أثارت تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقابلة له مع مجلة "ذي أتلانتيك" الأميركية بلبلة في الأوساط الإعلامية والسياسية الدولية، كونه قد سجّل فيها "مواقف غير مسبوقة" حسب توصيف المتابعين.
سلسلة تصريحات طالت إيران والولايات المتحدة وكيان الاحتلال لم تكن مفاجئة بقدر ما كانت أكثر صراحة من جهة، وابتزازية من جهة أخرى. فالعلاقة ما بين الرياض وتل ابيب لم تكن خفية، أنما هذا التصريح هو الأول من نوعه لشخص بهذا المستوى من العائلة الحاكمة. إضافة لنوايا الرياض باستئناف المحادثات مع طهران بعد انعقاد 4 جلسات خلال الفترة الماضية.
بن سلمان: آمل ان نصل إلى مستقبل مشرق للسعودية وإيران
في لغة ودية تقاربية، تختلف عن سابقاتها التي اتسمت بالتهديد والوعيد وعدم القدرة على التعايش مع ايران، عبّر محمد بن سلمان عن نيته بتوطيد العلاقات مع طهران بقوله "إنهم جيراننا، وسيبقون جيراننا للأبد، ليس بإمكاننا التخلّص منهم، وليس بإمكانهم التخلّص منا، لذا من الأفضل أن نحل الأمور، وأن نبحث عن سُبل لنتمكن من التعايش". وقال"لقد قمنا أربعة أشهر بمناقشات، وسمعنا العديد من التصريحات من القادة الإيرانيين، والتي كانت محل ترحيب لدينا في السعودية، وسوف نستمر في تفاصيل هذه المناقشات، وآمل بأن نصل إلى موقف يكون جيداً لكلا البلدين، ويشكل مستقبلاً مشرقاً للسعودية وإيران".
من جهته، أعرب وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، عن ترحيبه بتصريحات وليّ العهد السعودي، بشأن الرغبة في "إقامة علاقات ثنائية"، مؤكداً أن "اختيار الرياض طريقَ الحوار يُسعد طهران...هذه التصريحات تشير إلى رغبتهم -أي السعوديين- في إقامة علاقات ثنائية مع إيران، ونحن نرحّب بذلك". مضيفاً "نحن أجرينا 4 جولات من المحادثات مع السعودية العام الماضي، وأوجدت هذه المحادثات أجواء جيدة، وحققت نتائج، وإن كانت صغيرة وقليلة. ويُسعدنا أن الرياض سلكت طريق الحوار، ونأمل أن يستمر ذلك".
بدوره رأى الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي، علي شمخاني، أنّ "حضور إيران النشط والفاعل في المحادثات الثنائية مع السعودية باستضافة العراق، ينبع من الاستراتيجية المبدئية للجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تعتمد على التعاون وإقامة العلاقات الودية مع دول الجوار على أساس ضمان المصالح الثنائية والإقليمية".
وكان وزير الخارجية السعودي قد أعلن سابقاً أن المملكة عقدت في 21 أيلول/سبتمبر أولى الجولات المباشرة مع الحكومة الجديدة في عهد الرئيس السيد إبراهيم رئيسي. فيما أفادت مصادر متابعة ان جولة محادثات خامسة مرتقبة يتم التحضير لها بين الجانبين خلال الفترة القادمة.
ابتزاز واشنطن والتلويح بالتوجه شرقاً
بن سلمان الذي يخاطب ود الايرانيين، يقوم بمحاولة لابتزاز واشنطن نتيجة "الجفاء والاقصاء" الذي أبداهما الرئيس الأميركي جو بايدن تجاه ورفضه التحدث إليه، وقد أصرّ بن سلمان في مقابلته على أن يبتز الولايات المتحدة رغم معرفته المسبقة ان ذلك محدود التأثير، لكنه ربما أراد التأثير في الرأي العام وكسب التأييد الشعبي السعودي بشكل أفضل. حيث رد على سؤال المحاور عما إذا "كان يريد أن يعرف عنه بايدن شيئاً قد لا يعرفه، أجاب: "ببساطة، هذا لا يهمني"، وأضاف أنّ "هذا الأمر يعود إليه، ومتروك له للتفكير في مصالح أميركا". ملوّحاً باستخدام خيارات أخرى كـ "التوجه شرقاً إذا أرادت أميركا تفويت ما هو مصلحة لها في المملكة"، وقال إنّ "السعودية ليست دولة صغيرة، فهي من ضمن دول مجموعة العشرين، وأسرع البلدان نموّاً في العالم، ما يدفعنا إلى التساؤل، أين تكمن الإمكانيات العالمية؟ إنّها في المملكة العربية السعودية، وإذا أردت تفويتها، هناك أشخاص آخرون في الشرق سيكونون سعداء للغاية، وفي الوقت نفسه تحاول صدّهم، أنا لا أستطيع فهم هذا".
بن سلمان: لا ننظر إلى "إسرائيل" كعدو بل حليف محتمل
وعن موقفه من تطوير العلاقات مع كيان الاحتلال أشار بن سلمان إلى "إننا لا ننظر إلى إسرائيل كعدو، بل كحليف محتمل في العديد من المصالح، لكن يجب حلّ بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك".
لم يكن مفاجئاً ما قاله بن سلمان لمن يعرف حجم التعاون الأمني والسري بين الطرفين لا سيما في الحرب على اليمن، أو عمليات التطبيع التي بدأتها دول خليجية وعربية بضوء اخضر وتنسيق مع الرياض، لكنها المرة الأولى التي يقولها مسؤول بهذا المستوى في السعودية والخليج وبصورة علنية، من هنا يُفهم سبب احتفاء الإسرائيليين بتصريحات ولي العهد السعودي. وقد نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية مقتطفات من الحوار، فيما حازت تصريحاته على اهتمام واسع في وسائل الإعلام العبرية.
وعلّق المحلل الاسرائيلي، "إيدي كوهين" قائلا: "من الآن وصاعدا كل سعودي يقول بأن إسرائيل عدو يخالف توجهات سمو ولي العهد حفظه الله ورعاه وتوجهات المملكة العربية السعودية".
السعودية أخفت أجزاءً من المقابلة وما أدهشنا جنون العظمة لديه
بعد نشر المقابلة التي لاقت رواجاً كبيراً لدى وسائل الاعلام السعودية خاصة تلك الممولة من الحكومة، كشف الاعلامي الاميركي "جرام وود" الذي اجرى المقابلة أنه قد أُبلغ من مصدرين مطلعين سعوديين بعد نشر المقابلة ان بن سلمان لن يراه ابداً بعد الآن، وان "وصوله الى السعودية انتهى".
وأضاف جرام وود"آلة الدعاية السعودية حاولت اخفاء الاجزاء غير المريحة في المقابلة، وتضخيم اجزاء أحبتّها الحكومة، وتلفيق اجزاء اخرى كثيرة... وما نشرته قناة الاخبارية من المقابلة يظهر لك ما يرغب الفريق الاعلامي لولي العهد السعودي قمعه من المقابلة".
وشرح وود تفاصيل ما حدث بالقول لقد "أعدّ السعوديون وليمة دعائية من مقابلتي من ولي العهد، وكانت دعاية مملة، حذفوا منها ما يريدون... تدّعي الحسابات السعودية اننا اصبنا بالدهشة من ذكاء ولي العهد ودفئه، لكن المقال كان واضحا، ان جنون العظمة هو ما أدهشنا فيه".
الكاتب: غرفة التحرير