الثلاثاء 15 آب , 2023 12:38

كارميت فالينسي: التأثير السلبي للتقارب السوري العربي على الكيان المؤقت

العلم السوري في دمشق

"كارميت فالينسي" باحثة في معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، ومديرة برنامج أبحاث سوريا، ومحررة التقييم الاستراتيجي. متخصصة بشؤون الشرق الأوسط المعاصرة والدراسات الاستراتيجيّة والمفاهيم العسكريّة والإرهاب، وقد ظهر عملها في هذه المواضيع في منشورات أكاديمية ومهنية. شاركت في تأليف كتاب قداس سوري: الحرب الأهلية وما بعدها (مطبعة جامعة برينستون، 2021).

فالينسي حاصلة على دكتوراه في العلوم السياسية في جامعة "تل أبيب"، مع التركيز على "الجهات الفاعلة المختلطة" مثل حماس وحزب الله والقوات المسلحة الثورية لكولومبيا، وحاصلة على بكالوريوس في تاريخ الشرق الأوسط والعلوم السياسية، وماجستير في الدراسات الدبلوماسيّة من جامعة تل أبيب.

في 2010-2011 كانت باحثة في برنامج Fox Fellowship في الدراسات الإقليمية والدولية في جامعة Yale، عملت مستشارًا أول في سلاح المخابرات، وعملت كمحللة في مركز دادو للدراسات العسكرية متعدد التخصصات التابع لجيش الدفاع الإسرائيلي.

تضم هذه الورقة قراءة في فكر "كارميت فالينسي" حول التأثير السّلبي لعودة الرئيس بشار الأسد إلى جامعة الدول العربيّة على الكيان المؤقت، انطلاقًا من رصد ومعاينة سبع أوراق بحثيّة تنوعت بين مقالات ودراسات ومقابلات، تضم آراء وتحليلات خلال فترة زمنيّة منذ منتصف عام 2022 حتى منتصف عام 2023، منشورة في وسائل الاعلام ومراكز الأبحاث الأجنبيّة والعربيّة. هذه القراءة تعكس موقف الكيان المؤقت تجاه سوريا من خلال تصريحات "كارميت فالينسي"، حول ضبابيّة الموقف من الرئيس الأسد رغم عودته إلى جامعة الدول العربيّة واستمرار حضور الإيراني في سوريا.

في كتاب "قداس سوري: الحرب الأهليّة وما بعدها"، يقدم كبير المفاوضين الإسرائيليين مع سوريا في منتصف التسعينيات "إيتامار رابينوفيتش" و "كارميت فالينسي" رؤية لسياسات الشرق الأوسط، بتقييم أدوار المصالح المحلية والإقليمية والعالمية في حرب سوريا. حيث أرست الانقسامات الطائفية المحلية خطوط الصدع في الصراع الأولي، مما أدى في النهاية إلى صعود تنظيم الدولة الإسلامية الوحشي، وسرعان ما أصبحت سوريا مسرحًا لحرب بالوكالة بين القوى الإقليمية المتصارعة، بما في ذلك إسرائيل وتركيا وإيران. في الوقت نفسه، بينما حاولت الولايات المتحدة المنهكة من الحرب الحد من مشاركتها العسكرية في غرب آسيا، استعادت روسيا نفوذها الإقليمي من خلال دعم قوات الحكومة السورية، أيّ سرد تاريخ مضغوط وثابت للحرب التي كانت مقدمة غزو روسيا لأوكرانيا.

