"أسأل الله أن يوفقني للقاء سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (ع)، هذا الإمام العظيم الذي علّم جميع الأحرار كيف ينتقمون من ظالميهم، إنني إن شاء الله بعد قليل من هذه الكلمات، سوف ألقى الله معتزاً، مفتخراً، منتقماً لديني ولجميع الشهداء الذين سبقوني على هذا الطريق.
بعد قليل، سوف أثأر لجميع المظلومين والمستضعفين من أبناء جبل عامل وأبناء الانتفاضة في فلسطين المغتصبة، سوف أنتقم لجميع المعذبين في الشريط المحتل المعذب، إنني إن شاء الله مجاهد من مجاهدي المقاومة الإسلامية، تلك المقاومة العظيمة التي لم ترهبها طائرات العدو ولا دباباته وكل الأسلحة التي يمتلكونها، ولا كل الدعم الذي يتلقونه من دول الكفر كافة".
بهذه الكلمات وجه الشهيد صلاح غندور "ملاك" نداءه قبيل توجهه للشهادة، ففي عصر يوم الثلاثاء في الخامس والعشرين من نيسان 1995، اقتحم الشهيد صلاح قافلتين اسرائلتين في بلدة بنت جبيل وذلك عند مدخل ما كان يسمى بمركز الـ 17 في "صف الهوا" الذي يضم مبنى قيادة عمليات اللواء الغربي ومبنى الادارة المدنية ومبنى قيادة المخابرات التابع لجيش الاحتلال الاسرائيلي. وكان من المقرر أن تكون العملية يوم الاثنين في الرابع والعشرين من نيسان، إلا ان الخوف من وقوع مدنيين أثناء التنفيذ حال دون ذلك فأرجئت لليوم التالي.
وقد اسفرت العملية عن تدمير جزئي لمبنى الادارة المدنية واصابة مبنى اللواء الغربي بأضرار جسيمة إضافة إلى تدمير خمس آليات، ذابت اثنتان منها كليا بفعل قوة الانفجار، فيما تناثر عدد كبير من جثث جنود الاحتلال في دائرة الانفجار، وقد سمع دوي الانفجار على مسافات شاسعة في المنطقة المحتلة وفي المناطق المحررة المواجهة لها.
لكن من هو صلاح غندور؟
إنه صلاح محمد علي غندور من مواليد كفرملكي في السابع عشر من أيار لعام 1968. أمضى صلاح السنوات الخمس الأولى من عمره في مسقط رأسه، ثم انتقل مع والديه إلى الإمارات العربية؛ حيث كان يعمل والده وهناك أمضى عدّة سنوات، درس فيها المرحلتين الابتدائية والمتوسطة. ومطلع العام 1984، عادت العائلة إلى لبنان بُعيد الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان، ومنذ ذلك التاريخ، بدأ يتردّد إلى المسجد، ويُقبل على الدروس الثقافية، ويستمع إلى المحاضرات الدينية، ولم يمضِ على قدومه إلى الوطن سوى عام واحد، حتى انخرط في صفوف المقاومة الاسلامية (حزب الله) لتبدأ مسيرته الجهادية الطويلة.
في بداية عمله، كُلّف الشهيد من قِبل القيادة العسكرية في حزب الله بالعمل في بيروت، ونتيجة لطبيعة عمله صار يودّع رفاقه الواحد تلو الآخر، إلى أن استشهد رفيق دربه غسّان علوية بداية العام 1987. شهادة علوية أثرت كثيرًا بصلاح،ودفعته للانضمام إلى العمليات ليكون مقاتلاً في الصفوف الأمامية.
في أواخر العام 1986، انضم إلى صفوف المجاهدين في منطقة بنت جبيل فأظهر قوّة تحمل كبيرة، ومثابرة، وشجاعة، إضافة إلى الكفاءة العالية في كافة الأعمال القتاليّة. وفي مجال تهذيب النفس، تنقل عنه زوجته "على الرغم من انهماكه في أداء واجبه الجهادي، لم يُغفل الشهيد صلاح يوماً أداء المستحبات الدينية من صلاة وصيام، كان محبّاً لتلاوة القرآن، متعلّقاً بقراءة دعاء كميل، شديد المواظبة على زيارة الإمام الحسين (ع)، وكثير التردد الى المسجد".
وفي ذكرى أسبوعه وجه الأمين العام لحزب الله نداءًا للشهيد صلاح لا يزال صداه يتردد حتى اليوم لما فيه من دلالة على الروحانية والوجدانية التي كان يتميز بها الشهيد وأن دماءه كانت بداية للانتصار "حدّثهم يا صلاح عن القلوب الوالهة التي تتأوه ليل نهار شوقا الى اللقاء وحنينا الى عالمهم، حدثهم يا صلاح عن الأرواح المولعة التي تتجلجل في أنحاء الجسد السجن يعذبها أسر الدنيا ويفرحها الاذن، الاذن بالخروج من لائحة الاستشهاديين المكتوبة بالحبر الى عالم الاستشهاديين المصنوع بالدم، قل لهم يا صلاح ان الأمل كبير وكبير جدا وان النصر الذي حلموا به هم نراه نحن مقبلا وآتيا لا محالة بك انت بمن مضى قبلك وباللاحقين بك، وان غدا لناظره قريب".
الكاتب: غرفة التحرير