خلق النظام الجديد في سوريا عدة فرص إسرائيلية بدأت باحتلال أراضي سوريا جديدة بعد أن كان التواجد الإسرائيلي مقتصراً على الجولان السوري. وفي حوار مع صحيفة "التايمز" البريطانية، أكد أبو محمد الجولاني عدم نية النظام الجديد مهاجمة "إسرائيل". بناءً على ذلك يعتبر الكيان أن التطورات السورية تفتح بارقة إيجابية في المنطقة لمصلحته، فضلاً عن تقويض نفوذ محور المقاومة في سوريا.
يؤكد مقال لمعهد الأمن القومي بعنوان "التطورات في سوريا وأهميتها بالنسبة لإسرائيل"، ترجمه موقع الخنادق، أنه في حين أن التورط الإسرائيلي في الأزمة السورية يفرض مخاطر متأصلة، لكن "من الواضح أن الفرص التي يقدمها تفوق هذه المخاطر". إذ اعتبر الكاتب بأن الوضع الحالي يقدم لإسرائيل فرصة للتأثير على الواقع المستقبلي في سوريا لصالحها، بما يتجاوز تحقيق هدف الحد من النفوذ الإيراني.
النص المترجم للمقال
إن الأحداث الدراماتيكية التي تتكشف في سوريا تخلق فرصة سانحة أمام إسرائيل لتعزيز وضعها الأمني من خلال تكثيف الضرر الذي يلحق بإيران ومحور المقاومة التابع لها والسعي إلى تفتيت استمرارية المحور وجعل أي تعافٍ مستقبلي صعباً.
من وجهة نظر إسرائيل، وعلى النقيض من الحالات السابقة، فإن الأحداث في سوريا مدعومة بسلسلة من التطورات الإيجابية التي ظهرت على مدى العام الماضي. وتوفر هذه التطورات لإسرائيل الفرصة للاستفادة من إنجازاتها ضد محور المقاومة. ومع ذلك، فإن مثل هذه الخطوة تتطلب نهجا استباقياً لحماية المصالح الإسرائيلية في المنطقة - بما يتجاوز مجرد إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا. وهذا يشمل منع العناصر المتطرفة من الحصول على أسلحة استراتيجية، ووقف نقل الأسلحة، وعرقلة النشاط المناهض لإسرائيل على طول الحدود من خلال السيطرة على العناصر الإيجابية هناك. وفي حين أن التورط الإسرائيلي في الأزمة السورية يفرض مخاطر متأصلة، فمن الواضح أن الفرص التي يقدمها تفوق هذه المخاطر.
الوضع الحالي
إن إعلان المتمردين عن سقوط نظام الأسد بعد 54 عاماً من الحكم يفتح فصلاً جديداً في التاريخ السوري. ومن المرجح أن تدخل سوريا الآن في فترة انتقالية تتسم بعدم الاستقرار وصراعات السلطة، وهو ما قد يؤدي إلى عدة سيناريوهات محتملة:
- سوريا مجزأة، مع وجود قوى مختلفة تسيطر على مناطق مختلفة وتنخرط في اشتباكات متكررة؛
- اعتماد هيكل اتحادي؛
- نشوء نظام جديد في إطار سوري موحد.
إن كل من هذه السيناريوهات المحتملة من شأنها أن تشكل ضربة قوية لمحور المقاومة، على الأقل في المستقبل المنظور. فباعتباره عنصراً مركزياً في هذا المحور، كان نظام الأسد يشكل حتى الآن تهديداً استراتيجياً كبيراً لإسرائيل. وكان بناء قوة حزب الله ممكناً من الأراضي السورية. ومع ذلك، وعلى الرغم من ضبط النفس النسبي الذي أظهره الأسد على مدى العام الماضي في خضم الحرب الإسرائيلية على جبهات متعددة، فإنه لم يكن راغباً في قطع تحالفه مع إيران. ونظراً لهذه التطورات، فإن الوضع الحالي قد يمثل فرصة فريدة لإسرائيل لكسر استمرارية محور المقاومة الذي تقوده إيران، بل وحتى إنشاء هيكل بديل داخل سوريا من شأنه أن يضعف المحور بل ويفككه.
علاوة على ذلك، فإن الوضع الحالي يقدم لإسرائيل فرصة للتأثير على الواقع المستقبلي في سوريا لصالحها، بما يتجاوز تحقيق هدف الحد من النفوذ الإيراني.
