ورثَت الولايات المتحدة بعد حرب فيتنام جيشاً مدمناً على المخدرات، بعد أن وصل حجم الاستهلاك إلى 225 مليون حبة مخدرة خلال 3 سنوات. كانت الرغبة في زيادة التركيز واللعب على العامل النفسي للجيش أمراً مثيراً لا يُقاوم. بعد أكثر من 59 عاماً، أصبحت واشنطن أمام حرب من نوع آخر، بعد ان تجاوز عدد وفيات الجرعات الزائدة الـ 90 ألف خلال عام 2020، واحتلت المرتبة الأولى في قائمة الدول المستوردة للمخدرات على مستوى العالم.
وصل عدد متعاطي المخدرات إلى 32 مليون شخص خلال عام 2021. وبحسب المركز الوطني لإحصاءات تعاطي المخدرات NCDAS، تعد الماريجوانا والميثامفيتامين العقاقير الأكثر شعبية. ووفقاً لأحدث الاحصائيات التي أصدرها مركز إدارة أزمة المخدرات، لعام 2019، فإن 13٪ من المدمنين الأمريكيين تبلغ أعمارهم 12 عاماً.
لماذا يُقدم هؤلاء على التعاطي؟
لا يرتبط ارتفاع معدل تعاطي المخدرات بفئة الشباب أو الفقر. اذ تكشف الاحصائيات ان المتعاطين من جميع الأعمار ومستويات الدخل. وتقف عدة عوامل وراء انتشار هذه الآفة وبشكل متزايد. ولعل أبرزها ان المخدرات قد أصبحت أكثر تطبيعاً في الثقافة الأميركية. يشيع تعاطي المخدرات في الأفلام ومقاطع الفيديو الموسيقية ووسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام بشكل عام. إضافة لوجود عدد كبير من المشاهير والمؤثرين الذين يُعَامَلون كنماذج يحتذى بها، منفتحون بشأن تعاطيهم للمخدرات، والماريجوانا تحديداً، بل ويروجون لها أيضاً.
بلغ حجم الانفاق الفيدرالي لمكافحة المخدرات للسنة المالية 2022 بحوالي 41 مليار دولار أمريكي. بينما يعتقد مراقبون ان التمويل المطلوب لعامي 2023 و2024 يجب أن يكون أعلى بكثير. فيما يصل حجم الخسائر الناتجة عن التعاطي إلى أكثر من 740 مليار دولار سنوياً.
عام 1970، بدأ الرئيس، ريتشارد نيكسون، ما أسماه "حرباً على المخدرات"، وعيّن أول مسؤول عن متابعة هذه الملف، بقرار أنتج نظاماً وطنياً للعيادات التي لا تقدم الميثادون (مسكّنات) فحسب، بل تقدم أيضاً الاستشارات والبرامج والخدمات الاجتماعية. تم تخصيص ما يقرب من 12% من ميزانية مكافحة المخدرات في البلاد لهذه المبادرة و70% ذهبت إلى إنفاذ هذا القانون. بعد أشهر، استقال نيكسون من منصبه، ليكمل الرؤساء من بعده (رونالد ريغان، بيل كلينتون وجورج بوش) المسار نفسه. لم يمض وقت طويل، حتى حُوّلت هذه الميزانية إلى الشرطة والسجون والاجراءات الآيلة لضبط المتعاطين دون التوجه لطرق العلاج.
بعد مرور 6 عقود على هذه التجربة، تثبت الأرقام المرتفعة لمتعاطي المخدرات حجم الأزمة التي تعاني منها الولايات المتحدة اليوم. وتقول المديرة التنفيذية في تحالف سياسة المخدرات، (وهي منظمة وطنية غير ربحية تعمل على إنهاء الحرب على المخدرات)، كاساندرا فريدريك، ان "حرب المخدرات هي سياسة فاشلة والأشياء التي قالوا إنها ستحدث - سيتوقف الناس عن تعاطي المخدرات، وسنكون آمنين- كل هذه الأشياء لم تحدث".
انقسام حول حظر المخدرات!
اللافت ان حظر المخدرات لا يحظى بتأييد الأميركيين ولا يُعد نقطة التقاء واجماع بينهم. اذ برزت في السنوات الأخيرة أصوات مناهضة لجهود الحظر ومطالبة بتشريع مختلف العقاقير المخدّرة. ويعتبر الاتحاد الأميركي للحريات المدنية (الذي يعرف بالدفاع عن الشذوذ الجنسي والاجهاض...) ان تكاليف الحرب على المخدرات أكبر بكثير من تشريعها. ويبرر هؤلاء موقفهم بالذرائع الآتية -نورد هذه الأسباب بحسب ما جاء في المناظرات-:
-عندما تكون المخدرات غير قانونية، لا يمكن للحكومة سن معايير للجودة تلزم التاجر والمتعاطي بنوع محدد.
-الإبر القذرة: من المعروف أن الإبر غير المُعقّمة تنقل فايروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) بين متعاطي المخدرات عن طريق الحقن الوريدي. ومع ذلك، يتقاسم متعاطي المخدرات الإبر لأن القوانين التي تحظر حيازة أدوات المخدرات، جعلت الإبر سلعة نادرة.
-قلة موارد العلاج: إن تخصيص مبالغ طائلة من المال لإنفاذ القانون وتطبيقه يقلل من الأموال المتاحة للتثقيف بشأن المخدرات والبرامج الاجتماعية الوقائية والعلاج.
-ازدياد في حوادث إطلاق النار وارتفاع معدل العنف: بنفس الطريقة التي غذى بها حظر الكحول العصابات العنيفة في عشرينيات القرن العشرين، أدى حظر المخدرات اليوم، إلى ظهور ثقافة إطلاق النار من السيارات وغيرها من الجرائم المتعلقة بالأسلحة. وكما أن معظم أعمال العنف في عشرينيات القرن العشرين لم يرتكبها أشخاص كانوا في حالة سكر، فإن معظم العنف المرتبط بالمخدرات اليوم لا يرتكبه أشخاص مدمنون على المخدرات.
-أمّة من السجانين: إن عقلية "السجن" في الحرب على المخدرات قد أثقلت كاهل نظام العدالة الجنائية في الولايات المتحدة إلى نقطة الانهيار. واليوم، تستهلك أجهزة إنفاذ قوانين المخدرات أكثر من نصف موارد الشرطة على الصعيد الوطني، وهي موارد يمكن إنفاقها بشكل أفضل في مكافحة جرائم العنف مثل الاغتصاب والاعتداء والسرقة.