد العراق. ولا يمكن الجزم مستقبلاً حول مصير السياسة الايرانية واتجاهاتها تجاه سوريا ما بعد سقوط النظام ومجيء حكم يعتبر النزعة الاستقلالية الكردية السورية تهديداً لمشروع سوريا الجديدة التي أعلن أنه ينوي توحيدها تحت الإطار الجديد الذي ترأسه هيئة تحرير الشام. في المقابل ورغم تراجع بل انعدام الوجود الايراني في سوريا تسعى المملكة العربية السعودية، التي تشاطر إسرائيل وتركيا مخاوفها من عودة إيران بصيغة جديدة إلى الساحة السورية بالتوافق مع حكامها الجدد لذا تسعى السعودية ومثلها الامارات إلى الحفاظ على درجة من الدعم للجماعات الكردية السورية. تخلق هذه المصالح الإقليمية المتنافسة شبكة معقدة من العلاقات التي يجب على إسرائيل أن تتنقل فيها في تفاعلاتها مع الأكراد السوريين. تُضيف المواقف المتباينة للقوى الإقليمية تجاه الأكراد السوريين طبقة أخرى من التعقيد إلى الوضع.
_حسابات المصلحة القومية: ستُحدّد المصلحة القومية الإسرائيلية في النهاية موقف إسرائيل من أكراد سوريا، وستُوازن بين فوائد التعاون معهم ومخاطر استعداء أطراف أخرى في المنطقة خصوصاً تركيا.
العلاقة بعد سقوط النظام
شكّل سقوط الدولة السورية برئاسة الرئيس بشار الأسد عام 2024 نقطة تحوّل في المشهد السياسي والأمني في سوريا، وأثّر بشكل مباشر على وضع الأكراد وعلاقاتهم مع القوى الإقليمية والدولية، بما في ذلك إسرائيل. أدى انهيار النظام إلى فراغ في السلطة، وتنافس بين قوى مُختلفة على ملء هذا الفراغ، مما زاد من تعقيد الوضع وغموض المستقبل. في هذا السياق، أصبحت العلاقة بين إسرائيل وأكراد سوريا أكثر التباسا، حيث تتقاطع مجموعة من العوامل المُتضاربة التي تُشكّل فرصاً وتحديات في آن واحد.
العوامل المُؤثرة:
أ)التنافس بين القوى الإقليمية على نفوذ الأكراد: قبيل أشهر من سقوط الدولة السورية، بدأت قوى إقليمية مُختلفة، بما في ذلك تركيا والقوى العربية، في التنافس على كسب ودّ الأكراد في سوريا. حيث حاول كل طرف استخدام الأكراد كأداة لتحقيق أهدافه الاستراتيجية في سوريا. هذا التنافس سيزداد حدة بعد سقوط النظام ويضع أكراد سوريا في موقف صعب، حيث سيُحاولون الموازنة بين علاقاتهم مع مختلف القوى، وتجنّب استعداء أي طرف. في هذا السياق، يُمكن أن تُشكّل العلاقة مع إسرائيل ورقة ضغط في يد الأكراد، لكسب الدعم الإسرائيلي أو استخدامه كوسيلة للتفاوض مع قوى أخرى.
ب)تصاعد التهديد التركي والبحث عن حلفاء: مع تقليص وجود القوات الأمريكية في شمال سوريا، تصاعد التهديد التركي لأكراد سوريا. شنت تركيا عدة عمليات عسكرية ضدّ الأكراد في شمال سوريا، وتُهدّد باستمرار باجتياح روج آفا. في ظل هذا التهديد المُتزايد والذي أصبح أمرًا واقعًا بعد سيطرة حلفاء تركيا على الحكم وتعزيز النفوذ التركي بشكل كبير، قد يدفع ذلك أكراد سوريا نحو التقارب مع إسرائيل بحثا عن الحماية والدعم الأمني. قد يكون هناك تعاون استخباراتي أو حتى عسكري بين الجانبين، ولو بشكل غير مُعلن. لكن هذا التقارب يُواجه تحديات كبيرة، بسبب حساسية الوضع السياسي والضغوط التركية والعربية.
ج)موقف هيئة تحرير الشام والجماعات الإسلامية: تُشكّل هيئة تحرير الشام، باعتبارها جماعة إسلامية (جذورها قاعدية)، تهديدًا لأكراد سوريا. تعارض هيئة التحرير في العلن أي علاقة مع إسرائيل رغم أنها لا تواجه الاعمال الاسرائيلية العسكرية في سوريا والتي تطورت بشكل كبير بعد سقوط النظام، وقد تتذرع الهيئة وزعيمها الجولاني إذا ما استهدفا أكراد سوريا إذا قاموا بتطوير علاقات مع إسرائيل بأنهم خانوا الانتماء والهوية السورية. وهذا يُجبر الأكراد على توخي الحذر في تعاملاتهم مع إسرائيل، وتجنب أي خطوة قد تُؤدي إلى تصعيد النزاع مع هيئة التحرير.
