بالتزامن مع المواجهات البطولية التي يخوضها مجاهدو المقاومة الفلسطينية، مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنين بالضفة الغربية. فإن من المهم الإضاءة حول أهمية عمليات المقاومة هناك، لا سيما على صعيد استخدامها لتكتيكات حرب العصابات وحرب المدن، وما ستعكسه حتماً على الحرب الكبرى ومعاركها، والتي يستعد لها محور المقاومة بمختلف قواه وجيوشه.
فطريقة عمل مجموعات المقاومة في الضفة الغربية مثل: كتيبة جنين، عرين الأسود، وكتيبة نابلس، تتميز بالعديد من الخصائص التي لا تستطع قوات الأمن الإسرائيلية من مواجهتها، ما يدفع بقادة الكيان المؤقت دائماً، الى الزجّ بفرق جيش الاحتلال النظامية والاحتياط. وعندها ستصبح احتمالية خسارتهم للجنود أكبر، وهو ما يتعارض مع النهج الحاكم في المؤسسة السياسية والعسكرية "لا إصابات". وعندها أيضاً ستصبح تكتيكاتهم وخططهم العسكرية، مناسبة لطبيعة العمل في الضفة الغربية أكثر من ساحات عمل أخرى. وهذا ما تبيّنت أثاره بشكل واضح خلال حرب تموز عام 2006.
حرب تموز 2006 كشفت ثغرات جيش الاحتلال
وهذا ما يبيّنه "مات ماثيوز" في دراسته تحت عنوان "لم نكن مستعدين: حرب حزب الله وإسرائيل عام 2006، التي أعدّها لمعهد الدراسات القتالية (CSI) في الجيش الأمريكي، والتي خصصت لدورة التفكير النقدي لضباط أركان الجيش الأمريكي وقادة المستقبل في كلية القيادة والأركان العامة (CGSC) كدراسة حالة. وقد أشار فيها ماثيوز إلى أن هذه الحرب شوهت ما وصفه بـ"هيبة الجيش الإسرائيلي" بشدة. معدّداً أسباب الفشل وأبرزها:
_الاعتماد الكلي على القوة الجوية.
_بعد سنوات من عمليات "مكافحة التمرد (COIN)" في قطاع غزة وأراضي الضفة الغربية، كانت القوات البرية التابعة للجيش الإسرائيلي غير مستعدة من الناحية التكتيكية وغير مدربة للقتال ضد قوة حازمة من حزب الله نفذت ما اعتبره من نواح كثيرة، دفاعاً تقليدياً ثابت الموقع (أي مثل الجيوش الكلاسيكية).
وقد تقاطعت نتائج دراسة ماثيوز، مع دراسة أخرى أعدها الباحث الإسرائيلي "آفي كوبر" تحت عنوان: " قوات الدفاع الإسرائيلية في حرب لبنان الثانية: لماذا الأداء الضعيف؟"، والتي جاء في إحدى فقراتها، أن القتال الإسرائيلي خلال انتفاضتين قد أثر على أداء الجيش الإسرائيلي السيء.
فقال كوبر بهذا الخصوص: "العديد من نقاط ضعف الجيش الإسرائيلي التي تم الكشف عنها خلال الحرب، مستمدة من حقيقة أنه منذ أواخر عام 1987، عندما اندلعت الانتفاضة الأولى في الضفة الغربية وقطاع غزة، أصبح حفظ الأمن في المناطق مهمته الرئيسية. لقد أدت محاربة خصم ضعيف لفترة طويلة من الزمن إلى إضعاف القدرات العملياتية للجيش الإسرائيلي بشكل كبير. في مناقشات هيئة الأركان خلال فترة رئاسة يعالون كرئيس للأركان، حذر اثنان على الأقل من الأركان العامة، الجنرال يشاي بار ويفتاح رون تال، من أنه نتيجة للانشغال بالبعثات في المناطق، فقد الجيش الإسرائيلي قدرته على المناورة والقدرة على المناورة، للقتال في التضاريس الجبلية.
وفي اجتماع لكبار قادة الجيش الإسرائيلي في أوائل كانون الثاني (يناير) 2007، اعترف رئيس الأركان دان حالوتس أنه نتيجة سنوات من العمليات الشبيهة بالشرطة في المناطق، فقد اعتاد قادة الجيش الإسرائيلي على التفكير في أنه لا يوجد شيء أكثر أهمية من الحفاظ على حياة حتى لو جاء ذلك على حساب إنجاز مهامهم. الجنرال (احتياط) يورام يائير، الذي صادف هذه الظاهرة أثناء التحقيق في أداء الفرقة 91 خلال حرب لبنان الثانية، أوضح:
لم نشهد حربًا منذ 24 عامًا حتى الآن. لم يكن لدى القادة من مستوى الفرقة وما بعده أي خبرة في الحرب. [...] كان لديهم الكثير من الخبرة العملياتية أو التكتيكية في غزة ولبنان (قبل التحرير) ويهودا والسامرة (الضفة الغربية)، وكانوا يعتمدون في عملهم على تلك التجربة...".
وبيّن كوبر أن المؤرخ العسكري الإسرائيلي "مارتن فان كريفيلد" قد حذر في عام 1998، بعد أكثر من عقد من اندلاع الانتفاضة الأولى، من أن"10 سنوات من محاولة التعامل مع الانتفاضة استنزفت قوة الجيش الإسرائيلي من خلال جعل القوات والقادة يتأقلمون مع العدو. تنظر القوات الآن إلى الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين خاليي الوفاض كما لو كانوا يمثلون في الواقع تهديدًا عسكريًا خطيراً، بالكاد يتذكر الغالبية العظمى عندما تدربوا وشاركوا في أي شيء أكثر خطورة من عملية من نوع الشرطة؛ في جيش الدفاع الإسرائيلي بأكمله، لم يتبق الآن أي ضابط تولى قيادة ما يصل إلى لواء في حرب حقيقية".
الحرب الكبرى
لذلك وبعد استعراض هذه الآراء التي صدرت حول حرب العام 2006، التي خاضها بضعة آلاف من مجاهدي حزب الله كما قال تقرير فينوغراد، فعندها ندرك بأن لمقاومة الضفة وإن كان عناصرها بالعشرات، تأثيرات ونتائج مهمة جداً على صعيد مشهد الصراع بين محور المقاومة والكيان المؤقت.
فبالتزامن مع عمليات المقاومة الفلسطينية في الضفة، هناك تجهيزات وتحضيرات وتدريبات تجري على قدم وساق في كامل ساحات المحور الـ 6. وعندها سيطرح السؤال نفسه بعد ما استعرضناه أعلاه: كيف ستكون الحال خلال الحرب المقبلة والكبرى، التي سيخوضها مئات الآلاف من مجاهدي محور المقاومة، الذين استطاعوا خلال سنوات ما بعد حرب تموز 2006، من الانتصار في مختلف أنواع المعارك والحروب (آخرها معركتي سيف القدس ووحدة الساحات)، وبمختلف أشكال التكتيكات العسكرية؟!
الكاتب: علي نور الدين