الخميس 26 أيلول , 2024 09:32

الجبهة اللبنانية: عملية محدودة أم مفتوحة؟

مناورة لمقاتلي حزب الله

مع فتح الجبهة الثانية على الشمال، يلوح في الأفق سيناريو كارثي على الكيان المؤقت حسبَ معظم التقديرات المعلنة. هذا الوضع المعقد يطرح إشكالية كبيرة حول قدرة الاحتلال على إدارة هذا النوع من الصراع المزدوج، خاصة في ظلّ الإنهاك العسكري والاقتصادي الناتج عن العمليات المستمرة من جبهة غزة. إذ تُعدّ مواجهة حزب الله تحديًا أكبر بكثير مقارنة بحماس، نظرًا لتفوقه العسكري من حيث الترسانة الصاروخية والخبرة القتالية. ومع مشاهدة أول صاروخ باليستي - قادر1 -  يعبر من لبنان محلقًا فوق  سماء تل أبيب، يلحّ السؤال الرئيسي: كيف ستتمكن "إسرائيل" من الحفاظ على قدرتها الدفاعية والهجومية على جبهتين تساند بعضهما في وقت واحد، دون التعرّض لاستنزاف شامل على الصعيدين العسكري والاقتصادي؟ وإلى أي مدى سيسند الدعم الأمريكي المفتوح للتصعيد (وغير المعلن) في المنطقة، وأن يساعد على استمرارية العمليات العسكرية؟

عملية محدودة أم مفتوحة؟
تصريحات القادة الإسرائيليين حول الحرب على لبنان تشبه إلى حدّ كبير التصريحات التي أًطلقت في بداية الحرب على غزة. ثمة الكثير من التطابق في النبرة، وفي الخطاب العسكري والسياسي الذي يتبناه الإسرائيليون في كلا السياقين. لا يتحدث الاسرائيلي عن إنهاء حزب الله لكنه يتحدّث عن تدمير قدراته، ويكرّر خطابًا يعتمد على القوة المفرطة والردود غير المتناسبة باعتبارها وسيلة ردع. وكلا المواجهتين تتضمنان اتهامات إسرائيلية باستخدام المدنيين كدروع بشربة.
في بداية الحرب على غزة أعلن الإسرائيليون أنهم بصدد عملية عسكرية (محدودة) بهدف القضاء على حماس واستعادة الأسرى، وبدأوا باغتيال قادة المقاومة، ثمّ ألمحوا إلى أنها قد تطول حتى تحقيق الأهداف. على نفس المنوال، بدأ الإسرائيليون باغتيال قادة المقاومة في لبنان، والتصريحات الحالية تأخذ منحىً متشابهًا، إذ صرّح المتحدث العسكري "إننا نطمح أن تكون المعركة أقصر ما يمكن ولذلك نهاجم بقوة، لكن يجب أن نستعد لتستمر فترة أطول". وعليه، فإن الحديث عن عملية محدودة، يقع في إطار الخطاب العسكري والسياسي الذي يُستخدم لتهدئة الرأي العام الداخلي والدولي، وإدارة التصعيد التدريجي. 
إلى ذلك، ثمة تقديرات عسكرية تُجمع بأن أي عملية عسكرية على لبنان، ستحمل بنيويًا خطر التوسع والتدحرج نتيجةً لقدرة حزب الله على الردّ على الضربات الإسرائيلية غير المتناسبة، ما سيدفع العدو إلى الردّ على الردّ وتوسيع العملية.

الاستراتيجية الإسرائيلية لاستعادة الردع
يبدو أن استعادة الردع مع حزب الله -الأقوى والأكثر تسليحًا وخبرة من حماس- ضربًا من الخيال، بالنظر إلى مجموعة من العوامل التي من شأنها التأثير على قدرتهم على ذلك. يمتلك حزب الله عشرات آلاف الصواريخ المتطورة والدقيقة بعيدة المدى، يمكن أن تصل إلى معظم أنحاء أراضينا المحتلة داخل فلسطين. كما يمتلك خبرةً قتالية اكتسبها من حرب تموز عام 2006، ومن مشاركته في حرب الدفاع المقدس ضد الجماعات التكفيرية والإرهابية في سوريا. لقد راكم بذلك خبرة كبيرة على مستوى التنظيم الميداني واستخدام الأسلحة الثقيلة. إلى ذلك، لدى حزب الله نظام دفاعي قوي ومعقّد، يتمثّل في شبكات الأنفاق والخطوط الدفاعية والخطط المنظمة، ما يجعل أي محاولة عسكرية أكثر تعقيدًا.
وبعد الحرب على غزة، طال الإنهاك العسكري جزءً كبيرًا من قدرات جيش الاحتلال من حيث الموارد والجنود. وتمّ استنزاف اقتصاد دولة الاحتلال بنجاح بعد تعطيل المؤسسات، بسبب انصراف جنود الاحتياط إلى الجبهة. وبسبب تعطيل الاستثمارات في البلاد، نتيجةً لعدم الاستقرار الأمني. وعليه، فإنّ حربًا طويلة الأمد على لبنان ستحتاج إلى موازنات عسكرية لن يتحملها الاقتصاد الاسرائيلي من دون الدعم والتمويل الخارجي.

