الأربعاء 03 نيسان , 2024 01:01

تكريساً للتقسيم.. قسد تحتل البيوت في الرقة والطبقة ومنبج

عناصر من قسد يقتحمون منازل السوريين

دخلت قوات سوريا الديمقراطية [قسد] في العام 2015 أكثر من 350 قرية في محافظة الرقة، بعد أن قام التحالف الغربي بقصف المدن والقرى في شمال شرق سوريا قصفاً عشوائياً أدى إلى محو أحياء كاملة من الرقة، قبل أن تدخل قسد المدينة وتسيطر عليها. ومن يطّلع على الدراسات التي تحاول قسد نشرها وتمريرها، ضمن محاولة إعادة كتابة تاريخ المنطقة مثل محاولات بيار روباري على موقع كوردستان، والذي يحاول منذ العام 2022 اختراع تاريخ جديد للرقة المدينة العربية والتي تقع على الضفة الشرقية لنهر الفرات، مما يجعلها إحدى المدن الهامة في الجزيرة السورية والتي تقع ضمن نطاق شبه الجزيرة العربية المعروفة تاريخياً والتي تمتد ما بين الفرات والنيل.

ليس جديداً على منطقتنا خضوعها للمزيد من التكاذب التاريخي من اجل فرض السيطرة عليها، ولم تكن الفورات "الثورات" التي اجتاحت المنطقة العربية إلامحاولات من اجل إعادة تقسيمها إلى كانتونات مذهبية وعرقية من أجل تسهيل ذلك، بحسب مقترح ومخطط برنارد لويس منذ العام 1954. نذّكر بالتاريخ، وبالمخطط الصهيو- أميركي في كل مرة نتحدث فيها عن المنطقة الشرقية من الجزيرة السورية، لنعرف أن المخطط مستمر ما استمر الإحتلال الأميركي فيها، وأن أكراد قسد، ومعظمهم جاء من جبال قنديل، هم جزء لا يتجزأ من هذا المخطط. وهم لا يشاركون أكراد المنطقة العربية انتماءهم للدول التي عاشوا فيها في سوريا والعراق ولبنان ومصر.

هذه المعلومات لا يعرفها أهل المنطقة فقط، وقد نشرتها دراسة لمعهد واشنطن في 5 كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي، بعنوان "أزمة التمرد التي تواجهها قوات سوريا الديمقراطية قسد’"، كتب فلاديمير فان ويلجنبرغ بأن قسد دخلت التحالف مع الولايات المتحدة واستطاعت يومها الدخول إلى الرقة بمساندة هذه القوات. وهي تحاول ربط مجموعة من القرى يتواجد فيها الأكراد، ومن ثم دخلت قسد على مضض القسم الشرقي من مدينة دير الزور. ويعزي الكاتب إلى أن سبب إطلاق شرارة التمرد بين العشائر في العام الماضي، "المظالم المحلية"، والتي تشكل تحدياً كبيراً للولايات المتحدة كما لقسد في المنطقة. وبالتالي فإن ما نشهده من هجوم أميركي في دير الزور منذ أسبوع تقريباً، وبحسب ما يوصف الوضع فان وبلجنبرع، هو وجود قوات مقاومة تحت تسمية "أسود الشرقية" وقد وقفوا إلى جانب العشائر في "التمرد" الأخير ضد قسد بعد أن قامت بإعتقال ابو خولة أحد زعماء قبيلة الهفل، والذي دعم قوات قسد خلال السنين الماضية، وترفض واشنطن التعامل معه بشكل مباشر على حساب قسد، بينما تتعامل وتتحدث مع أخيه الموجود في قطر.

