الإثنين 03 نيسان , 2023 01:51

المجتمع اليهودي: عنصرية تجاه العرق الأسود

شرطة الاحتلال تتعامل بعنف مع اليهود من العرق الأسود

تحكم البينة المجتمعية لكيان الاحتلال، التي تعتبر خليطًا غير متجانس من العديد من التيارات والقوميات والأعراق، صراعات بسبب التمييز ونمو الطبقية والتعامل على أساس العنصرية تجاه الآخر. من بين أبرز هذه الصراعات، نزاع اليهود الأشكناز والسفاردم، بالإضافة الى العنصرية تجاه اليهود من العرق الأسود، الذين يصنفون مستوطنين من "الدرجة الثانية"، وقد تمت معاملتهم داخل فلسطين المحتلّة على هذا الأساس.

العنصرية بدأت منذ ما قبل وصولهم الى فلسطين المحتلّة

بدأت العنصرية والتمييز ضد اليهود من أصول اثيوبية، قبل مجيئهم الى فلسطين المحتلّة. اذ رفض بعض مسؤولي الاحتلال هجرتهم بزعم عدم استيفائهم لشروط "قانون العودة"، وسط تشكّل حالة من المعارضة في أوساط الاحتلال آنذاك.

لكن في العام 1975، وافق رئيس حكومة الاحتلال إسحاق رابين على استجلابهم. وبدأت دفعات اليهود الإثيوبيين بالوصول. وبعض هذه الهجرات، كانت تتم بطريقة سرية تحت اسم "عملية سليمان"، و"عملية موسى"، وغيرها.

مع نهاية العام 2017، بلغ عدد المقيمين من أصل إثيوبي في إسرائيل 149 ألف شخص، وُلد حوالي 59% منهم في إثيوبيا، بينما وُلد حوالي 41% منهم في فلسطين المحتلّة لأب من أصل إثيوبي.

لكنهم عاشوا في واقع من العنصرية وعانوا من التمييز والعنصرية على المستويات كافة، من اليهود من أصول أخرى وخاصة اليهود من أصول غربية. وقد وصفوا بـ"الزنوج" و"الرعاع" و"المختلفين عن الإسرائيليين في كل شيء"، كما وعرفوا باسم "الفلاشا". حسب ما تنقل الباحثة في معهد العلاقات العامة والدولية - جامعة جورجيا، في الولايات المتحدة الأمريكية في دراستها للجالية الإثيوبية في "إسرائيل".

العنصرية بالأرقام

في العام 2016، صنّف اليهود الاثيوبيون من بين الفئات الأفقر في كيان الاحتلال، اذ إنّ 23% من الأسر الاثيوبية كانت تحت خط الفقر. بالإضافة الى تفاوت واضح في الأجور. فحين كان متوسط دخل المستوطنين من القوميات الأخرى 11928 شيكل شهريًّا في العام 2017، كان متوسط الدخل لدى اليهود الاثيوبيين مقابل 8247 شيكل شهريًّا فقط، هذا من جهة الرجال. والوضع لم يكن مختلفًا لدى النساء الاثيوبيات، فقد كان متوسط دخل المرأة الاثيوبية الشهري 5568 شيكل مقابل 8188 شيكل للمرأة من فئة أخرى.

يفرض الاحتلال أيضًا، شروطًا أصعب لقبول الطلبة من أصول أثيوبية في الجامعات، ففي العام استوفى 39.7% فقط من الطلاب الاثيوبيين شروط الالتحاق بالجامعة، في حين كان المعدل بين الفئات الأخرى 68.6%. الى جانب امتناع بعض المدارس في الكيان من استقبال التلامذة الإثيوبيين في صفوفها.

عانى اليهود الإثيوبيون من تمييز من الناحية الدينية والأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية، اذ يعاملون بعنصرية في شؤون الزواج والطلاق من "المؤسسة الحاخامية". أمّا على المستوى الصحي، اذ يُشار الى أنّ النساء الاثيوبيات، جرى حقنهنّ بمواد منع حمل خلال تواجدهم في معسكرات انتقالية قبل هجرتهم الى فلسطين المحتلّة، وتمت العملية دون أخذ إذنهنّ. بالإضافة الى فصل أقسام التوليد في المستشفيات بين النساء الاثيوبيات والنساء من القوميات الأخرى.

وصل التمييز الى حد، رمي "ماغن ديفيد أدوم" العبرية (وهي منظمة على غرار منظمة الصليب الأحمر) بالتخلص سرًّا من الدم الذي جُمع من متبرعين إثيوبيين، تحت ذريعة الخوف من انتقال فيروس "نقص المناعة"، التي زعمت المنظمة أنه ينتشر لدى المنحدرين من أصول إفريقية.

احتجاجات واستمرار الواقع العنصري

في العاشر من كانون الثاني/ يناير 2012، اقتحم نحو 3 آلاف يهودي إثيوبي مقرّ "الكنيست"، احتجاجاً على العنصرية ضدّهم، بعد أن اكتشفوا أن اليهود من العرق الأبيض يرفضون بيع أو تأجير الوحدات السكنية الاستيطانية لليهود من العرق الأسود. وقد رفعوا حينها شعار "دمنا الأحمر يصلح فقط للحروب".

في سياق استغلال اليهود من العرق الأسود في الحروب، فإنّ مستويات الاحتلال لا تعطي أهمية في المفاوضات غير المباشرة مع حركة حماس لملف الجندي الأسير لدى الأخيرة منذ العام 2014، أفيرا منغستو، بسب عرقه وأصوله.

أمام هذا الواقع، تأسست في العام 2015، "اللجنة الوزارية المشتركة للقضاء على العنصرية ضد الإسرائيليين من أصول إثيوبية"، بهدف جمع المعلومات والحد من التمييز. وعلى إثرها، اكتُشف أن النسبة الأكبر من القضايا الجنائية موجهة بحق اليهود الاثيوبيين. فقد كانت في العامين 2014 و2015، نسبة 3.5% من القضايا الجنائية مرفوعة بحقهم رغم أنهم يشكلون 1.6% من إجمالي عدد المستوطنين في فلسطين المحتلّة. لكنّ اللجنة لم تمنع استمرار الممارسات العنصرية بحقهم.

قُتل في الثلاثين من حزيران / يونيو 2019، في حيفا المحتلة، اليهودي الاثيوبي، سولومون تيكا، على يد جندي متقاعد. كذلك في كانون الثاني / يناير 2019، قُتل مستوطن إثيوبي آخر يُدعى، يهودا بيادغا، (24 عامًا) خلال مواجهة مع قوات الشرطة.

عقب الحادثتين، نزل المئات من اليهود من أصول إثيوبية الى شوارع المدن الفلسطينية المحتلّة، احتجاجًا على العنصرية والعنف ضدهم، وتصاعدت الاحتجاجات في تموز / يوليو 2019. اذ أغلق المحتجون الطرق في مدن عدة وأحرقوا إطارات السيارات واشتبكوا مع قوات الشرطة التي ردت عليهم بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل صوتية واعتقلت أعدادًا كبيرة منهم. خلَّفت تلك المواجهات أكثر من مئة جريح في صفوف رجال الشرطة و80 من المتظاهرين، بالإضافة إلى اعتقال أكثر من 100 متظاهر.

إنّ تعمّق هذه الصراعات على خلفية الطبقية والعنصرية، يجعل من المجتمع اليهودي مفكك وقد يؤدي به المطاف نحو التفكك من الداخل.


الكاتب: مروة ناصر




روزنامة المحور