تأثير الانقسام السياسي على اتخاذ القرارات العسكرية 
رغم وجود انقسامات سياسية حول إدارة الحرب بشكل عام، ثمة إجماع واسع بين حكومة نتنياهو والمعارضة بشأن العملية البرية. إلا أنّ فشل العملية البرية مع حماس على مدار ما يقارب عامًا كاملًا، ينبئ بأن فشلًا جديدًا بانتظار جيش الاحتلال، الذي عاد إلى لبنان ليثأر لمجزرة الدبابات في وادي الحجير عام 2006.
لكن ماذا لو طالت العملية البرية دون تحقيق نتائج ملموسة؟ هل سيحافظ الاسرائيليون على الإجماع العسكري الحالي؟ أم ستعود الصراعات بينهم حول كيفية إدارة الحرب، لتظهر على شكل انقسام عامودي، حول استمرارية العملية البرية؟
يمكن القول إن العملية البرية طويلة الأمد من دون تحقيق أهداف واضحة، سيؤدي إلى إحباط في صفوف السياسيين والعسكريين والمستوطنين على حد سواء. في مثل هذه الظروف المتوقعة، قد تصعّد المعارضة الناشطة كما لم تنشط من قبل في تاريخ كيان العدو، قد تصعّد انتقاداتها للحكومة وتستغل الفشل لصالحها، وستزداد أعداد المعارضين في الشوارع إذا بدأت التكاليف البشرية والمادية تتزايد دون نتائج ملموسة.
على المستوى السياسي، سيصبح دعم الولايات المتحدة ودولًا أخرى أقلّ فعالية حكمًا عند الفشل، ما سيؤدي إلى مزيد من الانقسام السياسي في الداخل، والدعوة إلى التفاوض بدل الاستمرار في عمليات مستنزفة لا تحقق نتائجًا على أرض الواقع.
على المستوى العسكري، من شأن الخلافات داخل القيادة العسكرية بسبب عدم تحقيق الأهداف، من شأنها أن تظهر واضحة على الأرض على شكل مزيد من الخسائر الميدانية. كما سيؤدي ذلك إلى تصاعد التوترات بين القيادة العسكرية والقيادة السياسية. وهذه الخلافات سوف تصبح موضوعًا للجدل السياسي بين الحكومة والمعارضة. وتجربة حرب تموز قد أبرزت التأثير الواضح لهذا النوع من الخلافات على الانقسامات السياسية الداخلية وصعود حكومة وهبوط أخرى.

فعالية الدعم الأمريكي المفتوح
يشكل الدعم الأمريكي المفتوح، سواء كان علنيًا أو غير معلن، عنصرًا حاسمًا في قدرة إسرائيل على جبهتين بين غزة ولبنان. ومع ذلك، ثمة حدود لفعالية هذا الدعم، وتأثيراته على استمرارية العمليات العسكرية.
من المتوقع أن تستمر واشنطن في إمداد العدوّ بالذخيرة اللازمة. وأن تقدّم دعمًا استخباريًا متقدمًا لإسرائيل بالإضافة إلى الضغوط السياسية التي ستفتعلها في الداخل اللبناني. ومن المتوقع أيضًا أن يستمرّ الكونغرس في صرف الموازنات الخاصة لتمويل العملية، ولإسناد الاقتصاد الاسرائيلي. وكما تفعل عادة، ستحاول الولايات المتحدة التأثير على الموقف الدولي من خلال التغطية الدبلوماسية وتعزبز تحالفات "إسرائيل" الإقليمية بشكل خاص.
إلا أنّ حدودًا زمنية وسياسية ستفرض نفسها على طبيعة الدعم واستمراريته في حال طالت الحرب، وفي حال تدفق إلى الإعلام مشاهدَ لمجازرَ جديدة في المدنيين اللبنانيين. وبالإضافة إلى الانتقادات الداخلية، ثمة اعتبارات جيوسياسية أمريكية تشمل مصلحتها في المنطقة، وهي إبقاء الصراع تحت سقف الجبهات الحدودية دون مواجهة إيرانية تهدد استقرار الإقليم بأكمله، وتورّط واشنطن بحرب استنزاف تشبه حرب العراق وأفغانستان.
والأهم، ثمة خسائر لا تستطيع الولايات المتحدة تعويضها، وهي الخسائر البشرية لجيش الاحتلال. والتأثير النفسي والاستراتيجي لمثل هذه الخسائر، سيكون له دورًا كبيرًا في تحديد مسار العمليات. يمكن للدعم الأمريكي أن يساعد في إطالة أمد العملية البرية، إلا أنه لا يمكن أن يقدّم حلًا نهائيًا للصراع. ومع الوقت، سيجد الكيان المؤقت نفسه مضطرًا إلى البحث عن حلول سياسية أو التفاوض على وقف النار.


الكاتب:

زينب عقيل

- ماستر بحثي في علوم الإعلام والاتصال.

- دبلوم صحافة.

- دبلوم علوم اجتماعية. 




روزنامة المحور