تعيش السعودية وولي العهد محمد بن سلمان أزمات وعلاقات متوترة في المنطقة، فاقتراب حسم محافظة مأرب الاستراتيجية لصالح الجيش واللجان الشعبية اليمنية والتي تعني فشل أهداف الحرب التي كلّفت بن سلمان ليس فقط على الصعيد المالي الكثير (مئات المليارات) إنما أيضاً على صورة وسمعة بلاده التي وصلت أصداؤها السلبية حتى الى من يزعم انه "حليفه الاستراتيجي" في الخليج حيث أهان الرئيس الأمريكي جو بايدن في مقابلة صحافية بن سلمان وبلاده قائلاً: "السعودية يجب أن تدفع ثمن جرائمها في اليمن، يجب أن تكون السعودية دولة منبوذة على الصعيد الدولي، ويجب ملاحقة السعوديين بتهم قتل الأطفال والابرياء"، فالواضح ان الرياض تخشى من العزلة ومن تخلٍ أمريكي عنها بدأت تتبلور ملامحه على الكثير من الخلفيات السياسية والقانونية.
تخلّي واشنطن عن السعودية كانت قد بدأت مؤشراته الصريحة في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الذي قال لمجلة "اتلنتك" "لن نخوض حربكم" – قاصداً بذلك النظام السعودي، وأيضاً أشار آنذاك الى نية الولايات المتحدة الانسحاب التدريجي من منطقة الشرق الأوسط، حيث ادعى أوباما ان المنطقة "لا تجلب الا وجع الرأس"، وأن "الأجدى للولايات المتحدة الاهتمام بالصين".
الخوف الملازم لابن سلمان من التخلّي الأمريكي عنه دفعه نحو التصعيد في الساحة اللبنانية زاعماً "مواجهة حزب الله" وإيران في المنطقة:
_ تحاول السعودية مضاعفة الضغط الاقتصادي على لبنان الذي يعاني من أزمات مالية منذ فترات طويلة بسبب الدين العام وفوائده والعديد من المسببّات الأخرى، وقد أوقفت الرياض التحويلات المالية من السعودية إلى لبنان منذ عام 2016، وانضمت الى موجات فرض العقوبات مالية على من تدعي أنهم "مسؤولين في الحزب"، عبر تجميد أصولهم وحظر تعامل السعوديين معهم على خلفية تحميلهم مسؤولية "عمليات إرهابية في أنحاء الشرق الأوسط". كما اتخذت إجراءات متشدّدة بحق كل مواطن لبناني مقيم في السعودية يُظهر دعماً بأي شكل كان للحزب الله والمقاومة.
_ انتقلت السعودية الى مرحلة محاولات خلق التوترات والتجاذبات السياسية والأمنية في الشارع اللبناني وتحميل حزب االله مسؤولية كل الأزمات التي يمر بها لبنان على عاتق حزب الله حتى "تستقصيه" البيئات والمكونات الأخرى اللبنانية، فحين أجبرت سعد الحريري، عام 2017، على تقديم استقالته من رئاسة مجلس الوزراء في بيان مكتوب تلاه عبر كلمة متلفزة من الرياض، و في نص البيان – المحضّر سعودياً - وجّه الحريري اتهامات التدخل في الشؤون السياسية في لبنان الى إيران، وقال: "تسلطت عليكم فئات لا تريد لكم الخير، دُعمت من خارج الحدود...أشير وبكل صراحة ودون مواربة إلى إيران... وجدت من أبنائنا من يضع يده في يدها...أقصد في ذلك حزب الله".
_ في عام 2019، تكشّفت خطة السعودية المُسماة "مواجهة عملاء إيران"، وتطرح فيها أفكاراً عدّة لـ "تطويق" حزب الله في لبنان، والتي تضم المحاور الأربعة الاقتصادية، السياسية، الإعلامية، العسكرية، وكانت قد قدمتها الى الولايات المتحدة الامريكية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وحرصت السعودية على ان تكون الخطة متطابقة مع "المصالح الإسرائيلية".
_ وبعدها عادت السعودية للضغط على سعد الحريري بالاستقالة في ظل تحركات 17 تشرين، وقطعت أموالها عن لبنان تحت ذرائع ما تسميه "الإصلاحات"، في مزيد من الضغط على لبنان لتحميل حزب الله مسؤولية كل الأمور المتوترة.
_ ولا تزال الرياض اليوم مستمرة في مشروعها، على الرغم من "انكفائها" المزعوم عن لبنان، حيث أظهرت خطوة تصعيدية تمثلت في سحب السفراء بين البلدين وقطع العلاقات الدبلوماسية حتى الان، والتي لم تكن بسبب كلام سابق لوزير الاعلام الحالي جورج قرداحي، بل خطوة تحمل أبعاداً كثيرة إقليمية ودولية بالنسبة للسعودية.
وأمام كل هذه المحاولات والخطوات في زعم "مواجهة" حزب الله والمخاوف من الأمريكي "المتخاذل" خاصة بعد مشهد أفغانستان، يبدو ان السعودية تتجه نحو تثبيت أواصر العلاقات و"التحالف" بينها وبين الكيان الإسرائيلي بتأكيد ان "مشروعها" يناسب والكيان وبالتالي تحاول إيصال رسالة للإسرائيلي ومن ورائه الأميركي مفادها أنها "الحليف الجدير".
وكذلك تعود اتجاهات الرياض نحو التطبيع "الرسمي" الى الواجهة من جديد مع زيارة وفد ضمَّ حوالي 20 "زعيماً" يهودياً للتوافق على توقيع اتفاقية "ابراهام"، حيث قال أحد أعضاء الوفد إنّ "السّعوديين يُعدّون شعبهم للتّطبيع مع إسرائيل".
الكاتب: غرفة التحرير