الثلاثاء 23 نيسان , 2024 02:29

الأردن في خدمة الأجندة الأميركية!

لا يمكننا الحديث عن الدور الذي تلعبه المملكة الأردنية الهاشمية في هذه المرحلة بالذات بمعزل عنما يحدث في فلسطين، لا سيما الدور الرسمي المتمثل بالملك عبد الله الثاني والحكومة الأردنية، هذا مع العلم أن رئيس مجلس الشعب الأردني، أحمد الصفدي، كان قد صرح في 17 من تشرين الثاني الماضي بعد عشرة أيام من انطلاق عملية طوفان الأقصى، أن الصهاينة هم قتلة الأبرياء، وهم الذين يجب وصفهم بالدواعش، وقال إنهم يضللون الرأي العالمي بالصور والفيديوهات والروايات المفبركة. تصريح ضعيف ليس على مستوى الحدث، ويتضمن الكثير من الحذر، خاصة وأنه أنهاه بتعظيم دور الملك الذي حذر مراراً وتكراراً من وجوب إعطاء الفلسطينيين حقوقهم.

لكن الموقف الحقيقي عبّر عنه الشعب الأردني حين أعلن عن غضبه من مجلس النواب، خاصة أن البرلمان تأخر في التجاوب مع الشارع. وكان هناك اعتراضات فردية من داخل البرلمان على طريقة عمل الحكومة، وهذا ما عبر عنه النائب خليل عطية، الذي تساءل عن فائدة اتفاقيات السلام والمعاهدات المبرمة بين الأردن والكيان المحتل، إن لم تكن نافذة في مثل هذه الظروف، وقد أسماه فعلياً بالكيان المحتل، وتساءل: "لماذا لم تدخل المساعدات الأردنية إلى غزة حتى الآن؟ ولماذا يتم استهداف المستشفى العسكري الأردني في غزة؟"

الأسئلة، التي سألها عطية ماتزال قائمة حتى اليوم، وبعد أكثر من ستة أشهر من العدوان ومجازر الإبادة على الفلسطينين في غزة كما في الضفة، وقد تضاعفت الهجومات الصهيونية على المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، وانطلاقاً من هذه النقطة يمكننا أن نتساءل بشكل حقيقي عن الدور المستقبلي الذي سيلعبه الأردن في هذا المجال لا سيما وانه يمد يد العون والمساعدة للإسرائيليين عبر الخط البري الاماراتي الاردني الإسرائيلي، كما شارك جهارا في ضرب الصواريخ والمسيّرات الإيرانية المتجهة نحو إسرائيل خدمة للأميركيين والصهاينة.

بعد مراجعة تاريخية لنشوء إمارة شرق الأردن ودورها الذي باركه ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية وخلالها، وفي تعظيمه للأمير عبد الله، الذي أصبح ملكاً في العام 1949 بعد أن لعب الدور المشبوه إلى جانب الملك المصري فاروق، في تفهم دور الإمارة الحقيقي في تشكيل حاجز حماية للكيان الجديد "اسرائيل". ولا يمكننا هنا مقاومة إغراء تكرار الفضائح، التي ارتكبها الأمير عبدالله بن الحسين بقبض مبلغ مليار دولار آنذاك كمكافأة لبيع فلسطين، إضافة إلى إعطاء الأردن حق إدارة الأوقاف الإسلامية في فلسطين، والتخلي عن دعم الثوار والمقاتلين حتى بالذخيرة خلال حرب التحرير من العصابات الصهيونية، وهذا ما فضحه المفتي الشيخ أمين الحسيني آنذاك، وما قتل الأمير عبدالله خلال صلاته أو زيارته للأقصى، والذي كان قبل إعلان دولة "اسرائيل" بأربعة أيام يتعشى مع غولدا مائير في قصر رغدان، وبعد أقل من شهر من ارتكاب شتيرن والهاغانا مجزرة دير ياسين الفظيعة، وصادف يوم اللقاء أن احتلت عصابة البالماخ صفد، في 11 أيار/ مايو 1948.

للمملكة تاريخ بشع في تمكين الصهاينة من الإستيلاء ليس فقط على فلسطين التاريخية، بل حتى على وادي عربة الأردني، الذي يملك الصهاينة بعد اتفاقية وادي عربة 1994 سلطة كاملة عليه. وكبّلت الإتفاقية الأردن وجعلته جدار حماية للكيان على حدود طولها 335 كم مع فلسطين، في حين أن حدود لبنان، بحسب وزارة الإعلام اللبنانية، مع شمال فلسطين تبلغ نحو 100كم فقط. فهل يمكننا تصور ما يمكن لهذه الحدود أن تفعل في حال فتحت للمقاومة ولتهريب الدواء والغذاء والسلاح للفلسطينيين الصامدين والمقاومين في أراضيهم، ولكن عوضاً عن ذلك يتفاخر الأردن بدور سلمى بنت عبدالله الملك الحالي والأم الفلسطينية، الملكة رانيا، بأنها أسقطت أربع أو خمس مسيرات، حقيقةً، لا يمكن للتفاحة أن تسقط بعيداً عن الشجرة، وذلك بحسب المثل الإنكليزي، إذا وصل القصد من الكلام، خاصة وأن والدة الملك الحالي هي بريطانية وترّبى في كنفها.

