في الوقت الذي ينهمك العالم في لملمة تداعيات الأزمة الاقتصادية الناتجة عن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا عقب عمليتها العسكرية في أوكرانيا، تستعد الصين إلى سيناريو مشابه، وسط تزايد الطروحات التي تضع تايوان في واجهة أحداث المرحلة المقبلة.
هذا السيناريو لم يكن في يوم من الأيام مفاجئاً بالنسبة لبكين، فالعملاق الاقتصادي العالمي لديه خياراته التي يستطيع فرضها أيضاً، وأوراق القوة التي عمل على تجميعها وتحشيدها منذ زمن بعيد.
مؤخراً، اقترح نائب رئيس لجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية، فانغ شينغهاي، "تسريع تدويل اليوان للتحضير لمخاطر الفصل المالي القسري". ورأى بأن "مكاسب السلام قد انتهت. وبالتالي، حان الوقت لأن تستعد الصين لفصل كامل". في حين ان الأصوات الأكثر اعتدالاً في البلاد اعترفت بدورها بالتغيرات العميقة في العلاقات بين واشنطن وبكين ودعت إلى "الاستعداد للأسوأ والسعي نحو الأفضل".
عام 1999، أعلن محافظ بنك الصين الشعبي آنذاك، داي شيانغ لونغ، ان "النظام المالي العالمي الحالي بحاجة إلى الإصلاح لأن دور العملة الاحتياطية الدولية الذي لعبته العملة الوطنية لبضعة بلدان كان مصدراً رئيسياً لعدم الاستقرار"، وبناء على ذلك عمل صناع القرار في بكين على اصلاح النظام المالي خاصة بعد الأزمة المالية التي شهدتها آسيا نهاية تسعينيات القرن الماضي، سعياً للتخلص من هيمنة الدولار الأميركي.
المتخصصة في الاقتصاد السياسي، زونغيوان زوي ليو، قالت ان أحد الأساليب الرئيسية لاستراتيجية الصين الدفاعية ضد الاحتواء الغربي المتصور في بناء نظام تجارة السلع العالمية القائم على اليوان، وتعزيز قوة الصين في تجارة الموارد العالمية، ومركزها المالي العالمي. وتسرد عدداً من الأوراق التي يمكن لبكين ان تستخدمها في استعدادها لمواجهة الحرب الاقتصادية المتوقعة وربما القريبة، ضدها:
-قبول روسيا وإيران وأنغولا ونيجيريا، وهم كبار موردي النفط للصين، باليوان كعملة في تجارة النفط. حيث أطلقت بورصة شنغهاي الدولية للطاقة عقود شنغهاي الآجلة للنفط الخام القائمة على اليوان في سنة 2018. وفي نيسان/ أبريل 2021، بلغ إجمالي حجم التجارة للعقود الآجلة للنفط باليوان 44 تريليون يوان (6.7 تريليون دولار أمريكي)، مع عملاء من 23 دولة ومنطقة.
-فتح خيار أمام مصدري النفط قائم على إمكانية المصدرين تحويل عائداتهم النفطية باليوان إلى ذهب في بورصات الذهب في شنغهاي وهونغ كونغ. وتشير قابلية التحويل البيني إلى أن الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، لديها بنية تحتية محلية كاملة لتجارة النفط بشكل غير مباشر باستخدام الذهب. وهذا يمثل بداية بدائل التسعير لسلعة عالمية رئيسية.
- باستطاعة الاستفادة من التحول الحالي في مجال الطاقة لتطوير "الغازيوان"، لمحاكاة البترودولار. ومثلما تعتمد الدول المنتجة للنفط على عائدات الدولار التي لا يمكن إنفاقها بحرية في أي مكان آخر، فإن الدول المنتجة للغاز مثل روسيا وإيران يمكن أن تعتمد على اليوان.
-مع بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لم تباشر الصين بتقديم الدعم المادي لها، لكنها بالمقابل ضاعفت وارداتها من الغاز الطبيعي المسال من روسيا في شباط/ فبراير. ويمكن القول إن القوة الجيواقتصادية التحريفية الجماعية للصين وروسيا وإيران أقوى بكثير من منظمة أوبك.
-في حال أردنا توقع السيناريو الأسوأ لحرب مالية، مثل اشتباك عسكري حول تايوان، يمكن لبكين أن تنفذ إجرائيين انتقاميين هجوميين: تعطيل سلاسل التوريد العالمية وحصر الوصول الأجنبي للموانئ التجارية الخاضعة لسيطرة بكين.
قد يكون ارتفاع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي باعتباره وقوداً انتقالياً في التحرك نحو صافي الانبعاثات الصفرية وفصل أسعار الغاز عن أسعار النفط يوفران أيضًا ظرفًا كلياً سليمًا لظهور الغازيوان. ومع ذلك، لن يكون من السهل على اليوان أن يصبح بسرعة العملة المهيمنة ويشكل تهديدا حقيقيًا لهيمنة الدولار.
الكاتب: غرفة التحرير