د)العلاقة بين إسرائيل وهيئة تحرير الشام: شهدت الفترة التالية لسقوط النظام السوري تقاربًا ولو شكلياً من جهة زعيم هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني.تجاه إسرائيل بعدما جزم في مقابلة مع صحيفة التايمز البريطانية :" بعدم السماح باستعمال الاراضي السورية لتنفيذ عمليات ضد اسرائيل" هذه المحاولة الضمنية للتقارب، من قيل القيادة السورية الجديدة وإن كانت محدودة وغير رسمية ولم تحظى برد اسرائيلي ، إلا أن تواتر هكذا اشارات واحتمال رد اسرائيل عليها مستقبلاً باشارات أيجابية مماثلة تُثير قلق أكراد سوريا، الذين يرون في هيئة التحرير تهديدًا لمصالحهم. ويرون هذا التقارب مؤشراً إلى مزاحمتهم ، أو دفعهم نحو إعادة النظر في علاقتهم مع إسرائيل.
السيناريوهات المُحتملة لمستقبل العلاقة بين إسرائيل وأكراد سوريا
يُعتبر مستقبل العلاقة بين إسرائيل وأكراد سوريا غامضًا، ويصعب التنبؤ به بدقة. هناك عدة سيناريوهات مُحتملة، تتراوح بين التقارب الحذر والقطيعة الكاملة، مرورًا بالتحالف المُؤقت أو بقاء الوضع الراهن. يعتمد مسار هذه العلاقة على تطورات الوضع في سوريا، ومواقف القوى الإقليمية والدولية، وخاصة الولايات المتحدة وتركيا، والأهم من ذلك كله، قرارات قيادة أكراد سوريا نفسهم.
_سيناريو التقارب الحذر والبراغماتي: هذا السيناريو يُعتبر الأكثر احتمالًا في الوقت الراهن. في هذا السيناريو، قد يستمر التعاون الأمني والاستخباراتي السري بين إسرائيل وأكراد سوريا، قد يتبادل الجانبان المعلومات الاستخباراتية حول أنشطة إيران وحزب الله والفصائل الشيعية التي كانت تعمل في سوريا قبل سقوط النظام نظرًا للحضور الوازن نوعًا ما في لبنان من خلال أكراد لبنان وفي العراق من خلال العلاقة مع مكونات اقليم كردستان العراق ومنظمة الـ pkk التي تتمتع بنفوذ قوي في الجغرافيتين السورية والعراقية، وقد يكون هناك تنسيق محدود بين قسد وأجهزة أمن العدو في بعض العمليات الأمنية. لكن، ستحرص إسرائيل وأكراد سوريا على إبقاء هذا التعاون سريًّا، تجنبا لإثارة غضب تركيا والدول العربية، وللحفاظ على الدعم الأمريكي. لن تكون هناك علاقات رسمية أو علنية بين الجانبين، وسيُحاول كل طرف تجنب استعداء الآخر.
_سيناريو التحالف التكتيكي والظرفي: في هذا السيناريو، إذا تصاعد النزاع مع تركيا أو مع جهات أخرى مُعادية للأكراد، مثل هيئة تحرير الشام أو فلول تنظيم داعش، قد يلجأ أكراد سوريا إلى إسرائيل كحليف مؤقت، بحثًا عن الحماية والدعم. قد يُقدّم هذا التحالف دعمًا عسكريًّا أو لوجستيًا محدودًا للأكراد، وقد يشمل أيضا تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق المواقف السياسية. لكن، سيبقى هذا التحالف هشّا، ومرهونا بتطورات الوضع في سوريا. إذا تحسّنت العلاقات بين أكراد سوريا وتركيا وينبغي التنويه إلى أن ال pyd هي الفرع السوري للpkk أقوى التنظيمات الكردية التركية . أو إذا تراجع التهديد الذي تُشكّله هيئة تحرير الشام، فقد ينهار هذا التحالف بسرعة. كما أن هذا السيناريو يعتمد على موافقة الولايات المتحدة، التي قد تُعارض أي تحالف علني بين أكراد سوريا وإسرائيل.
_سيناريو القطيعة والعداء: في هذا السيناريو، إذا قامت إسرائيل بتعزيز علاقتها مع جهات مُعادية للأكراد، مثل تركيا أو هيئة تحرير الشام، أو إذا اتخذ أكراد سوريا موقفًا مُعاديًا لإسرائيل فإن ذلك سيُؤدي إلى قطيعة بين الجانبين، وقد يتحول إلى عداء مفتوح. هذا السيناريو يُعتبر متوسط الاحتمال في الوقت الراهن.