أكثر ما يضحك في مواقف الحكومة الأردنية، والتي تحاول أن تمتص غضب الشارع بعيداً عن العائلة المالكة والملك في الأردن في كل مرة تخان فيها فلسطين ومقاومتها، هو ما صرح به وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، عندما قال بعد الضربة الإيرانية لمواقع الكيان ومطاراته الأهم أن: "الأردن لن يكون ساحة حرب لأي صراع إقليمي"، و"لن نسمح لأحد بتحويل الأردن لساحة حرب"! تصريحات أشعلت مواقع التواصل وخاصة عند السوريين، وتساءل الجميع حول الدور المشبوه الذي لعبه اصحاب القرار في الأردن في الحرب على سورية منذ العام 2011، وإستضافة غرفة الموك المخابراتية البريطانية الأميركية السعودية "الإسرائيلية" المشتركة وفي تمرير داعش من من العراق عبر الحدود الجنوبية إلى درعا، ودور الأردن في تمرير جرحى داعش إلى فلسطين لمداواتهم في مستشفيات الإحتلال الميدانية على الحدود. أين كان استقلال وسيادة الأردن لأكثر من 13 عاماً، وما تزال الأردن حتى اليوم جزءاً من الحرب على سورية، تمرر الأموال والسلاح لإنفصالي السويداء وجيش السحجة [جيش سوريا الحرة] في شرق الفرات فخر الصناعة الأميركية! وأردن الصفدي يمكنه أن يفتح أجواءه بموجب الإتفاقيات لطائرات وصواريخ القواعد الأميركية فيه، ولكن ليس لصواريخ أعداء أميركا والكيان، وتحديداً صواريخ أحرار اليمن والمقاومة العراقية والصواريخ والمسيرات الإيرانية، وكل من يقف ضد الكيان مساندة لغزة.

مع أن كل من عبد الله بن الحسين ملك الأردن، وعبد الفتاح السيسي رئيس مصر ومحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، كان بينهم اجتماع هام في نيسان/ ابريل العام الماضي، وكان أهم ما تضمنه الإجتماع بحسب ما تسرب للصحافة، أن هناك مخططاً صهيونياً مبيتاً، أي مخططاً اسرائيلياً- أميركياً، من اجل تهجير الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، تسربت أنباؤه للمجتمعين، ولذا فقد كان مضمون الإجتماع حول ما يمكن فعله، وقد أثبتت أحداث غزة منذ اليوم التالي لطوفان الأقصى صحة التسريبات. واليوم، يبدو أن المخطط الصهيوني وُضع على سكة التنفيذ، ولذلك ليست هناك معارضة أميركية أو حتى غربية حقيقية حول ما يقترفه الكيان من جرائم من أجل المضي بهذا المخطط، ودور الأردن ليس واضحاً بشكل جلي حول قبول تهجير الفلسطينيين إليه، مع أنهم في العلن يرفضون ذلك. والمطلوب أمريكياً و"اسرائيلياً" تهجير أهل غزة إلى مصر، وأما أهل الضفة فإلى الأردن، أو على الأقل إلى مخيمات تنصب داخل حدود الدولتين بعيداً عن الحدود مع فلسطين، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، إما بالتجنيس أو بالهجرة إلى أصقاع العالم. ولكن من المؤكد أن كل من مصر والأردن يلعبان الدور نفسه الذي لعباه في العام 1948.

يتبع الأردن سياسة "تنفيسية" بالسماح للمواطنين بالتظاهر ضد المجازر الصهيونية في غزة، ولكن القيادة المتمثلة بالحكومة والملكية تتبع سياسة واحدة منذ بداية الحرب على غزة، الجماهير تندد وتطالب بوقف المجازر وتمرير المساعدات، والحكومة تفعل الأمر نفسه، وتخرج الملكة رانيا على الإعلام الغربي من أجل الحديث عن حقوق الفلسطينيين ونقطة انتهى. وأما الحكومة الأردنية وخلال سحجات التنديد تجتمع مع الأميركيين وتأتي النتائج وكأنها تنفذ المطالب والحاجات الصهيونية، ولم يكن ولن يكون آخرها دعم الصهاينة عبر تمرير شاحنات البضائع القادمة من دبي إلى لدولة الكيان عبر معبر أبو سالم، في حين أنها تقف مكتوفة الأيدي عندما يتعلق الموضوع بتمرير الغذاء والدواء للفلسطينيين، ولذلك لم يكن مستغرباً التصدي للصواريخ والمسيرات الإيرانية وقبلها اليمنية. وهنا يطرح السؤال الأهم عن التزام الأردن بالأجندة الأميركية خدمة لمن؟.

يحدث هذا لأن الأردن مقيد: باتفاقية وادي عربة ممكن، بكينونة المملكة وأصل وجودها كدولة رديفة للكيان ممكن، بانتظار التهجير القسري لأهل الضفة الغربية وغيرها من المناطق الفلسطينية باعتباره بلد بديل ممكن، باعتماده على القواعد الأميركية وعلى ارسال المساعدات العسكرية من تركيا أو باكستان أو كازخستان أو...أذربيجان في حال ثار الفلسطينيون وحاولوا إعادة تاريخ أيلول الأسود 1970 ممكن أيضاً. وعلينا أن نضع في الإعتبار أن سكان الأردن يشكل الفلسطينيون المجنسون فيه 42% من عددهم الكلي، وأن الحقد ما بين الفلسطينيين المجنسين والأردنيين، ومعظمهم من العشائر، أذكته الملكية من لحظة تكوين إمارة شرق الأردن وحتى اليوم.


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 




روزنامة المحور