الأربعاء 21 شباط , 2024 12:26

مصير الملف النووي السعودي في مهب الريح

الملف النووي السعودي

لا شك أن المملكة العربية السعودية تلعب دورا جيو سياسيا مهما في الشرق الأوسط، كما أنها لاعباً اساسياً في أي مشروع للتسوية في هذه البقعة من العالم، لكن بات المشهد السعودي أكثر تعقيداً بُعيد عملية "طوفان الأقصى" خاصة أن السعودية كانت قد قطعت أشواطاً في طريق التطبيع مع الكيان المؤقت، لكنها تبدو منكفئة، علماً أنها تخوض صراعاً كبيراً في سياساتها، في مستقبلها الاستراتيجي، وارباكاً في ملفاتها وأمنها وملفها النووي، ولكن ما هو المسار الخاص بهذا الملف؟

تبدأ القصة مع ما نشرته صحيفة الفايننشال تايمز في 27 آب 2023 تقريراً بعنوان: "السعودية تفاضل بين عرضين صيني وفرنسي للطاقة النووية في محاولة للابتعاد عن الولايات المتحدة".

أثار التقرير العديد من التساؤلات حول الملف النووي السعودي، خاصة في ظل الجدل السياسي والإعلامي حول الموضوع في كل من الولايات المتحدة والكيان المؤقت. أضف الى البطء والتلكؤ الأميركي في تقديم الدعم للسعودية لمباشرة عملها في مشروعها النووي، وايضاً اعتراض الكيان المؤقت على قيام السعودية بأي نشاط نووي، ولو كان سلمياً، بزعم أن ذلك يهدد أمنها؛ لكن ذلك ممكناً إذا ما تم تطبيع السعودية معها، على غرار ما تم مع دول في المنطقة عام 2020، أي الخضوع للمنطق الابتزازي الصهيوني المعروف.

تكمن أهمية تقرير الفايننشال تايمز في تأكيده على أن العرضين المقدمين للسعودية "يختصان بالحصول على امتياز بناء محطة للطاقة النووية، وأنهما ضمن عروض مختلفة من عدة دول، بينهما روسيا أيضاً، وأن السعودية تسعى للابتعاد عن الولايات المتحدة الأميركية، وتحالفها الأمني والاستراتيجي مع واشنطن"؛ مما يعني أن المملكة لا تعير آذاناً صاغية للاعتراض الأميركي والإسرائيلي، وأن المسار النووي السعودي ماضٍ لاستكمال رحلته، الى محطته الأخيرة في الحصول على الطاقة النووية.

لقد سعت السعودية منذ عام 2008 الى الاستفادة من الطاقة النووية، فبادرت الى اتخاذ الخطوات اللازمة لبناء قدراتها النووية، مستفيدة مما أُقر في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، والتي أعطت للدول الموقعة عليها، من حق امتلاك الطاقة النووية السلمية بدعم ومساندة المجتمع الدولي والدول النووية المتقدمة في هذا المجال.

 كانت الخطوة الأولى في التوجه السعودي النووي، أن قامت الرياض بتوقيع مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة الأميركية لبناء برنامج نووي مدني، واعتبر جزءاً من برنامج "الذرة من أجل السلام"، الذي أطلقه الرئيس الأميركي الأسبق "دوايت ايزنهاور" عام 1953، والذي أدى الى تأسيس "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" عام 1957.

واجهت السعودية صعوبات دولية وإقليمية مع إعلانها عزمها على تنفيذ طموحاتها النووية، وتعرضت لكثير من المعوقات لوقف أهدافها الاستراتيجية. لكنها استمرت وأصرت على ذلك.

بدأ العمل السعودي، فصدر مرسوم ملكي ينص على عزم المملكة الاستعانة بالطاقة النووية عام 2009، وتم في العام 2010 الإعلان عن إنشاء "مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة"، كما اهتمت رؤية 2030 بالطاقة النووية واستخداماتها المستقبلية في السعودية. وفي 24 تموز 2017 وافق مجلس الوزراء السعودي على إنشاء "المشروع الوطني للطاقة الذرية" لتنفيذ مندرجات رؤية 2030 حول مستقبل الطاقة في السعودية.

وفي عام 2018 استضافت "مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية" بعثة الاستعراض المتكامل للبنية الأساسية النووية، كما تفحصت المواقع التي تم تحديدها لإقامة مفاعلات نووية.

وفي كانون الثاني 2019 أكدت المملكة أن برنامجها النووي سيبدأ بمفاعلين، ويبلغ مجموعهما 3 – 4 جيغا واط. وقال وزير الطاقة السعودية الأمير عبد العزيز بن سلمان في أول ظهور له بصفته وزيراً للطاقة في أيلول 2019: "سنمضي بحذر... سنجرب مبدئياً بمفاعلين نوويين".

وفي 11 آذار 2022 تم الإعلان عن تأسيس "الشركة السعودية القابضة للطاقة النووية".

لكن الولايات المتحدة بدأت بوضع العقبات والعراقيل، بدءاً بالتلكؤ في تقديم الدعم الفني الخاص ببناء المفاعلات النووية الذي يبدو واضحاً.

كما فرضت على السعودية توقيع اتفاق التعاون السلمي الأميركي الذي يمنع الدول الموقعة عليه من إنتاج الوقود النووي لمفاعلاتها داخل أراضيها، وأن تقوم باستيراده من قبل الولايات المتحدة، لمنع تحويله الى أغراض عسكرية.

وقامت الإدارة الأميركية بدعوة بعض الإعلاميين الأميركيين المؤثرين إلى ربط الدعم النووي الأميركي للسعودية بتطبيع العلاقات مع الكيان المؤقت.

اليوم ومع التطورات في غزة ولبنان، نرى تريثاً سعودياً في ملفاتها الإقليمية وانفتاحاً على إيران، لكن في ظل شبه أزمة في العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، مما يثير الشكوك والتساؤلات حول مصير المشروع النووي السعودي...فكيف سيواجه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هذه التحديات والضغوط؟


الكاتب:

نسيب شمس

-كاتب وباحث سياسي




روزنامة المحور