إذ ترجح مديرة المشروع البحثي حول سوريا في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة "تل أبيب"، "كارميت فالنسي" أن تترك الحرب في أوكرانيا آثارًا سلبية على سوريا وحاكمها بشار الأسد علاوة على فتح فرص جديدة لإسرائيل داخل الأراضي السورية. وتقول فالنسي إن "المشي بين النقاط" أم الوقوف "في الجانب الأسلم من التاريخ"، في توصيف السجال الإسرائيلي الأخير من عام 2022 للمعضلة المرتبطة بالسياسة الإسرائيلية المرغوب فيها حيال الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

وبرأي فالنسي، تكمن جذور هذه المعضلة في الرغبة الإسرائيلية لتجنُّب استفزاز الروس الذين أصبحوا أساسا، في سوريا، وقد يعرّضون للخطر حرية الحركة التي يتمتع بها سلاح الجو الإسرائيلي في مساعيه لمنع التموضع العسكري الإيراني في الأراضي السورية. مقابل أنّ إسرائيل تتوق لتكون جزءاً من العالم الغربي وعضواً في مجموعة الدول الديمقراطية، لذلك لا تستطيع اتخاذ موقف يتعارض مع قيم هذا العالم، ومع مَن يقف على رأسه، الولايات المتحدة بصورة أساسية.

وتعتقد الباحثة الإسرائيلية أن المعادلة الماثلة أمام إسرائيل هي أن الضغط الأمريكي و/أو الإسرائيلي على روسيا قد يعود بالضرر على المصالح الإسرائيلية في سوريا. وهو ما يثير التخوف من احتمال تقييد حرية النشاط الإسرائيلي في سماء سوريا بفعل ردة فعل متطرفة واستثنائية من جانب روسيا، عبر إسقاط طائرة إسرائيلية مثلاً، أو صدور تهديد وتنديد روسيين غير مسبوقين بحق إسرائيل، على الأقل. ومع ذلك، ترى أنّه ينبغي عدم الانجرار في تصوير روسيا وكأنها دولة عظمى قادرة على كل شيء تقريباً، والاعتقاد أن مصير إسرائيل في الجبهة الشمالية مرهون برحمتها.

ترجح فالنسي أن معادلة الردع أصبحت متبادلة، إذ لا توجد أي مصلحة لروسيا في فتح جبهة إضافية جديدة مقابل إسرائيل، مضيفة أنّ الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل ضد أهداف إيرانيّة تعود بالنفع على موسكو أيضاً، حيث تتنافس مع إيران على التأثير والسيطرة في سوريا. مستندة بذلك على عدم إصدار موسكو أيّ ردة فعل غير عادية على خمس غارات على أهداف سورية، نُسبت إلى إسرائيل خلال شهر شباط من عام 2022. بل أعلنت روسيا، بالتوازي مع العمليات العسكرية، أنّ التنسيق مع إسرائيل في المجال الجوي السوري سوف يستمر، لدرجة أنّ إسرائيل شنّت هجمة عسكريّة جديدة على أهداف في سوريا بعد ساعات من تقدير فالنسي.

ترى فالنسي أنّ إعلان "بشار الأسد"، حليف روسيا، تأييد الإجراءات الروسيّة أمر غير مفاجئ، لكن رغم ذلك تفترض أن وراء تعابير التعاطف الذي أبداه الأسد، تخوفًا جديًّا في غرف المداولات في دمشق من انعكاسات الحرب في أوكرانيا على الدولة السورية الهشّة في العديد من الجوانب والمستويات والمجالات الاقتصادية والعسكرية. وتحذر فالنسي من انعكاسات دبلوماسية سلبية، لأنّ مثل هذا التطور لن يكون في مصلحة النظام السوري الذي يصارع لترسيخ الاستقرار في أنحاء الدولة، وقد تكون للحرب في أوكرانيا انعكاسات على مكانة الأسد الدبلوماسية أيضًا. فقبل سنة واحدة تقريبًا (2021)، كان الأسد بمثابة "منبوذ" حسب تعبيرها، بينما شرعت بعض الدول العربية في مساعٍ لتطبيع العلاقات مع النظام والاعتراف بشرعيته، لكّن التحالف المتين مع بوتين، الذي يُعتبر اليوم، عدواً للعالم الغربي، لا يخدم الأسد في هذه الفترة، بل قد يعود بضرر وخيم على محاولاته الرامية إلى الفوز بالشرعية الإقليمية والدولية. 

