يواجه العالم في الوقت الحالي، بوادر نشوء تحالفات وتكتلات اقتصادية، بعيدة بشكل لافت عن الولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر الغربي، قوامها ثلاث تغيرات جيواقتصادية، تؤسس حتماً لعالم اقتصادي متعدد الأقطاب.
التغير الأول من خلال إنشاء "مجموعة الثماني الجديدة" والتي تضم أربع دول من البريكس (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين)، بالإضافة إلى إيران وإندونيسيا وتركيا والمكسيك. والثاني هو اعتماد الصين لاستراتيجية جديدة تدعى بالـ"الحلقات الثلاث" لتطوير علاقاتها الجيواقتصادية مع جيرانها وشركائها. أما التغير الثالث فهو من خلال تطوير مجموعة بريكس +، أو بريكس الموسعة، لكي تضم بعض أو كلّ أعضاء "مجموعة الثماني الجديدة"، والذي سيتم مناقشته في القمة القادمة للمجموعة في الصين.
وبالتزامن معها، تشهد دول العالم أزمتي طاقة وغذاء حادتين، ستؤكد لمواطني الدول كافة، ما شهدوه في أزمة جائحة كورونا أيضاً، أن النظام العالمي ذات القطب الواحد الأمريكي، لن يكون مآله سوى الدمار والخسائر على كل المستويات: صحياً، اقتصاديا، أمنياً،....
ومن جهة أخرى يتزامن ذلك أيضاً، مع افتتاح ممر النقل الدولي متعدد الوسائط وذو الأهمية الجيوسياسية الهائلة بين الشمال والجنوب، الذي يربط بين روسيا وإيران والهند، بحيث تصبح مدة النقل بين موانئ سانت بطرسبرغ الروسية وتلك الهندية حوالي 25 يوما. ما يفتح طريقاً بديلًا رئيسياً لمسار الشحن المعتاد، من آسيا إلى أوروبا عبر قناة السويس.
مجموعة الـ 8 الجديدة
بسبب تفكك العلاقات الاقتصادية بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، ومن خلفها باقي دول الثمانية الكبار، اقترحت روسيا تشكيل مجموعة ثماني جديدة. فبحسب رئيس مجلس الدوما "فياتشيسلاف فولودين"، فإن اقتصادات أمريكا واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا مستمرة في الانهيار، تحت ضغط العقوبات المفروضة على روسيا. كما أن انهيار العلاقات الاقتصادية الحالية من قبل واشنطن وحلفائها، قد أدى إلى تشكيل نقاط نمو جديدة في العالم. وعلى رأسها الدول الثمانية التي لا تشارك في حروب العقوبات على روسيا: الصين والهند وإندونيسيا والبرازيل والمكسيك وإيران وتركيا، والتي تتفوق إذا أضفنا إليها روسيا بنسبة 24.4 % على مجموعة الثماني القديمة، من حيث الناتج المحلي الإجمالي في تعادل القوة الشرائية.
الحلقات الصينية الثلاث
يعتقد المفكرون الاستراتيجيون الصينيون أن أزمة أوكرانيا قد كشفت بأن القومي لبلادهم لا يتحقق إلا من خلال سياسية جديدة تدعى بالحلقات الثلاث:
_الحلقة الأولى هي شرق آسيا المجاورة للصين، وآسيا الوسطى والشرق الأوسط، والتي تعاونت الصين معها. والتي تشكل تقسيمًا صناعيًا وثيقًا للعمل، وحصلت من خلاله الصين على إمدادات طاقة مستقرة وحاجز أمان موثوق.
_الحلقة الثانية هي الدول النامية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية -، والتي تتبادل معها الصين المواد الخام والسلع الصناعية وتساعد على تنميتها.
_الحلقة الثالثة تمتد إلى البلدان الصناعية التقليدية، وخاصة في أوروبا وأمريكا.
وتشكل الحلقة الأولى المفتاح لبناء الصين لنظام دولي جديد "ثلاثي الحلقات"، يؤمن للصين ودول الحلقتين الأولى والثانية، تعاوناً ونمواً اقتصاديا لافتاً. ولكن من أجل زيادة تعزيز استقلالية هذه الدول الاقتصادية والسياسية، يجب عليهم التخلص من اعتمادهم المالي والنقدي على الدول الغربية. لذلك يجب عليهم أيضًا تطوير تعاون مالي ونقدي على مستوى أعلى وأوسع نطاق فيما بينهم، والذي من الممكن جداً أن نشهده في الفترة القريبة المقبلة.
الكاتب: علي نور الدين