تعتبر معركة "الشجاعية"، شرق قطاع غزّة، من الأحداث التي أخذت بالساحة الفلسطينية نحو منعطف جديد من العمل العسكري المنظّم ضد كيان الاحتلال وأعلنت دخول مرحلة جديدة من الصراع مع الاحتلال، كما شكّلت إحدى أهم شرارات انطلاق انتفاضة الشعب الفلسطيني الأولى (انتفاضة الحجارة) مع كلّ ما حملته تلك المرحلة من أبعاد وتداعيات لا تزال مؤثرةً الى اليوم.
تشكّلت أولى الخلايا العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي من محمد الجمل، سامي الشيخ خليل، زهدي قريقع، أحمد حلس. وتجدر الإشارة الى ان الشيخ خليل والجمل هما من الأسرى الذين انتزعوا حريّتهم من سجن "غزّة المركزي" في أيار / مايو من العام 1987 في عملية هروب كبيرة ونوعية قادها الشهيد مصباح الصوري.
عملت المجموعة على التخطيط لتنفيذ العمليات العسكرية ضد الاحتلال، بالإضافة الى التخطيط لعمليات استشهادية. الا أنه في السادس من شهر تشرين الأول / أكتوبر من العام 1987، تقدّمت المجموعة بسيارةً باتجاه شمال القطاع، وتدعي صحيفة "معاريف" العبرية أن أحد الجنود نقل أنه "عند الساعة التاسعة مساءً رأيت سلاحًا في يد شاب بجانب سائق سيارة بيجو 504 فيها ثلاثة ركاب أثاروا الشك لدى قوات الأمن، تم الطلب منهم التوقف ولم يستجيبوا فقامت القوات بمطاردتهم، وهربت السيارة في الشوارع الفرعية بالشجاعية، وصولًا إلى الشارع الرئيسي المؤدي إلى حاجز نحال عوز، وقبل الحاجز بـ 300 متر كان هناك حاجزًا للجيش وحرس الحدود ورجال الأمن الذين تعرضوا لإطلاق النار من ركاب السيارة لحظة اقترابهم منها لفحصها، فأصيب رجل الشاباك فيكتور أرجوان بصدره فجثا على ركبتيه ميتاً".
استمرت المجموعة بالاشتباك من مسافة صفر مع جنود الاحتلال الى أن استقدم الجيش التعزيزات من وحدات وطائرات، وأدت المعركة الى ارتقائهم جميعاً شهداء. وقد زعمت "معاريف" ان الجيش عثر خلال التفتيش في أغراضهم على مواد قتالية مختلفة.
تكمن أهمية هذه العملية، ربما ليس في الإمكانات العسكرية للمجموعة، بل في إخراج مشهد جديداً أمام الاحتلال تمثّل بالصدام الأمني والمسلّح، وقبلها كان العمل يدخل عنق الزجاجة ويعاني من إحباطات متعددة. جاءت العملية لتحيي العمل المسلّح ضد الاحتلال وسط فترة من خيبة الأمل الفلسطينية في الواقع العربي الرسمي في تلك الأيام.
لم تكن عملية "الشجاعية" هي الوحيدة التي نفذتها هذه المجموعة، فقد سبقتها سلسلة من العمليات وضعت الساحة الفلسطينية على سكّة الانتفاضة. وقد ذكر قائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال آنذاك، اسحق مردخاي، أن "الخلية التي منها اثنين من الهاربين من سجن غزة لها علاقة بالعملية التي أطلق فيها 17 رصاصة اتجاه سيارة إسرائيلية قرب جباليا حيث أصيب اثنين أحدهم جندي إصابات خطيرة"، مشيراً إلى أن الجيش "يبحث في علاقة هذه الخلية بالحادثين الخطيرين اللذين حدثا مؤخرًا في القطاع وهما مقتل جليل غروسي في شهر مايو ومقتل قائد الشرطة العسكرية رون طال في شهر أغسطس من نفس العام". وكان الشهيد الصوري هو المسؤول عن قتل الضابط "طال".
ومنذ تلك العملية عبّرت "معاريف" عن خشيتها من تصاعد عمليات المقاومة، اذ أشار الى أن "قوات الأمن تخشى من تصاعد المواجهات في غزة... وتوقعت أن يتم استغلال هذه العملية للتحريض على المواجهة، لا سيما أن المواجهات اندلعت في كافة أنحاء القطاع عقب مقتل كوادر الجهاد الإسلامي الذين يسكن أحدهم في رفح والثلاثة الآخرين في حي الشجاعية".
وهو ما حدث بالفعل حيث انطلقت انتفاضة فلسطينية، على مدى 7 سنوات متواصلة، كانت الأولى من نوعها، تميّزت بالعمل المسلّح على امتداد الأراضي الفلسطينية المحتلّة وتطوّر الخلايا العسكرية ونهوض الهيكلية الأولى للعديد من الفصائل الفلسطينية.
الكاتب: غرفة التحرير