الخميس 22 نيسان , 2021 04:31

تأثير الأزمة السورية على العلاقة الروسية الاسرائيلية

بنيامين نتانياهو وفلادمير بوتين

أدرك الكيان الاسرائيلي أهمية العلاقات مع روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، فعملت حكومات الكيان المتعاقبة على تطوير هذه العلاقة في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية، فنجحت في ذلك إلى حد بعيد، ولعبت روسيا دورًا في التحكم في الصراع العربي الإسرائيلي، وهو دور كانت “إسرائيل” تُرحب به دائمًا، على اعتبار أنه لم يكن ضاغطًا عليها في يوم من الأيام.

 أدى انهيار الاتحاد السوفياتي الى تراجع الدور الروسي دوليًا كما تراجع دورها في الشرق الأوسط على حساب تنامي الدور الأميركي، حتى تاريخ بدء الازمة السورية عام 2011 التاريخ الذهبي بالنسبة لروسيا من أجل العودة بقوّة إلى الشرق الأوسط، فوقفت إلى جانب النظام السوري ودعمته سياسيًا وعسكريًا، واستخدمت حق النقض (الفيتو) عدة مرات في مجلس الأمن لإجهاض قرارات تُدين ممارساته، وصولًا إلى التدخّل العسكري المباشر في سوريا في أيلول/ سبتمبر 2015.

في سوريا، لم تُغفل روسيا مصالح “إسرائيل”، كما لم تُغفل الأخيرة أن روسيا دولة كبرى تُصرّ على أن يكون لها وجود ونفوذ في شرق المتوسط، فبُنيت العلاقة تدريجيًا كشراكة مصلحية بينهما في سوريا، وصار التنسيق بينهما حيويًا لضمان مصالحهما في المنطقة عمومًا، خاصة في المجال العسكري والأمني، فلا تُمانع “إسرائيل” النفوذ القوي لروسيا في سوريا، ولا تعترض روسيا على استخدام “إسرائيل” الأجواء السورية لضرب القوات الايرانية و حلفائها، وساهمت السياسة الأميركية الغامضة والسلبية المنكفئة نسبيًا في رفع مستويات التنسيق بين البلدين، أو ربما كان الأميركيون موافقين على هذا التنسيق على أن يكون ضمن حدود متفق عليها.

مع اندلاع الحرب في سوريا، كان هناك قلق لدى الكيان الاسرائيلي من حدوث خلل أمني يؤثر على امنها القومي كما يدعي دائما رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي زار موسكو في أيار/ مايو 2013، ثم أتبعها بزيارة ثانية في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه، ثم زادت وتيرة الزيارات، وبعد التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا قام نتنياهو بزيارة إلى روسيا في أيلول/ سبتمبر 2015، مع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، هرتسي هليفي، ورئيس هيئة الأركان، غادي إيزنكوت، وكان هدف اللقاء التنسيق بين البلدين عسكريًا، خاصة لجهة عدم التصادم و لإيصال وجهة نظر “إسرائيل” بأنها لن تسمح لإيران و(حزب الله) بنقل أسلحة عبر الأراضي السورية على حد زعمه.

كرّت سبحة زيارات نتنياهو إلى روسيا، فزارها مع رئيس الكيان الاسرائيلي روبين ريفلين أربع مرات في العام 2016، وفي عام 2017، وفي شباط/ فبراير 2019، وكان الهدف الأساس من جميع هذه الزيارات هو بحث الملف السوري والتدخل الروسي في سوريا وحماية مصالح “إسرائيل” في هذه المنطقة الجغرافية من العالم.

 بعد التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا، بدأت “إسرائيل” بشنّ هجمات جوية على عشرات المواقع التابعة لقوات النظام السوري وقصفت مستودعات وحمولات عسكرية في مطار دمشق وغيره، ولم يحل الوجود الروسي في سوريا من قيام “إسرائيل” بمئات الطلعات الجوية التدميرية فوق الأجواء السورية، وهذا يدلّ على تفاهم ضمني كامل بين الطرفين على أحقية “إسرائيل” بعمل ما تراه مناسبًا لأمنها، وعلى حرص روسيا على عدم المساس بالمصالح "الإسرائيلية" التي حددها نتنياهو.

وفي هذا الإطار، قال عاموس يدلين رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (آمان) إن التدخل الروسي في سوريا قلَّص مساحة المناورة العسكرية الإسرائيلية المسموح بها في المجال الجوي السوري، في المقابل لا تمنع روسيا “إسرائيل” من قصف سوريا من خارج الحدود، وهذا الكلام دليل ضوء أخضر روسي لـ “إسرائيل” لتفعل في سوريا تقريبًا ما تريد لحماية أمنها.

من هنا لا تبدي "إسرائيل" قلقًا حقيقيًا من الوجود العسكري الروسي، إذ لا توجد نوايا عدائية لروسيا تجاه "إسرائيل"، لكنها ترغب في تبديد مخاوفها وضمان مصالحها الأمنية، مع خشيتها من تأثير انتشار القوات الروسية على حرية العمل العسكري الإسرائيلي في الأجواء السورية، إذ إن إسرائيل تتواجد باستمرار في الأجواء السورية لأهداف عملياتية واستخبارية، وتريد ترتيب هذا التواجد بحيث لا يتصادم مع النشاط الروسي بعد قيام الأخيرة بنصب منظومات رادار وأنظمة دفاعية.

لا تبدو العلاقات الروسية الإسرائيلية مميزة ولا سيئة، فكلاهما يتعامل بمنطق الانتهازية والمصالح المشتركة، فعلاقتهما جافة ينتابها أحيانًا بعض التوتر والتباين في العديد من الملفات، كالقضية النووية الإيرانية، والتوجه الروسي لتزويد كل من إيران وسوريا بالسلاح، لكن علاقتهما تبقى عموما جيدة.

صحيح أنه يوجد تفاوت كبير في النظرة الروسية والإسرائيلية حيال نظام الأسد، فروسيا تعده آخر ما تبقى لها من مصالح استراتيجية في حوض البحر المتوسط، وفي المقابل إن ظهور سوريا مجزأة ولا مركزية وعاجزة عن أداء وظائفها بعد الأسد هو النموذج المفضل بالنسبة للكيان الاسرائيلي.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور