شجعت الأحداث المتسارعة في المنطقة والمتغيرات التي حصلت في سوريا واستشهاد قيادات الصف الأول في حزب الله والمقاومة الفلسطينية، الدول الراعية لكيان الاحتلال والمطبعة معه على الاعتقاد أنهم أمام فرصة القضاء على محور المقاومة. واعتبر البعض أن ما جرى هو نجاح "لمشروع الشرق الاوسط الجديد". وذهبت وسائل الاعلام بعيداً في تحليل السيناريوهات القادمة لتغيير نظام الحكم في ايران إلى نظام يتوافق مع المتغيرات الحاصلة والتي تصب في مصلحة إسرائيل.
مع اقتراب دخول دونالد ترامب مجدداً إلى البيت الابيض -وهو الرئيس الذي نقض الاتفاق النووي مع ايران فور وصوله في ولايته الأولى-وسقوط نظام الحكم في سوريا، بدأت شريحة واسعة من المشرعين الاميركيين في التعبير عن "أهمية الاطاحة بالنظام في إيران". كما ناقش مجلس الشيوخ آليات العمل والسبل المتاحة للمضي قدماً نحو "تغيير النظام السياسي في الجمهورية الاسلامية"، مع اعتقادهم أن العقوبات وحدها لم تثمر طيلة أكثر من 5 عقود، جمدت خلالها الولايات المتحدة الصادرات النفطية الايرانية والأرصدة وسممت علاقاتها بالدول الاقليمية والعالمية وافتعلت الأزمات لمحاصرتها. فيما انتقد عدد من الجمهوريين تراجع إدارة جو بايدن عن بعض العقوبات (افساحاً بالمجال أمام اتفاق كان متوقعاً حينها) الأمر الذي سمح لمبيعات النفط الإيرانية بالارتفاع إلى مليونيَ برميل يومياً، وهو ما وفرَّ لها عائدات بقيمة 100 مليار دولار.
لمختلف دول المنطقة تجربة مع الاستراتيجية التي تتبعها اشنطن لحملها على الانضواء تحت لواء تبعيتها ومشروعها التقسيمي الجديد. ويتصدر هذه الايام، النموذج السوري كمثال على المخطط الأميركي الاسرائيلي، الذي لم يجد مشكلة او حرج في تلميع صورة أبو محمد الجولاني وتقديمه كوجه جديد للمرحلة المقبلة والذي من شأنه أن يوصل البلاد إلى بر الأمن والاستقرار والسيادة.
غير أن الأمر بالنسبة لإيران مختلف أيضاً. اذ أن النظام القائم لم يشرّع الأبواب أمام واشنطن للدخول إلى مفاصل الدولة، بل ان قطع العلاقات بين الطرفين منذ عقود، جنّب طهران مجموعة واسعة من الخطط، كاستعمال سفارتها -كما الماضي- في الادارة المباشرة لأعمال الشغب والتخريب في البلاد. وهو ما اضطرها لاتباع نهج جديد يقوم على عدد من السياسات:
- حصار اقتصادي خانق.
-التغيير الثقافي، ونشر ثقافة الانحلال وضرب القيم الاسلامية، ونشر الالحاد
-اسقاط القيادات الدينية والسياسية والاجتماعية البارزة من خلال تشويه صورتهم لدى المواطن الايراني
-خلق ودعم الحركات الداعية الى الانحلال والحركات الرافضة لطبيعة وقادة النظام السياسي
-تجنيد مواطنين لاسيما من القوميات غير الفارسية
- دعم مايسمى "المعارضة الايرانية "
- دعم الاصلاحيين والسعي لاستمالتهم لغرض احداث شرخ في العلاقة بين ايران ومحور المقاومة، من جهة، واحداث انقسام داخلي من جهة أخرى
لا يمكن انكار صعوبة الظروف التي تمر بها المنطقة ككل وأثرها على الداخل الايراني، شعباً وقيادة. اذ أن فقدان دعم النظام السابق في سوريا، والضغط الكبير على حزب الله ومحاولات انهاء المقاومة الفلسطينية في غزة، والتهديدات المتزايدة باستهداف البلاد، يضع طهران، التي تحتفظ بمروحة علاقات دولية واسعة، بنتها طيلة عقود على أساس الندّية لا التبعية، أمام تحد جديد.
يتوقع محللون اسرائيليون وأميركيون لجوء طهران إلى تغيير عقيدتها النووية ثم تطوير قنبلة نووية لخلق أرضية من توازن الردع. وعلى رغم اصرار قائد الثورة سماحة السيد علي الخامنئي بعدم امتلاكها، وحصر الاستعمال النووي بالأغراض سلمية، فإن شريحة واسعة من الايرانيين باتوا يطالبون بتطويرها معتبرين أنها باتت "خيار استراتيجي" في الحرب ضد كيان الاحتلال المسلح نووياً.
كما استبعد محللون إسرائيليون أن يتخـذ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، قـراراً بمهاجمة المنشآت النووية الايرانية، لعدد من الأسباب، تأتي في طليعتها الرد الايراني المتوقع الذي قد تنفذه طهران، بعدما خبر حجم القوة الصاروخية الايرانية في عمليتي "الوعد الصادق 1 والوعد الصادق2"، وأن القيادة في إيران اتخذت قرارها بالرد على أي اعتداء اسرائيلي بما يضمن إيلام الكيان وليس عرضاً نارياً كالذي نفذته الطائرات الاسرائيلية في أكتوبر الماضي. اضافة لعدم قدرته على حشد دعم داخلي -نظراً للانقسام الاسرائيلي الداخلي- ودولي أيضاً وفي الطليعة الولايات المتحدة.
الواقع، أن ايران التي اجتازت القنابل المفخخة التي تحيط بها منذ قيام الثورة الاسلامية، والتي اجتهدت الولايات المتحدة في نصبها، تارة من خلال العقوبات الاقتصادية، وأخرى من خلال تغذية الانقلابات السياسية والانقسامات الداخلية، ثم محاولة تعريتها من أصدقائها الاقليميين والدوليين، تمتلك من الخبرة والتجارب في التعامل مع ما قد خطط له، خاصة وأن المشاريع الاميركية في المنطقة باتت مستهكلة، وعلى ما يبدو أن طهران قد تكون هذه المرة أمام تحد مختلف يفرض عليها القيام بخطوات غير مسبوقة، لكن السؤال يتمحور حول تموضع "صناعة القنبلة النووية" في قائمة أولويات طهران، لخلق توازن ردع استراتيجي جديد.