_سيناريو الوضع الراهن والتجاهل المُتبادل: في هذا السيناريو، يستمر الوضع الراهن دون تغيير كبير. تبقى العلاقة بين إسرائيل وأكراد سوريا غير رسمية ومحدودة، ويُحاول كل طرف تجنّب استعداء الآخر. يركز أكراد سوريا على أولوياتهم الداخلية، وتجنب التورط في صراعات إقليمية. وتُحافظ إسرائيل على علاقاتها مع القوى الأخرى في المنطقة، دون إعطاء أولوية للعلاقة مع أكراد سوريا. هذا السيناريو مُحتمل إذا لم تطرأ تطورات كبيرة على الوضع في سوريا أو في المنطقة، أو إذا لم تتغير حسابات أي من الجانبين.
الخاتمة:
يُعتبر مستقبل العلاقة بين إسرائيل وأكراد سوريا مفتوحًا على مُختلف الاحتمالات. ستلعب التطورات السياسية والأمنية في سوريا، ومواقف القوى الإقليمية والدولية، والأهم من ذلك كله، قرارات قيادة أكراد سوريا نفسهم، دورًا حاسمًا في تحديد مسار هذه العلاقة. من المُرجّح أن يستمر الأكراد في توخي الحذر في تعاملاتهم مع إسرائيل، ولكن الصراع المُستمر في سوريا والتحولات الجيوسياسية في المنطقة قد تُؤدي إلى تقارب أو قطيعة بين الجانبين في المستقبل.
استنتاجات
فيما يخص إسرائيل:
1)يُمكن لإسرائيل مواصلة دعم حق تقرير المصير للأكراد بشكل عام، دون الدخول في تفاصيل العلاقة مع أكراد سوريا. هذا الدعم يُمكن أن يُعزز صورة إسرائيل في العالم، ويُحسّن علاقاتها مع الأكراد في مناطق أخرى.
2)يُمكن لإسرائيل التركيز على التعاون مع أكراد سوريا في مجالات المصلحة المُشتركة، مثل محاربة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخباراتية، دون الحاجة إلى إقامة علاقات رسمية.
3)سيواصل المسؤولون الإسرائيليون توخّي الحذر في التصريحات العامة حول أكراد سوريا، تجنبًا لإثارة غضب تركيا أو الدول العربية.
فيما يخص أكراد سوريا:
1)سيستمر أكراد سوريا في الحفاظ على البراغماتية في علاقاتهم الخارجية، وتجنب التحالفات التي قد تُعرّضهم للخطر.
2)يُمكن لأكراد سوريا الاستفادة من موقفهم الفريد في سوريا لبناء علاقات مع جميع الأطراف، بما في ذلك الدول العربية والقوى الغربية، دون الاستسلام للضغوط أو التحالفات التي قد تُقيّدهم كالعلاقة مع اسرائيل.
3)أكراد سوريا ملزمون ومضطرون لإعطاء الأولوية للاستقرار والأمن في مناطقهم، وتجنب التورط في صراعات قد تُؤدي إلى مزيد من العنف والدمار، وهذا قد يدفعهم بسبب النفوذ التركي وغياب الاتفاق على العلاقة مع اسرائيل لجعل هذه العلاقة في أسفل سلم أولوياتهم.
خلاصة
1)يُعتبر مستقبل العلاقة بين إسرائيل وأكراد سوريا مفتوحًا على مُختلف الاحتمالات. هناك عوامل قد تدفع نحو التقارب، وعوامل أخرى قد تُعيق ذلك.
2)سيعتمد الكثير على تطورات الوضع في سوريا والمنطقة، ومواقف القوى الإقليمية والدولية، وقبل كل شيء، قرارات الأكراد في سوريا نفسهم.
3)يُرجَّح أن يستمر الأكراد في توخي الحذر في تعاملاتهم مع إسرائيل، حفاظًا على مصالحهم في المنطقة، ولكنهم لن يُغلقوا الباب أمام التعاون المُحتمل في المستقبل، إذا سمحت الظروف بذلك.
4)قد تُشكّل مواجهة التهديدات المُشتركة، حافزًا للتقارب بين إسرائيل وأكراد سوريا، ولكن التحديات السياسية والأمنية لا تزال كبيرة، وتتطلب مقاربة براغماتية وحذرة من جانب كل طرف.
5)تُشير الوقائع إلى أن العلاقة بين إسرائيل وأكراد سوريا مُعقدة وغير مفهومة بشكل كامل. هناك حاجة إلى مزيد من البحث والدراسة لفهم طبيعة هذه العلاقة وتطوراتها المُستقبلية. يُمكن التركيز على دراسة مواقف مختلف الأحزاب والفصائل الكردية السورية من إسرائيل، وتحليل العوامل الداخلية والخارجية التي تُؤثر على هذه المواقف.
6)يجب فهم السياق الجيوسياسي المُعقّد في سوريا والمنطقة لتحليل العلاقة بين إسرائيل وأكراد سوريا. يُمكن التركيز على دراسة تأثير القوى الإقليمية والدولية، مثل تركيا، إيران، والولايات المتحدة، على هذه العلاقة.
الكاتب: غرفة التحرير