 ماذا يعني هذا؟ تتعامل مع أخيه في قطر! هذا معناه أن واشنطن لا تريد التعامل او الإعتراف بأهل المنطقة واصحابها والذين عاشوا فيها لآلاف وليس مئات السنين. وتتهم واشنطن وقسد المجموعات التي تقاتلهم إما بأنها مدعومة من إيران أو مدعومة من قوات الأسد، كما تفعل تماماً مع الفلسطينيين في غزة، ومع تصنيفات حماس، تارة بالإرهاب وتارة بانها مدعومة من إيران، ضمن سياسة وسخة تريد توطين غرباء وشذاذ آفاق لمصلحة أمن "اسرائيل". ولا نريد هنا أن نكرر الدور الذي تمثله قسد المرتبطة بحزب العمال الكردستاني والذين جاء قادتهم من جبال قنديل، وذلك بحسب بحث لكارنيغي نشر في العام 2019 كتبه كل من اليزابيث تسوركوف وعصام الحسن. ويبدو أن القيادة الكردية كانت تحاول تحقيق المستحيل للتمسك بمعقلها في شمال شرق سوريا، لأن هناك تضارباً كبيراً بين المصالح الكردية والمصالح العربية في المنطقة، فبعد القضاء على داعش افتراضياً، لم يعد هناك ما يجمع ما بين الطرفين، خاصة وأن قسد بقيادتها الكردية تريد السيطرة على كل شيء ومن ضمنها بالتأكيد حقول النفط السورية وحقول القمح.

لا يقف الأمر عند هذا الحد، فالمصالح الأميركية تلتقي مع المصالح الكردية، والأخيرون يمارسون سياسة عنصرية يطلقون فيها تسمية البدوي على العربي، ويتعاملون معه وكأنه مواطن من الدرجة الثانية، وتهميش الأكثرية العربية الخاضعة، وللأسف الخانعة، لحكم قسد ولديهم شعور بالإستياء لأنهم يعتبرون من قبل قسد، بحسب كارنيغي، بأنهم غير معنيين بإدارة مناطقهم، هذا الكلام ليس دقيقاً، اذ تحاول قسد على الدوام التعامل مع القبائل والتي تعتبرها جاهلة وغير منظمة، وينقصها الفهم العقائدي، وتغلب عليها القيم القبلية والعشائرية، كما تتجنب قسد العمل مع المتعلمين والمثقفين وخلال التعامل معهم تمارس نوعاً من الإزدراء والعنصرية المقيتة. أكراد قنديل أساساً هم من القرويين والبدو المنظمين في حزب العمال الكردستاني الذي يعتبر هو أيضاً حزب شمولي لا يقبل الآخر. وبحسب دراسة كارنيغي فإن قسد تشكك في قدرة العرب والأكراد في شمال شرق سوريا، وما تشكك به قسد بالتاكيد هو رغبة العرب بالإنفصال وتشكيل إدارة ذاتية بعيدة عن مركزية العاصمة. وما تريده قسد هو حلفاء يساندونها في منع وضع يد الدولة السورية على حقول النفط والقمح، والتي تؤمّن تمويلاً ذاتياً وصل إلى حد الجشع.

وقسد قنديل تعرف انها غريبة في سوريا. كما لا تستطيع التعامل مع المتعلمين والمثقفين لأن هؤلاء يعلمون أن قسد جزء من إحتلال استيطاني في شرق الجزيرة السورية، بينما هم يرون أنفسم كجزء من الدولة السورية التي يجب ان تدير البلاد، والدعم العسكري الذي تتلقاه قسد من الأميركيين، وهو ليس بالهين لناحية التسليح والتدريب، يمنحها التفوق العسكري في المنطقة، خاصة مع الدعم الأميركي المفتوح، كما أن الأميركي لا يهمه كمية السلاح الذي تشتريه قسد ما دامت تدفع ثمنه من عوائد النفط السوري. وبهذا السلاح فهي تعتبر نفسها القوة المحلية التي تعطي لنفسها الحق بمداهمة البيوت وفرض التجنيد على الشباب في صفوفها مما ادى إلى هرب الشباب العرب من مدينة الرقة وما حولها، فوضعت قسد يدها على بيوت العديد منهم واحتلتها، وفعلت كما فعلت داعش خلال السنوات 2014- 2015، اذ تعتبر البيوت الفارغة ملكاً لها، وتُسكن فيها القادمين من جبال قنديل، تماماً كما فعلت داعش، وكما فعلت الصهيونية في فلسطين وخاصة في المناطق المحتلة في العام 1948.