وقد أكدت فالنسي أنّه حتى بعد حصول بشار الأسد مجدداً على الاعتراف الإقليمي العربي، دمشق لم تفرض أي قيود على نشاطات إيران في الأراضي السورية، وأنّ إيران تواصل "التموضع العسكري" في سوريا، وتستمر بالتسلّح ونقل السلاح عبر الأراضي السورية إلى "حزب الله" في سوريا ولبنان. وبيّنت أن إسرائيل ترى عودة سوريا إلى الجامعة العربية بعد 12 عامًا تحمل في طياتها بعض التأثيرات السلبية لها، وأنّ الأسد بات أكثر قبولاً في الساحة الإقليمية ما قد يدفع أطرافًا إقليمية للضغط على إسرائيل لتجنب أو الحد من أنشطتها العسكرية في سوريا، خاصة ما يتعلق بمنشآت النظام السوري.

شددت فالنسي أنّ لا شيء يغير الوضع في سوريا أو حرية عمل إسرائيل، داعية الدول العربية إلى أن تكون أكثر حزمًا وتوجيه مطالب أكثر وضوحًا للأسد مقابل لكل هذه الهدايا التي يحصل عليها، لافتةً إلى أنّ الهدف يتمثل في تعطيل المشروع الإيراني الذي أسسه قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني، مؤكدة على جدوى الضربات الجوية الإسرائيلية خلال هذه "الحرب الطويلة"، التي يطلق عليها الجيش الإسرائيلي اسم "المعركة بين الحروب"، في حين لا تعترف إسرائيل رسميًا بشن هجمات جوية في سوريا.

تعتبر فالنسي أنّ الأسد بعودته الى الجامعة العربية حصل على الاعتراف الجديد بمنصبه وعودة العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات، وحتى بعض التمويل الاقتصادي، بحيث ستستثمر الدول العربية مليارات الدولارات في عملية إعادة الإعمار في سوريا، وربما الضغط على الولايات المتحدة وأوروبا لرفع العقوبات عن نظام الأسد. مقابل أنّ الأسد لم يقدم تنازلات، لأنّه يؤمن أنّ التنازل يعني الضعف لذلك يجب مواصلة سياسته لجنيّ الثمار من كلا الطرفين-حسب تعبيرها- لذا لم يتراجع عن علاقاته مع إيران، إذ باستطاعته الحفاظ عليها والحصول على تمويل لإعادة الاعمار من الدول العربية.

علمًا أنّ الولايات المتحدة مصممة على المضي قدما في العقوبات الاقتصادية، لذا فإنّ خيار توفيرها التمويل لإعادة الاعمار في سوريا مستبعد برأيها، فاللقاءات الأخيرة لعام 2023 بين إيران ونظام الأسد ركّزت على دورِ طهران المستمرّ في سوريا، وتساءلت عن الخطوات الإيرانيّة القادمة في ظلِّ تغيّر الموقفِ الروسي في سوريا، وأنَّ إيران باتت تدعم عودة نظام الأسد للجامعة العربية بعد المصالحةِ مع دول عربيّة، وأنّ نظامَ الأسد وإيران يريدان زيادة التجارة والبناء على العلاقات القائمة في القطاع الزراعي وقطاعات الطاقة.

في الختام يبدو واضحًا تحذير الباحثة الإسرائيلية من هذا الجدل الجاري وغموض المواقف فيما يخص الشأن السوري والإيراني، وعدم الاستهانة بأهميّة العلاقة مع روسيا التي يستند عليها الأسد، مقابل عدم التغافل عن موضوع النشاط الإسرائيلي في سوريا، إذ أنّه وعلى الرغم من قوّة المساومة الحاضرة إلّا أنّها لا تقل عن المخاطر. 


الكاتب: مريم أخضر




روزنامة المحور