لطالما حافظت الصين على سياسة خارجية "متوازنة" في الشرق الأوسط، إذ تنأى بكين بنفسها عن الصراعات الحادة في المنطقة، وتستبدل ذلك بمواقف تدعو لخفض التوترات وتجسير الهوة بين الفرقاء. ولكن فيما يتعلّق بالقضيّة الفلسطينية فلدى الصين موقف ثابت في إدانتها للاحتلال الصهيوني ودعوتها الدائمة لحل الدولتين وفقًا للقرارات الدولية.
في هذا الإطار، ومنذ بداية التصعيد العسكري في غزة، دعت الصين إلى وقف فوري لإطلاق النار وحماية المدنيين، وأكّدت على أهمية حل الدولتين كسبيل لإنهاء الصراع، وقد جددت دعوتها لعقد مؤتمر دولي للسلام يهدف إلى تحقيق هذا الحل، مشددة على ضرورة التوصل إلى اتفاق يضمن حقوق الفلسطينيين. كما واستخدمت حق النقض ضد مشروع قرار أمريكي في مجلس الأمن لم يتضمن دعوة واضحة لوقف إطلاق النار، مما يعكس موقفها الرافض للسياسات الأمريكية المنحازة. وشاركت الصين في قمة القاهرة للسلام، حيث أكدت على ضرورة احترام القانون الدولي وتوفير المساعدات الإنسانية للمدنيين في غزة. في الوقت نفسه، سعت للحفاظ على علاقات جيدة مع جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الدول العربية وإيران. وفي الآونة الأخيرة، قامت الصين بدور الوسيط بين الفصائل الفلسطينية، حيث تم توقيع اتفاق مبدئي في بكين لتشكيل حكومة انتقالية للمصالحة الوطنية.
ولفهم أعمق للموقف الصيني من حرب طوفان الأقصى، أجرينا تقييم لإحدى عشر دراسة نشرت في أهم مراكز الدراسات والمواقع الصينية التي تبحث في المصالح الصينية في الشرق الأوسط وموقفها من الممر الهندي الأوروبي الذي يعتبر المنافس الأول لطريق الحزام والطريق الذي يمر من الشرق الأوسط، ونظرة الصين للدور الإسرائيلي في بناء وتشييد الممر كما ومستقبله في ظل حرب طوفان الأقصى، مرورًا بعلاقة إسرائيل بالدول العربية التي يمر بها الممر وعلى رأسها السعودية.
واللافت أن في إحدى الدراسات الصينية، كشفت أن الجذور الحقيقية لـ IMEC تعود إلى خطة "مسارات للسلام الإقليمي" التي اقترحتها حكومة نتنياهو في عام 2017، ومن بعدها تمت دعوة الهند للانضمام إلى الخطة لطمس دعاية الهند والدول المشاركة الأخرى الفوائد الاستراتيجية الكبرى لإسرائيل ودورها المهم ولمساعدتها في جعل التخطيط الاستراتيجي الإسرائيلي مقبولًا بشكل أسهل للدول العربية تحت غلاف جذاب. يمكنكم تحميل الدراسة بشكل كامل أسفل الاستنتاجات التي توصلت إليها الدراسة.
الاستنتاجات من الدراسات الصينية
- استفادت الصين من حرب طوفان الأقصى بشكل أساسي، كون الحرب كانت السبب الأساسي في إفشال الممر الهندي الأوروبي المنافس لطريق الحرير بسبب تأزم العلاقات العربية الإسرائيلية وبسبب المخاطر المتزايدة في ميناء حيفا.
- غالبًا ما يتم تجاهل الدور الحاسم الذي تلعبه إسرائيل في تطويرIMEC، حيث أن الجذور الحقيقية لـ IMEC تعود إلى خطة "مسارات للسلام الإقليمي" التي اقترحتها حكومة نتنياهو في عام 2017.
- إن ممر IMEC سيعزز من مكانة إسرائيل الاستراتيجية كمركز لوجستي إقليمي، ويساهم في تعزيز التبادلات التجارية والعلاقات الثنائية مع الدول المعنية، ويعزز التحالف ضد إيران.
- إذا تم إغلاق مضيق هرمز، سيصبح ممر IMEC شريان حياة لإسرائيل نحو الشرق.
- دعت إسرائيل الهند للانضمام - بحجة "استغلال خبرة الهند في مثل هذه المشاريع الكبرى".
- بعد فترة قصيرة من إعلان IMEC، رسم نتنياهو شخصيًا على الخريطة ممر IMEC خلال خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ووصف IMEC بأنه إنجاز كبير في الدبلوماسية الإسرائيلية، وأساس لـ "شرق أوسط جديد" سلمي ومستقر، وكان شعوره بالحماسة واضحًا.
