سياتلعب الدعاية دوراً محاورياً في النظام الصهيوني منذ إعلان قيامه وحتى زماننا الحالي وعلى مختلف المستويات: داخلياً وخارجياً، من حيث الدعم والمساندة والتبرير. فالدعاية تدعم النظام، وتسانده في سياساته وتبرر مؤامراته وعدوانه وتساعده في تمرير مخططاته وأفكاره وتوجهاته العنصرية والتوسعية، بحيث أضحت الدعاية في ظل هذا النظام العنصري بمثابة الوجه الآخر للحركة السياسية.
بناءاً على هذا الدور المحوري الذي تلعبه الدعاية، فقد نالت من النظام الصهيوني اهتماماً بالغاً، حيث قام بإنشاء أجهزة دعاية ضخمة ومتقدمة، زودها بأحدث التقنيات، كما كرّس لها كل الامكانيات المادية والبشرية، كما أن قادة النظام الصهيوني أدركوا مبكراً، بما يمكن للدعاية المنظمة والمكثفة أن تحدث من تأثيرات قوية في مواقف الآخرين، لا سيما في عصر ثورة تكنولوجيا المعلومات والتواصل، حيث غدا العالم وكأنه قرية كونية تقاربت أجزاؤها وتفاعلت فيما بينها تأثيراً وتأثراً.
سنحاول الاضاءة على الدعاية في النظام الصهيوني من خلال العناصر الرئيسة التالية :
1-مستويات الدعاية في النظام الصهيوني.
تشمل نشاطات الدعاية الصهيونية المستويين الداخلي والخارجي، وكرست الموارد والامكانيات لضمان تغطية دعائية شاملة لكافة الأفراد والمؤسسات داخلياً، والقوى والتكتلات والدول خارجياً، وأقيمت المؤسسات المتخصصة وكرست الموارد المالية وتجنيد الكوادر الفنية المدربة تحقيقاً لأهدافه المنشودة وتمريراً لمخططاته واخفاء لأطماعه التوسعية العدوانية.
أ-المستوى الداخلي
اتجهت الدعاية إلى المواطن، تثير فيه النعرة والتعصب العنصري وتذكي فيه الروح العدوانية، وتغرس في نفسه "العنف" كسبيل وحيد لتحقيق أوهامه التوسعية، كما توجهت إلى غير الموطن والأقليات العرقية تحاول تحطيم فيها مرتكزات الثقة في الذات، وتعمل على تشويه وزعزعة المبادئ والقيم وتثير الشك لديها في هويتها، سعياً لاستئصال وتصفية وجودها أو على أفضل الأحوال تحجيمها وتقليص دورها، تمهيداً لإقامة المجتمع العنصري الخالص النقي من الشوائب والمؤهل لحمل رسالته العالمية في قيادة البشرية الى الحضارة العنصرية المزعومة والتي تعتقد قيادات النظام الصهيوني أنها مكلفة بتحقيقها.
ب-المستوى الخارجي
اتجهت الدعاية على المستوى الخارجي الى تصوير النظام الصهيوني على أنه المثال الخلاق والمبدع وأنه بمثابة النموذج الذي يجب الاقتداء به والتعاون معه (مقولة ان إسرائيل واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط). والادعاء بأن سعي النظام الصهيوني إلى التوسع والسيطرة ما هو إلا تحرك من أجل الوصول بحضارة بني البشر إلى مستوى رفيع متقدم، وأن ما يخوضه من حروب وما يشنه من عدوان ما هو إلا ضريبة يدفعها لقاء دوره القيادي والريادي في العالم وأن تلك الحروب فرضت عليه قسراً ودون رغبة منه في ذلك، ومن ثم فهو في استعداده العسكري الدؤوب وقيامه بالمغامرات العسكرية المستمرة إنما يحافظ على الأمن والسلام في العالم بأسره.
2-أبعاد الدعاية في النظام الصهيوني
تعددت ابعاد الدعاية الصهيونية وتنوعت ميادينها وتباينت مجالاتها، سنحاول التركيز على البعدين السياسي والعسكري.
أ-البعد السياسي
داخلياً: تركزت جهود الدعاية في هذا النطاق على التأكيد على مثالية نمط الممارسة السياسية الذي يمثله النظام السياسي الصهيوني وعلى الادعاء بضمان المساواة الكاملة وكفالة حرية الرأي والتعبير لكل مواطن على السواء، كما سعت العملية الدعائيةالى تصوير التحرك السياسي للنظام على الصعيد الخارجي على أنهه بمثابة التحرك السياسي الذي يخدم قضايا الشعب اليهودي بمختلف طوائفه وفئاته، كما أن علاقات النظام الصهيوني مع الآخرين تتم في هذا السياق ومن ثم ضمان التأييد الجماعي لكافة المواطنين لإتجاهات النظام السياسية وتوجهاته داخلياً وخارجيا.
خارجياً: تركزت جهود الدعاية المبذولة على إبراز وإظهار ما يدعيه النظام الصهيوني من نموذجية ومثالية في الممارسة السياسية والادعاء بأنه نموذج يحتذى به، وأنه مطمحاً للدول الأخرى كافة. كما ركزت الدعاية الصهيونية على تكرار مزاعمها بأن النظام الصهيوني يلتزم بصورة جادة بالعهود والمواثيق الدولية.
ب-البعد العسكري
داخلياً: سعى الدعاية الصهيونية الى غرس المفاهيم والمثل والقيم العسكرية لدى أفراد النظام وربط هذه القيم والمفاهيم في سياق تاريخي ثقافي مزعوم والادعاء بأصالة الروح العسكرية الحربية لدى أفراد النظام وتغلغها في المجتمع، وراحت أجهزة الدعاية الصهيونية تضخم أبعاد العمليات العسكرية الناجحة للنظام، وتلقي المزيد من الضوء على تصاريح القادة العسكريين وأقوالهم المأثورة وتنشرها وتبث أينما كان، لتصبح من أسس التعامل بين الأفراد ومثالاً أعلى يقتدون بهم في تحركاتهم، كما سعت الى تحشيد الرأي العام ونيل التأييد العام للجهود العسكرية خاصة، والجهود السياسية والاقتصادية عامة.
خارجياً: عمدت الدعاية الى تصوير سعي النظام الصهيوني لحشد قدرات عسكرية ضخمة والتزود بأحدث التكنولوجيات العسكرية على أنه من أعمال الوقاية والدفاع عن النفس، وأن ما خاضه من حروب وما يقوم به من أنشطة عسكرية ما هي إلا للدفاع عن النفس.
هذا قليل من غيض من أنشطة الدعاية الصهيونية، لذلك تصح مقولة: الدعاية الصهيونية هي الوجه الآخر للحركة السياسية لهذا النظام العنصري.
الكاتب: نسيب شمس