الخميس 18 نيسان , 2024 01:55

عزلة "اسرائيل"وانفراط العقد حولها

مظاهرات مناهضة لاسرائيل في اوروبا

كان يفترض أن يحظى الكيان المحتل على استعطاف العالم بأسره وبخاصة العالم الغربي بعد عملية طوفان الأقصى، لكن الأمور سارت بما لا تشتهي السفن. لا يمكننا القول أننا استغربنا هنا في الشرق مواقف الغرب الداعمة للكيان، ولكن المفاجأة كانت في التوجه الذي اتخذته فئات شعبية وبرلمانية في العالم الغربي، والتي بدأت بالتظاهرات ضد مجازر الإبادة الجماعية، التي يرتكبها الكيان منذ اليوم التالي لطوفان الأقصى في السابع من تشرين الاول/ اكتوبر 2023. وبعد ستة أشهر متتالية من المجازر وتدمير البيوت والبنى التحتية والمستشفيات في قطاع غزة، بدأت الأصوات ترتفع أكثر فأكثر من أجل مقاطعة الكيان ومنع بيع الأسلحة له، وفرض وقف إطلاق النار، ورفع الحصار عن المدنيين والأطفال والمرافق الصحية والتعليمية ووقف التدمير الممنهج في قطاع غزة.

نزلت الشعوب الغربية متحدية حكوماتها، التي سنّت قوانين تحرّم معاداة الصهيونية وتطالب بمقاطعته، فيما استمرت دول عربية واسلامية وقّعت اتفاقيات السلام واتفاقيات ابراهام، وبخاصة دولة الإمارات ومملكة البحرين والمملكة العربية السعودية وتركيا، دعم الكيان من خلال تمرير المنتجات الغذائية ومنتجات الطاقة، ومنها من لم تقم حتى بإدانة الكيان بسبب الإنتهاكات التي يقترفها ضد الشعب الفلسطيني أسواء في غزة أم الضفة، كما لم تدن هذه الدول المجازر. الظروف الوحشية، فرضت على القطاع، في وقت تقبلته دول عربية طبّعت أو وقّعت معاهدات السلام مع الصهاينة، في حين أنها دفعت بعض الدول الغربية ودول أمريكا اللاتينية والعديد من الدول الإفريقية للتغيير في مواقفها، وارتفعت الأصوات المنادية بمقاطعة الكيان، وطالب المتظاهرون بمنع بيع السلاح للصهاينة، لهول المجازر التي شهدها العالم وصورها التي توزّعت على نطاق واسع.

لعبت وسائل التواصل الإجتماعي دوراً مهماً في نقل الصورة الحقيقية لما يحدث في غزة وكان لها تأثير كبير في توجه الشعوب حول العالم من أجل نصرة الغزاويين. كذلك لعبت هذه الوسائل بتحويل التأثير ليصبح تبادلياً، بمعنى نقل صورة تضامن العالم وبخاصة العالم الغربي والأمريكيتين الجنوبية والشمالية ومن كل مكان في العالم مع غزة، وإعادة سرد الرواية الفلسطينية الحقيقية، مما ساهم برفع المعنويات بأن هناك أفراداً من شعوب العالم بأجمعه بات ينادي بفك الحصار ووقف المجازر في غزة. هذا التضامن الشعبي مع غزة كان لابد أن يأتي أكله ولو بعد حين. فأكبر خطأ اقترفه الصهاينة كان إطالة أمد الحرب مما ساهم في كشف جرائمهم بشكل أفظع وأكبر. كما أن استخدام الجنود والمستوطنين لوسائل التواصل الاجتماعي للتفاخر فيما اقترفته أياديهم ونشرهم صور الشهداء الفلسطينيين وهم عراة أو نشر صور الدمار ظناً منهم أن هذا سيعزز مواقفهم، إلا أن هذه الصور جاءت برد فعل عكسي أشعر العالم بالقرف من فظاعة قدرة الصهاينة على الظلم والتنكيل دون ابراز أية مشاعر إنسانية تجاه الأطفال والنساء وكبار السن العزل.

وعلينا أن نقّر، أن التضامن مع غزة لم يأت فقط من المآسي، التي انهالت عليها ومن الأوجاع التي أصابتها، إن التضامن مع غزة جاء في جزء كبير منه من صمود أهلها في وجه آلة القتل الصهيونية، ورفضهم الرحيل والهجرة والنزوح. هذه الحالة من تكريس التمسك بالأرض وبالحقوق ورفض الوقوع في فخ نكبة ثانية سعى إليها الصهيوني بيديه وبأسنانه كان له وقع هام في نفوس كل من تضامن مع اهل فلسطين في غزة والضفة وخاصة لناحية الشعار الذي رفعته التظاهرات في الغرب، والذي لم نره من قبل بكل تأكيد، "فلسطين حرة من النهر إلى البحر". كما أننا هنا لا يمكننا ان نقلل من قيمة العمل الذي قامت به حركات المقاطعة في الغرب والولايات المتحدة، وخاصة الحركات الطلابية في الجامعات، وسرعة انتقال التحركات في الغرب من تعداد بالآلاف لتصل إلى عشرات الآلاف ومئات الآلاف لهو دليل على فعالية هذه الحركات وعمق القناعة بما تمثله من استرداد الحق المسلوب للفلسطينيين.

