كتب وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر في أحد كتبه " إعمل بكد، أدرس وأبحث، وابق بعيداً عن السياسة" لهذه العبارة وجهان، فقد تكون نصيحة لمجتمع الأكاديميين الأميركي، وهو يوجهها من موقعه في المجتمع السياسي الحاكم، بمعنى أن البحث والتفكير لكم ولنا السياسة والنفوذ، كما يمكن فهم العبارة بأنها نتيجة معاناة بيكر من الهيمنة الأيديولوجية على مراكز التفكير الأميركية، وهو الذي عانى من صدامات مع اللوبي الصهيوني، وتحديداً مع "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى".
رفع "معهد واشنطن" الأميركي-الاسرائيلي شعار "أفكار – أفعال – تأثير" وهذا الشعار يعني الكثير في عالم مراكز التفكير.
يزعم المعهد أنه على اتصال دائم بأعضاء الكونغرس الأميركي، ومع الإدارات التنفيذية، والقوات المسلحة، والاستخبارات، هذا على مستوى دوائر صنع القرار. وعلى الصعيد الأكاديمي يقوم المعهد بعرض نتائج بحوثه في الجامعات الاميركية وحول العالم. ويتم نشر مقالات باحثي المعهد في الصحف الأميركية الرئيسية، كما يظهر دوماً باحثو المعهد على وسائل الاعلام المرئية والمسموعة الأميركية.
يقوم "معهد واشنطن" بالتركيز على الأجندة الإسرائيلية وبث الدعاية السياسية المناوئة للعرب، وتحديدا ضد القضية الفلسطينية وحزب الله.
عام 1985 قامت لجنة العلاقات الأميركية – الإسرائيلية- "إيباك" بتأسيس "معهد واشنطن"، وبشكل أوضح "اللوبي الصهيوني في واشنطن"، وقد زعموا بأن هدفه "ترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط"، ولكن الواقع كان الهم الأساس للمعهد الترويج وضخ المعلومات المُضللة نحو الكونغرس الأميركي، والأكاديميين والرأي العام الأميركي.
رفدت وزارة الخارجية الأميركية المعهد بالكثير من دبلوماسييها مثل مديره المؤسس: مارتن أنديك، وديفيد شينكر الذي تبوأ منصبًا في الخارجية وهو لم يكن يوما من دبلوماسييها، كما لا يغيب عن البال السفير دنيس روس.
وكان كبير المؤسسين حاكم لوس انجلوس باربي واينبرغ، وقد تم اختيار مصطلح "الشرق الأدنى" بدل المصطلح الأشهر "الشرق الأوسط" لأن المؤسسين أرادوا لاسم المعهد أن يعكس التحديد الجغرافي الخاص بوزارة الخارجية الأميركية.
اهتمامات "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى":
وفي التسعينيات تم التركيز على تركيا، وعلى التعامل مع السياسة الإسلامية من أجل فهم الاتجاهات السياسية في الشرق الأوسط بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
بعد 11 سبتمبر اتجه المعهد لدراسة ورصد "التطرف الإسلامي"، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، كما يهتم بما يسميه "الربيع العربي" و"النزاع السني – الشيعي".
وفي إضاءة سريعة على كتابات باحثي معهد واشنطن، نستعرض نماذج من حملات التحريض وطمس الحقائق وإطلاق الأكاذيب والأضاليل.
دعا المدير التنفيذي روبرت ساتلوف في ورقة بحثية إلى تعليم الطلاب العرب عن "المحرقة اليهودية" المزعومة، وطالب الولايات المتحدة بالسيطرة على عقول الشباب المسلم من خلال التعليم، وأن تكون حكيمة في توسعة جهود البث الإعلامي في الشرق الأوسط. ويضيف ساتلوف بأنه " لا توجد أهمية لمفهومي "العالم العربي" و "العالم الإسلامي" بل ينبغي إبعادهما عن قاموس السياسة، لأن الاسلامويين ينتفعون منهما".
وفي شهادة له أمام مجلس النواب الأميركي في 9 شباط 2011 دعا ساتلوف إلى "توجيه حركات التغيير نحو الأنظمة القمعية كإيران وسوريا" وفق تعبيره، كلام ساتلوف جاء قبل اندلاع الأزمة السورية.
مدير الأبحاث في معهد واشنطن "باتريك كلاوسون" وهو المشرف على ما يُسمى "المبادرة الأمنية الإيرانية" وساهم كشاهد خبير في أكثر من قضية فيدرالية ضد إيران، من أبرز مواقفه رفضه الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، وقد طالب بوجوب "أن يبقى تأييد حق إسرائيل بالدفاع عن النفس والانتقام ركناً أساسياً في السياسة الأميركية تجاه لبنان". فيما رأى في مقال ضمن نشرة "المجهر السياسي في أيار 2009 “أن المصلحة الاستراتيجية الأميركية تكمن في المحافظة على الوضع الراهن بينما تريد إيران أن يتغير المشهد، وأن تُصبح القوة البارزة في المنطقة، وهو أمر لا تقبل به الولايات المتحدة" .
الجدير بالذكر، أن الموقع الالكتروني لمعهد واشنطن يتعمد أن يذكر كلمة "الفلسطينيين" وليس "فلسطين" كون الأخيرة تحمل دلالة على الدولة، وصناع السياسة الأميركية والمعهد لا يعترفون بدولة فلسطينية.
الخلاصة، أن "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" أداة صهيونية في قلب واشنطن، يمولها المواطنون الاميركيون...وهي ليست أداة دعم صناعة القرار الأميركي فحسب، بل أداة لصناعة الكراهية والتحريض على المقاومة وشعوب ودول المنطقة.
الكاتب: غرفة التحرير