خلال حديث مع أحد الصحفيين في سوريا، والذي طلب عدم ذكر اسمه، وجاء في وقت كان فيه صاحب الكلام مذهولاً بسبب سرقة منزله وإخلائه وإسكان بعض عناصر الإدارة الذاتية من الأكراد فيه، "بعد القصف التركي للقامشلي، لم يبق لهم آماكن آمنة، فتوجهوا إلى الرقة وإلى مدينة الطبقة على ضفاف الفرات، وخلال كل آونة وأخرى يتدخل شيوخ العشائر من أجل إعادة البيوت إلى اصحابها الأصليين. ومن البيوت التي احتلتها قسد غير آبهة بنتائج أعمالها، والتي يعد احتلالها مس حقيقي بالسيادة السورية هو بيت وزيرة السياحة السابقة هالة التامر، وبيت مدير فرع الحزب السابق في الرقة عبد الرزاق الجاسم، وبيت الجاسم بحسب المصدر الصحافي هو فارغ اليوم".

 في بداية الحرب السورية، ذُهل الكثير من السوريين في ريف دمشق، في دمر وما حولها، وفي الغوطة الشرقية عندما دخل المسلحون بيوتهم من داعش والنصرة أو ما سُمي بالجيش الحر، وخاصة تلك التي كان يمتلكها افراد من طوائف مختلفة، أو ممن كانوا يطلقون عليهم تسمية الشبيحة وزلم النظام من مختلف الطوائف، واحتلوا بيوتهم وعبثوا بها وسرقوا ممتلكاتها، وهذا ما تفعله قسد اليوم في بيوت السكان العرب، فهل هناك فرق ما بين غرباء داعش والنصرة الذين جاؤوا من داغستان وباكستان وتركيا وتركستان و... وبعض البلاد العربية ليعبثوا بأمن سوريا وما بين قسد وقياداتها التي جاءت من تركيا وجبال قنديل وبعضهم كان لاجئاً في أوروبا بسبب الاضطهاد الكردي والعراقي، بحسب زعمهم.

بعد بدء ضربات المقاومة العراقية لمواقع الإحتلال الأميركي في سوريا، عمليات طالت المواقع الأميركية والكردية على حد سواء، ذهب عبدي مظلوم لزيارة واشنطن في 9 شباط/ فبراير من هذا العام 2024، اشتكى من تعرض قواته لضربات المقاومة، وقد قلنا إن الأكراد يتحسسون رؤوسهم. كما طمئننا مظلوم في مؤتمر صحفي، بث من مكتب "مسد" في واشنطن بأن أمريكا قالت له أن لا إنسحاب من سوريا، لا الآن ولا في المستقبل القريب. وأكد أن الأتراك يستهدفون قوات قسد بطائرات اف 16 التي أفرج عنها الأميركيون مؤخراً. وهي محاولة أمريكية لكسب تركيا أكثر في صفها. وهذا يقع في نطاق التحضير لشيء ما، قد يكون حملة عسكرية أكبر في الشمال السوري، ومواجهات مع الجيش السوري ومع حلفائه.

يبدو من حديث "مظلوم" أن كل من قسد والاميركيين ماضون في جميع المخططات التي وُضعت، وحتى ان قوات قسد تجول اليوم البادية السورية مع قوات المغاوير، داعش سابقاً، ليشكلوا فعلياً ما يسمة بجش سوريا الحرة "السحجة"، وليبدؤوا مهمات في استلام السلطة، وضمن هذا المخطط كان قصف الجيش السوري في دير الزور والذي سقط فيه 36 شهيداً من أفراد الجيش العربي السوري منذ أيام. ما تفعله أمريكا اليوم بانها تجر الإدارة الذاتية جنوباً، 30 كم بعيداً عن الحدود التركية، وتسمح لقسد بالتمدد في ريف دير الزور الغربي المحرر من قبل الجيش العربي السوري، وانتشرت أخبار مؤكدة بانتشار لقسد في البادية السورية ويبدو أن المخطط الأميركي يسير على قدم وساق ولا تعكره إلا ضربات المقاومة بين الفينة والأخرى.


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 




روزنامة المحور