الجمعة 15 تشرين أول , 2021 03:10

قلق كردي من الإنسحاب الأميركي من سوريا

الهام احمد

بعد عودتها من الولايات المتحدة الأميركية في تشرين الثاني، نوفمبر من العام 2019، الهام أحمد رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية [مسد] قالت في لقاء صحفي معها، إن قوات الإدارة الذاتية أو قوات سوريا الديمقراطية [قسد] يجب ان تحافظ على خصوصيتها ضمن الجيش العربي السوري، بمعنى أن تكون العلاقة قانونية مع وزارة الدفاع السورية ولكن تحت الإدارة الذاتية. مما يعني ذلك أن مسد سائرة وخاصة بعد إعادة تموضع القوات الأميركية في شمال شرق الفرات في العام 2018، باتجاه إقامة الإدارة الذاتية.

في العام 2019، كان الإنطباع السائد أن الجيش الأميركي باق للأبد في العراق وفي شمال شرق سوريا، ولم يكن أكراد الإدارة الذاتية الملتحفون بالعباءة الأميركية يتصورون تغيير حالة الوضع الراهن التي ألفوها. في تلك المرحلة شجع الجانب الأميركي بحسب الهام احمد، المفاوضات مع الدولة السورية، وهذا ليس بالأمر الغريب. اذ أن إطالة أمد المفاوضات، ولو حتى برعاية روسيا، باب أمل بالنسبة للأميركي للحصول على مكاسب عبر مسد وقسد وأخواتهما، ومبرر من أجل تضييق الخناق على الدولة السورية وتشديد الحصار عليها، وإذا استطاعت يمكنها الإحتفاظ بمجموعة من الخونة ذوي الأجندات الخاصة للتعامل معها كمجموعات للضغط على الدولة السورية حتى بعد خروجها من سوريا والعراق. وأن أمريكا تعلم جيداً أنّها لا تستطيع البقاء في سوريا إلى الأبد.

ومن المعروف أن كلّا من الأوروبيين والأميركيين سعوا لإنشاء دولة كردية أو إدارة ذاتية في مناطق من شمال سورية مثل عفرين وجرابلس وعين عرب ودارة عزة، وإن كانت في مدن متفرقة. والهدف المرجو منها هو إقامة مراتع صهيونية متفرقة، ومؤتمر أربيل للسلام ليس إلا مثالاً عما تهدف إليه إقامة الإدارات الكردية المتفرقة في سوريا والعراق.

كردستان التاريخية لم تكن تمتد إلا ضمن مثلث ضيق في شمال العراق، وتقع معظمها ما بين إيران وتركيا في جبال زاغروس. ولم يمتد التواجد الكردي في المنطقة العربية إلا في أواخر الدولة العباسية، وبعد انهيارها واستيلاء الأيوبيين على السلطة، مما أدى إلى انتشارهم في مناطق عدة، ولكن هل هذا يعطي الحق لكل من انتشر او تمدد أو لجأ إلى دولة أخرى أن يطالب بكيانات مستقلة عن الدولة المضيفة؟ والأكراد يطالبون بثلاث مناطق للحكم الذاتي في سوريا في عفرين وشرق الفرات والجزيرة السورية، وقد حاول هؤلاء في العام 2017 التمدد من أجل وصل هذه المناطق وإنشاء منطقة حكم ذاتي تصل ساحل البحر المتوسط. وهذا ما قطعت دابره سوريا عندما قامت بتحرير منبج والرقة وقطعت الطريق على كل من الأتراك والأكراد. اذ كان كل منهم يحاول وصل مناطق نفوذه من الموصل في العراق شرقاً، حتى مرتفعات كنسبا على سواحل المتوسط غرباً.

الهام أحمد، المنفتحة على الحوار مع الدولة السورية بضمانة دولية في لقاء معها على "روسيا اليوم" في شهر آب الماضي، تحدثت عن زياراتها إلى فرنسا التي ساعدت في تدريب وتسليح قسد، وتحدثت عن الحاجة للتغيير في بنية الدستور السوري وبنية الأجهزة الأمنية في سوريا، وهو ما يطالب به الأميركيون. هذا التغيير الذي يراد منه أن يتحول ليصبح مصدر أمن وآمان لكيان الاحتلال الاسرائيلي، ومنها إنشاء إداراة ذاتية، قد تطالب بخصوصية علاقاتها مع دول مختلفة تعتبرها دمشق عدوة لها. وهنا نعود إلى مؤتمر السلام في أربيل مرة أخرى مع العلم أن عناصر الموساد متواجدة في كل من كردستان العراق والمناطق التي يحتلها الأمريكيون في شمال شرق العراق، وتعامل الإدارة الكردية معهم بات حقيقة ثابته، ومنذ عشرات سنين.

