الخميس 17 آذار , 2022 08:28

الحروب ومخاطر الاسلحة الكيميائية

جنود روس مزودون بأقنعة واقية من الغازات

الحرب هي صراع بين طرفين أو أكثر، ويستخدم كل طرف وسائله في الظرف والمكان المناسبين له لإلحاق الهزيمة بقوة الخصم أو سياسته أو أهدافه.  والحرب الكيميائية هي إستخدام علم الكيمياء لتصنيع مواد تركيبية سامة، لتسميم الهواء والبيئة والغذاء، وللفتك بالفرد والجماعة، بهدف تدمير القوى البشريّة والذاتية والمعنويّة للعدو وإخراجها من حسابات المواجهة.

اليوم مع استمرار العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن "وجود شبكة تتألف من 30 مختبراً بيولوجياً في أوكرانيا، تعمل على تعزيز خصائص الامراض الفتاكة"، ما أعاد الى الأذهان مخاطر الحروب الجرثومية والبيولوجية والكيميائية.

بدأت استخدامات الحرب الكيميائية قبل العلم الحديث، ومنذ بدء التاريخ المكتوب، بإستخدام النار والدخان، والسموم وبعض الأساليب الأخرى للتغلّب على الخصم. ففي  فترة 431-404 قبل الميلاد، في الحرب البيلوبونية (Peloponnesian) التي دارت رحاها بين إسبارطة وأثينا، تم حرق الكبريت مع القار (Pitch) حيث نتج عنه غازات خانقة.

وفي العام 200 قبل الميلاد انسحب هنيبعل القرطاجي أمام أعدائه تاركاً وراءه كميات كبيرة من الخمرة بعد أن وضع فيها جذور الماندراغورا (Mandragora) وهذا النبات له  تأثير مخدّر، فلما نام اعداؤه بعد شرب الخمرة عاد إليهم وفتك بهم جميعاً.

كما سجل التاريخ خليطاً سريع الإشتعال من المواد الكيميائية سميت بالنار اليونانية تمّ اكتشافها سنة 670م واستخدمت كمشعل على الأرض وفي البحر لقرون عديدة حتى العصور الوسطى.

وفي سنة 1456م لم يستطع العثمانيون احتلال مدينة بلغراد، نظراً لأن أهل المدينة كانوا يغمسون الخرق بالمواد الكيميائّية ويطلقونها على العثمانيين فكانت تنتج غازات سامة من هذا الإحتراق.

وفي سنة 1701م، في الحرب البولونية السكسونية استخدم الملك شارل الثاني المواد الكيميائية في عبور نهر ديفانا (Dvina) وأحرق كميات كبيرة من القصب لتبقى مشتعلة، لتنشر غاز أكسيد الكربون ويسمم أعداءه ويشاهد تحركاتهم النور المنبعث من الإشتعال.

نفذ الجيش الفرنسي واحدة من أكبر الهجمات الكيميائية حصدا للأرواح عام 1845م خلال احتلال الجزائر، حيث حبس نحو ألف سجين أمازيغي في إحدى المغارات وقام بتسميمهم جميعا.

بدأ أول إستعمال للحرب الكيميائية في القرن العشرين من قبل ألمانيا في الحرب العالمية الأولى في بولندا ضد الجيش الروسي وذلك بتاريخ 31 كانون الثاني/يناير1915م، وكان تأثير المواد المستعملة ضعيفاً جداً. وفي 22 آذار/ مارس إستخدم الألمان الحرب الكيميائية بشكل واسع على جبهة عرضها ستة كيلومترات مع الفرنسيين، أُطلق ما وزنه مائة وثمانين طناً من غاز الكلور في ستة آلاف بالون كان نتيجتها إخراج حوالي خمسة عشر ألف جندي فرنسي من الجبهة. وفي 25 آب/أغسطس 1916م أطلق الإنكليز الغازات السامة أول مرة على الجيش الألماني. وأستخدم في الحرب العالمية الأولى 135 ألف طن من المواد السامة بين الدول المتحاربة الكبرى.

كما استخدم الجيش الأميركي غاز النابالم خلال حرب فيتنام، والذي أسفر عن حروق في البشرة، إلى جانب آثاره الكبيرة على الحيوانات والحشرات والبيئة، كما أدى إلى حرائق كبيرة بالبلاد.

وفي عام 1988م، في زمن صدام حسين، سقط أكثر من 5 آلاف شخص جلهم من الأطفال والنساء، إثر هجوم للجيش العراقي على مدينة "حلبجة".

وبعد 12 عاما من المفاوضات، اعتمد مؤتمر نزع السلاح اتفاقية الأسلحة الكيميائية في جنيف في 3 أيلول/سبتمبر 1992م. وتتيح هذه الاتفاقية التحقق الصارم من امتثال الدول الأطراف لها. وفتح باب التوقيع على الاتفاقية في باريس في 13 كانون الثاني/يناير 1993م، وبدأ نفاذها في 29 نيسان/أبريل 1997م. واتفاقية الأسلحة الكيميائية هي أول اتفاق على نزع السلاح يجري التفاوض بشأنه في إطار متعدد الأطراف وينص على القضاء على فئة بأكملها من أسلحة الدمار الشامل، في ظل رقابة دولية تطبق على الصعيد العالمي.

وعلى سبيل التحضير لبدء نفاذ هذه الاتفاقية، أنشئت لجنة تحضيرية تحضيرية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وأنيط بها تهيئة إجراءات مفصلة للتنفيذ، وإيجاد الهياكل الأساسية اللازمة للوكالة المنفذة الدائمة المنصوص عليها في الاتفاقية. مع بدء نفاذ اتفاقية الأسلحة الكيميائية في 29 نيسان/أبريل 1997م، أنشئت رسميا  منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

وتقع الأمانة الفنية لهذه المنظمة في لاهاي بهولندا. وقد انضم إلى الاتفاقية حتى الآن 189 دولة تمثل ما يقرب من 98 في المائة من سكان العالم.

الجدير بالذكر، أنه لم تحظر اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية الغازات التي تُستخدَم لمكافحة الشغب (لأنها لا تنطبق على إنفاذ القانون المحلي)، إذ إنها تُستخدم في الكثير من الأحيان لإحداث آثار مدمرة. وتشمل آثارها المؤقتة البكاء، إرماش العينين الخارج عن السيطرة، الحرقة في الحلق، العطس، السعال، التقيؤ، وفي بعض الأحيان العمى المؤقت.





روزنامة المحور