الثلاثاء 12 أيلول , 2023 03:59

المناورات العسكرية الأرمنية الامريكية: واشنطن تريد اشعال القوقاز؟

جندي أرمني ومن خلفه جندي أمريكي

بدأت أرمينيا بالأمس الإثنين، مناورات عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية، في خطوة أثارت حفيظة العديد من الدول، وفي مقدمتهم روسيا، حول ماهية قرار الحكومة الأرمنية وتوقيته، وما يعطيه من فرصة للإدارة الأمريكية في العبث بمنطقة جنوب القوقاز، التي قد لا تؤثر على روسيا فقط بل وعلى الجمهورية الإسلامية في إيران أيضاً.

وعلّلت وزارة الدفاع الأرمينية في منشور لها على منصة "إكس" (تويتر سابقا)، بأن مناورات "إيغل بارتنر 2023" العسكرية (التي تستمر حتى الـ 20 من شهر أيلول / سبتمبر الحالي)، تأتي في إطار الاستعدادات للمشاركة في بعثات حفظ السلام الدولية. وأضافت بأن المناورات ستتضمن عمليات تهدف إلى تحقيق الاستقرار في مناطق الصراع أثناء تنفيذ مهام بعثات "الخوذ الزرقاء" (أي القوات التابعة للأمم المتحدة).

وقد كشفت قيادة الجيش الأمريكي في أوروبا وأفريقيا في بيان لها، بأن التدريبات ستضم حوالي 85 جندياً أمريكياً، إلى جانب حوالي 175 جندياً أرمنياً، في مركزي "زار" و"أرمافير" للتدريب الواقعين قرب العاصمة الأرمنية "يريفان".

القلق الروسي

إجراء الحكومة الأرمنية هذا، استدعى في المقابل سلسلة ردود روسية، عبر تصريح المتحدث الخاص باسم الكرملين "ديمتري بيسكوف"، الذي وصف بأن المناورات تدعو للقلق، وبأن حكومة بلاده ستدرس الأمر بعمق، معتبراً أن المناورات تشكل تهديدا للاستقرار في منطقة القوقاز، ونتيجة لذلك فإنها تعطل استقرار الوضع أو تعزيز الثقة المتبادلة في المنطقة. مؤكداً بأن بلاده ستواصل القيام بواجباتها خاصةً لجهة دورها كضامن لأمن المنطقة رغم انتقادات أرمينيا.

أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فقد اعتبر بأن روسيا لا ترى "شيئا جيدا في محاولات دولة عدوانية (الولايات المتحدة الأمريكية) عضو في حلف شمال الأطلسي للتوغل في القوقاز".

واستدعت وزارة الخارجية الروسية الجمعة الماضي سفير أرمينيا لديها، منددة بما وصفته بالإجراءات غير الودّية.

فرئيس الحكومة الأرمني "نيكول باشينيان" في الأيام السابقة، أطلق تصريحات غير مألوفة في مسار العلاقات ما بين يريفان وموسكو، حينما قال في حديث مع صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية بأن موسكو "إما عاجزة عن السيطرة على ممر لاتشين أو أنها لا تريد ذلك". معتبراً بأن اعتماد بلاده الطويل الأمد على روسيا لضمان أمنها كان "خطأ استراتيجيًا"، وهذا ما يعدّ تحوّلا كبيرا في السياسة الخارجية الأرمنية.

لماذا تشعر موسكو بالقلق؟
تمتلك روسيا قاعدة عسكرية في أرمينيا، وتعتبر نفسها القوة المهيمنة في منطقة جنوب القوقاز، التي كانت جزءا من الاتحاد السوفيتي حتى عام 1991. لذلك كانت أمريكا وما تزال، تبحث دائمًا عن طرق في القوقاز لتحدي نفوذ روسيا التاريخي في المنطقة، بهدف أن تكون على الحدود مع روسيا والسيطرة على الدول الصديقة لموسكو.

لكن البعض يحجّم دور هذه المناورات في الصراع الأمريكي الروسي بالقول بأن الأميركيين ليس لديهم القدرة العسكرية المماثلة للتي لديهم في أوكرانيا وجورجيا، من حيث القواعد الاستشارية والتدريبية والتجهيزية في أرمينيا، في حين تتركز جميع منشآتهم في سفارتهم في يريفان. وبالتالي سيصعب على القوات الأمريكية في المدى المنظور، تهديد روسيا عسكرياً انطلاقاً من أرمينيا. كما أن هذه المناورات لن يتخللها تدريبات ميدانية وتحركات على الأرض، بل ستقتصر على إجراء الورش والاجتماعات بالمعدات البصرية والنظرية بين وحدات المعينة من الجانبين. ولذلك يفترض هؤلاء بأن هدف هذه المناورات يرتبط بعدة نقاط مهمة:
1)سعي رئيس الوزراء الأرميني لتعزيز الدعم العسكري القوي في مواجهة الأزمة الحدودية التي لا نهاية لها مع أذربيجان.
2)محاولة النظام الأرميني أخذ العصا من المنتصف دون أن يدير ظهره لروسيا أو يعلن العداء للغرب في نفس الوقت.

يريفان ستزعج طهران أيضاً

لكن بطبيعة الحال، وعلى الرغم من إشارات الإيجابية التي تحاول يريفان بثّها، والتخفيف من التداعيات السلبية لهذه المناورات، إلّا أنها بذلك لن تغامر في جعل مناخ العلاقات الأرمينية الروسية صعباً فقط، بل ستكون بذلك تهدد العلاقات مع إيران أيضاً.

مع العلم والإشارة، بأن الجمهورية الإسلامية دائماً ما كانت تتخذ مواقف داعمة للسلطات الأرمنية، ووصل بها الأمر عدّة مرات الى التهديد بشكل علني، بأنها لن تتسامح أبدا مع السياسات والبرامج التي تؤدي إلى إغلاق الحدود بين إيران وأرمينيا (مشاريع تركية أذربيجانية).

لذا فإن من حق إيران القلق أيضاً، لأنه ربما تريد أمريكا حالياً إشعال النار في هذه المنطقة، من أجل أهدافها وأغراضها الخاصة (إشغال أهم أعدائها وخصومها بالتوترات مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية العام المقبل).

أما بالنسبة لأرمينيا، فمن المستغرب كيف ما يزال رئيس حكومتها باشينيان يعوّل على دعم عسكري أمريكي لبلاده. مع أن العالم كلّه بات مقتنعاً بأن الأميركيين لم يكونوا قط حلفاء صادقين ومخلصين لأصدقائهم المقربين. وبالتالي ليس هناك ما يضمن أنهم لن يتخلوا عن أرمينيا، كما تخلوا عن أفغانستان والعديد من البلدان الأخرى.


الكاتب: غرفة التحرير

الكاتب:

علي نور الدين

-كاتب في موقع الخنادق.

- بكالوريوس علوم سياسية.

 




روزنامة المحور