- طمست دعاية الهند والدول المشاركة الأخرى الفوائد الاستراتيجية الكبرى لإسرائيل ودورها المهم، لكنها أيضًا ساعدت في جعل التخطيط الاستراتيجي الإسرائيلي مقبولًا بشكل أسهل للدول العربية تحت غلاف جذاب.
- لا يتطرق IMEC إلى جوهر المصالحة السعودية الإسرائيلية، حيث تأمل السعودية في الحصول على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة بمستوى حلف الناتو، وأن إن أحد الأسباب المهمة وراء دعم الولايات المتحدة للهند في البداية فيما يتعلق بالممر الهندي الأوروبي هو الجمع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
- إن القيمة الجيوستراتيجية لممر IMEC قد تتجاوز قيمته الاقتصادية، ويواجه تحديات كبيرة تتعلق بالتمويل والعوامل الجيوسياسية، بالإضافة إلى تحدي حرب طوفان الأقصى، مما قد يجعله مثالًا آخر على "دبلوماسية الشرائح" الأمريكية.
- حرب طوفان الأقصى حطّمت رؤية الهند بشكل مباشر، وذلك يعود لأن المملكة العربية السعودية، وهي أحد مؤسسي الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي، بتعليق المشروع، وشكل رحيلها المبكر بمثابة الإعلان عن إفلاس "طريق التوابل".
- إن حرب طوفان الأقصى أدت إلى تعطيل تخطيط الولايات المتحدة والهند بشكل مباشر. وقد يتحول وعد بايدن إلى شيك على بيا لا يمكن صرفه، بينما قد تتحول آمال مودي الكبيرة إلى بركة من الدخان. والسببان الرئيسيان لذلك هما: أولا، وقبل كل شيء، باعتباره طريقًا تجاريًا، فإن الشرط الأساسي لاستمرار الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي في العمل هو توفير بيئة خارجية سلمية نسبيًا. ومع ذلك، فإن العديد من الأقسام المهمة من الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي تقع في منطقة الشرق الأوسط المضطربة وتقع أيضًا في دول تركز على الصراع، مثل إسرائيل. أما من منظور الطريق، يتكون الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي من ممرين مستقلين، الممر الشرقي والشمالي. حاليًا، يتمتع الممر الشمالي بالبيئة الجيوسياسية الأكثر تعقيدًا.
- مع تزايد عامل المخاطرة، تهرب كميات كبيرة من رؤوس الأموال من الشرق الأوسط، ويتخلى المزيد والمزيد من المستثمرين عن الممر الهندي الأوروبي. إن السفن التي تمر عبر ميناء حيفا في خوف دائم من التهديدات المزدوجة المتمثلة في الهجمات الصاروخية من الحركات المسلحة حماس وحزب الله، وأصبحت سلامة حمولتها أكثر غموضًا.
- أن السياسة الخارجية التي انتهجتها الهند مؤخرًا تسببت في قتل الممر الهندي الأوروبي، حيث وصف وزير خارجيتها مودي في تغريداته حماس بأنها "إرهابية" وأصر على الوقوف إلى جانب الإسرائيليين "الأبرياء" بدلاً من شعب غزة. وهذا البيان يكفي لجعل الهند تخسر سوق الشرق الأوسط.
- أن الشرق الأوسط برمته، باستثناء إسرائيل، هو بلد لديه عداوة مع إسرائيل. ومن الواضح أن مودي يستطيع أن يظل محايدا من الناحية الإنسانية وألا يسيء إلى الطرفين، لكنه يصر على الضلال ودعم إسرائيل. وهذا يعادل التخلي عن دول أخرى في الشرق الأوسط. كما تعلمون، قد لا يمر الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي عبر إسرائيل، لكنه لا يستطيع تجاوز جميع الدول الإسلامية.
- إسرائيل أثارت غضب الرأي العام بسبب قصف غزة. الأمر الذي أجبر المملكة العربية السعودية على التراجع، مراعاةً لمزاج الناس في العالم العربي، ولم تجرؤ على الاقتراب أكثر من اللازم من إسرائيل. ومع استمرار الحرب، من المستحيل أن تعود السعودية وإسرائيل إلى الحالة السابقة من التعاون غير المباشر في وقت قصير.
- تنظر الصين إلى أساس هذا الممر على أنه ضعيف، ودوافعه غير نقية، ويحظى بدعم شعبي ضئيل، ومن المحتم أن يكون وعراً ومتعرجاً، وأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أدى إلى إعلان إفلاس المشروع مقدمًا.