ورغم أن المخاوف بشأن غياب سلطة مركزية في سوريا أو الصعود المحتمل لعناصر جهادية متطرفة بالقرب من حدود إسرائيل مبررة، فإن القدرات العسكرية لمختلف الجماعات المتمردة أدنى بكثير من قدرات إيران ووكلائها. وعلاوة على ذلك، فإن الخصم الرئيسي لهؤلاء المتمردين هو محور الأسد وإيران وحزب الله، إلى جانب عوامل داخلية أخرى في سوريا. ونتيجة لهذا، فمن غير المرجح أن تكون إسرائيل هي الأولوية القصوى لهذه الجماعات في المستقبل القريب، على افتراض أن نشاطها الواسع وسيطرتها على المناطق السورية بالقرب من الحدود لن يستمر لفترة طويلة من الزمن.
وعلاوة على ذلك، فإن المتمردين في منطقة الحدود مع إسرائيل لا ينتمون إلى جماعة هيئة تحرير الشام الإسلامية ولا يتماهون معها، بل هم بقايا الجيش السوري الحر والقوات الدرزية، التي كانت لها موقف إيجابي تجاه إسرائيل والتي تمكنت إسرائيل من "العمل معها" في الماضي.
توصيات للعمل
ينبغي لإسرائيل أن تتبنى نهجاً استباقياً في سوريا، وذلك في المقام الأول من خلال دعم الجهود الرامية إلى تغيير النظام وتعزيز الاتصال والحوار مع العناصر الإيجابية على الأرض للمساعدة في تأمين مصالح إسرائيل في المنطقة. وفي الوقت نفسه، ينبغي تأجيل المشاركة المباشرة والمساعدة العسكرية الكبيرة للعناصر ذات الصلة والتفكير فيها على أساس التطورات.
في المرحلة الأولية، فإن هدف التواصل مع العناصر المؤيدة هو التعبير عن الدعم لها والإشارة إلى أن إسرائيل تراقب الأحداث عن كثب وتشارك في هدف إضعاف محور المقاومة مع تقييم إمكانية تقديم المساعدة مع تطور الظروف.
وفي الوقت نفسه، قد تستكشف إسرائيل إمكانية تقديم مساعدات "ناعمة"، مستوحاة من مبادرة "الجيران الطيبين" من عام 2016 إلى عام 2018 عندما قدمت إسرائيل المساعدات الطبية والغذائية للسوريين أثناء الحرب الأهلية. ولا تزال الآليات اللازمة وبعض جهات الاتصال الرئيسية متاحة، مما يعني أن إسرائيل لن تحتاج إلى البدء من الصفر. وبالإضافة إلى التعامل مع مختلف اللاعبين في سوريا، ينبغي لإسرائيل الحفاظ على وجود عسكري رادع على طول الحدود ومواصلة الجهود لمنع الوجود الإيراني في المنطقة. وينبغي لإسرائيل أيضا مهاجمة الأهداف العسكرية التي تحتوي على أسلحة استراتيجية يمكن أن تقع في أيدي الجماعات المتطرفة. وفي هذا السياق، ينبغي إعادة تقييم وتجديد استراتيجية "الحرب بين الحروب".
وبالإضافة إلى الجهات الفاعلة المحلية، يتعين على إسرائيل أيضاً أن تكثف الحوار مع الدول العربية، بما في ذلك مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة، لتعزيز الوضوح الاستراتيجي وفهم أولوياتها ومخاوفها (بما في ذلك الفوضى المحتملة في سوريا وصعود الجماعات الإسلامية). وسوف يعتمد تجنيد دعم هذه الدول لنظام ما بعد الأسد على تقديم مخطط سريع وواقعي لنظام سياسي مستقر ومتفق عليه في سوريا. وفيما يتصل بالأردن، يتعين على إسرائيل أن تعمل معه للحد من التهديدات التي تواجه أمنها القومي، بما في ذلك تدفق اللاجئين السوريين، والإغلاق المحتمل للمعابر الحدودية، وانتشار العنف والإرهاب إلى الأراضي الأردنية.
خاتمة
من المرجح أن تستمر التطورات الدرامية في سوريا لبعض الوقت، في حين يظل مستقبل البلاد غير مؤكد. ومن غير الواضح ما إذا كان انهيار نظام الأسد سيؤدي إلى تفتيت سوريا إلى كيانات سياسية منفصلة و/أو مناطق نفوذ أجنبية.
لذلك، ينبغي لإسرائيل أن تتابع التطورات في سوريا بشكل مستمر في ضوء أهدافها الأساسية المتمثلة في الحد بشكل كبير من النفوذ الإيراني في سوريا، ومنع إعادة بناء قدرات حزب الله في لبنان، وحماية حدودها الشمالية من التهديدات. وفي الوقت نفسه، ينبغي لإسرائيل أن تهدف إلى تجنب الانخراط المباشر في الصدامات العسكرية داخل سوريا مع الحفاظ على التنسيق مع حلفائها، وخاصة الولايات المتحدة.
المصدر: معهد دراسات الأمن القومي
الكاتب: كارميت فالينسي