في آب الماضي وخلال خطابه في مجلس الوزراء الجديد، تحدث الرئيس السوري بشار الأسد حول مفهوم اللامركزية الإدارية في سوريا، ووجوب تطبيقه. وهو أمر تحاول مسد البناء عليه من أجل تطبيق الإدارة الذاتية. وشدد الرئيس السوري في أكثر من موقع ومقال على أن أيّ حلّ سياسي سيكون في إطار وحدة سوريا، ورفض أيّة أجندة إنفصالية. وهذا هو التغيير الذي تطالب به "أحمد"، أي تشريع الأجندات الإنفصالية، مع أنّها تسعى في الآونة الأخيرة إلى إنشاء هياكل إدارات على نمط الحكومات المحلية، كما أنّها تسعى إلى افتتاح ممثليات لها في الخارج. وقد رفض مسؤول حكومي محلي من مدينة الحسكة في حديث له لجريدة الأخبار أي تأويل لكلام الرئيس الأسد، وأن ارتباط مليشيا قسد بالأميركي يقطع الطريق أمام أي حوار معهم.

هذا الإرتباط بالأميركي عادت وأكدت عليه الهام أحمد في أكثر من موقع إخباري وتلفزيوني، وبعد زيارتها إلى موسكو، حيث اتجهت منها إلى واشنطن في السابع من هذا الشهر، وأكدت أن الولايات المتحدة قدمت "التزاماً واضحا" إلى أكراد سوريا بالحفاظ على تواجدهم في بلدهم ودعمهم اقتصادياً، وذلك بعد لقاءات عقدتها مع مسؤولين من البيت الأبيض والكونغرس والخارجية الأميركية والبنتاغون، خاصة بعد القلق الذي انتاب الأكراد بسبب الإنسحاب الأميركي من أفغانستان. وعاد الحديث عن محاربة داعش ليطفوا على السطح، وقالت أن الأميركيين قد أوضحوا كل شيء. وفي المقابل طالب فيصل المقداد، وزير الخارجية السوري، واشنطن بسحب قواتها من بلاده، محذراً من أنّ تواجدها العسكري هناك قد ينتهي بالنتيجة نفسها التي حصلت في أفغانستان.

ما تتخوف منه الإدارة الذاتية بعد الإنسحاب الأميركي هو أمران، الأول ضياع حلمها في إقامة إدارة مركزية في شمال شرق سورية، وهو مطمع قديم حديث، والأمر الثاني محاولة تركيا لشن هجوم على قسد والتي تعتبرها جزءً من حزب العمال الكردستاني ذي الأصل التركي، وهي في أصل تركيبتها جزء منه وتدربت على يده. ولكن الهجوم الذي ستشنه تركيا لن يكون بواسطة قواتها المسلحة، ولكن بواسطة أدواتها وهي جبهة النصرة، أو أحد فروعها، أو بواسطة الجيش الوطني، الذي ترعاه تركيا، وهو مكون من أبناء القبائل العربية التي تتحضر من أجل قتال الأكراد. وهذا ما تخوف منه بدران جياكرد، نائب الرئاسة المشتركة للإدارة الذاتية في تصريح لصحيفة "القدس العربي"، أضاف جياكرد أن سوريا والعراق ليست أفغانستان وأن قواعد الإشتباك فيهما مختلفة.

وأما ما صرح به مصدر مطلع أنّه في حال حدوث تسوية وخروج كل من الأميركي والتركي من شمال سوريا، وفي ظل ازدياد مشاعر الإستياء من الأكراد بسبب حجم التسلط الذي يمارسونه ضد مكونات المجتمع السوري في منطقة الجزيرة وشرق الفرات من سريان وآشور وآكاديين وصابئة والعرب، والذين يشكلون 85% من المجتمع السوري في المنطقة ذاتها، إن: "هناك حديث حول مصير الجيش الوطني الذي ترعاه تركيا حالياً والمتواجد في عفرين فيما إذا حدثت التسويه. هذا الجيش سيدخل تحت راية الدوله أو الروس وباسم حماية حقول النفط وسيشتبك مع الاكراد"، ويؤكد مجدداً: "وكما أكدنا إبان معركة درعا الأخيرة، نؤكد اليوم أن لا سلطة فوق سلطة الدولة ولا سلاح إلّا سلاحها".

ولذلك عندما يتمنى رياض درار، الرئيس المشترك لقسد، في تصريح نشره موقع سينوار، أن تبقى واشنطن حتى إيجاد حل في سوريا وأن لا علم له بنوايا واشنطن، قبيل زيارة الهام أحمد لواشنطن، يمكننا أن نفهم أنهم يتحسسون رؤوسهم، وهم متيقنون انهم مجرد أداة تشبه الحكومة الأفغانية التي رُكِبَت من قبل الأميركيين. ودرار يصف الرئيس الأسد أنّه يتحدث بعنجهية، وهو كلام تحدٍ يعبر عن موقف تصعيدي مع الدولة، وناشئ من اليقين بأن مصير المجموعات التي فرخت خارج نطاق الدولة بات معروفاً. وهو يعلم أن روسيا لن ترعى مصالح أحد خارج حدود الدولة السورية وخارج حدود اتفاق أستانه، وجاء ذلك صراحة في حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوجود الرئيس الأسد في موسكو، والذي طالب فيه جميع القوات الموجودة في سوريا دون موافقة الدولة السورية بالخروج.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب: عبير بسّام



دول ومناطق


روزنامة المحور