ما سبق قام بنقل التحرك من أجل فلسطين إلى تحرك قام بعزل الكيان، مع العلم أن العالم لم يكن يريد أن يقوم بهذا النوع من التوجه، ولكنه أجبر أمام تعنت الصهاينة واستمرار عمليات الإبادة الجماعية التي مورست ولاتزال تمارس. الأمر الآخر الذي دفع وسيدفع أكثر نحو عزل "اسرائيل" كدولة، هو تعنّت الحكومات الغربية ورفضها الإعتراف ان ما حدث في السابع من تشرين الأول كان حركة إنسانية تحررية تضمنها القوانين الدولية من أجل التحرر من دولة مستعمرة، وأن الفلسطينيين هم المناضلون ضد محتل اسمه "اسرائيل". وفهم العالم أن هدف تحرك السابع من تشرين الأول / اكتوبر الأساس: تحرير الأسرى. قضية لا يمكن أن يشعر بعمق مأساتها إلا من ذاق الأسر وخاصة في المعتقلات الصهيونية. وإذا تابعنا الرسائل على وسائل التواصل الإجتماعي فسيلفتنا عدد المتحدثين عن غزة بأنها عبارة عن أكبر سجن عالمي مفتوح، وبالتالي فالأمر الطبيعي أن تزداد وتيرة التحرك الإنساني العالمي للمطالبة بوقف دعم الإحتلال بعد ارتكابه هذه المجازر بدلاً من السعي وراء حل مشكلة الإحتلال والأسر، والتي وصلت حد وقف بيع الأسلحة إلى "اسرائيل".

هذه المطالبات باتت تشكل حجر أساس في وقف تمرد العدو الصهيوني على القرارات الدولية التي تكفل الحقوق والتي جاءت بها المعاهدات الدولية والتي اتضح بعد طوفان الأقصى مدى وقاحة الكيان في تجاوز الأعراف والمواثيق الدولية. في الإطار قام 115برلماني فرنسا برفع رسالة إلى إيمانويل ماكرون، في السادس من هذا الشهر، مطالبين إياه بوقف جميع مبيعات الأسلحة للصهاينة، محذرين أن استمرار فرنسا بفعل ذلك سيجعلها شريكة في الإبادة الجماعية التي تحصل في غزة، وطالب هؤلاء بتقديم كشف بالإمدادات العسكرية الفرنسية للكيان، وذكروا ماكرون بأن قرار محكمة العدل الدولية قضى بوجود خطر وقوع إبادة جماعية في غزة، وطلبت الرسالة وضع حد لممارسات "اسرائيل".

موقف البرلمان الفرنسي، ونحن نتذكر أنه ابتدأ مع برلمانيين اثنين أو ثلاثة فقط، وصل اليوم هذا الرقم الكبير، موقف جاء متأخراً بعد كل من هولندا وكندا اللتان أوقفتا بيع السلاح للكيان، أو موقف جنوب افريقيا التي جرت الكيان إلى محكمة العدل الدولية، وبعد قرار مجلس الامن 2728 الذي دعا لوقف إطلاق النار. الموقف نفسه اتخذه 130 نائباً في البرلمان البريطاني، والذين دعوا إلى وقف بيع الأسلحة لتل أبيب، مستندين على قرار وقف اطلاق النار، وقد استند قرارهم إلى تحذيرات حول اتهام المملكة بأنها شريكة في جرائم الإبادة الجماعية، خاصة وأن الكيان يستخدم اسلحة بريطانية الصنع، ومنها أجزاء من مقاتلات "إف 16"،التي صنعت في بريطانيا وأنها بذا ستعد مسؤولة عن قصف أطباء بريطانيين في غزة. وكان في الخامس من هذا الشهر مجلس حقوق الإنسان في جنيف قد تبنى قراراً يدعو لوقف بيع السلحة للكيان، صوت له 47 عضواً مقابل 6 معارضين، ومن بين الدول التي صوتت لصالح القرار بلجيكا ولوكسمبورغ وفنلندا.هذا مع العلم أن الدولة الأولى التي قررت منع بيع السلاح للصهاينة ومنذ بدء الحرب على غزة قررت إيطاليا وقف بيع السلاح للكيان، وتم التوقف في 20 كانون الثاني/ يناير 2024.

حدثان هامان شهدتما فلسطين، على الرغم من الإختلاف النوعي بينهما، ولكنهما اجتذبا ردات فعل متناقضة فمنذ أن قام الكيان بقصف عمال الإغاثة من المطبخ المركزي العالمي في بداية هذا الشهر، وكان من بين القتلى، أو الشهداء، عمال أوروبيون، ثلاثة منهم من جنسية بريطانية واسترالية، كان لذلك ردة فعل كبيرة في الشارع الأوروبي وخاصة في بريطانيا، التي شهدت أكبر المظاهرات الأسبوعبة العالمية من أجل دعم غزة. والحدث الثاني هو قصف إيراني لمواقع للكيان، رداً على قصف قنصليتها في دمشق منذ أول الشهر الحالي، والذي تحاول حكومات الدول الأربع ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وأميركا الإستفادة كردة فعل على الضربة إعادة فك العزلة التي ابتدأت تحاصر الصهاينة في فلسطين، ولكن استمرار المجازر الصهيونية في غزة والحصار والمجاعة التي باتت فضيحة عالمية على جبهة الديمقراطيات الغربية، قد يقف حائلاً دون ذلك، على كل تمويل الصهاينة بالسلاح والعتاد الاميركي والبريطاني والفرنسي لم يتوقف حتى الساعة.


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 




روزنامة المحور